اسبانيا تشيد بالتضامن المغربي في جهود الإغاثة إثر الفياضانات    يربط إسبانيا بجنوب المملكة.. شركة ريان إير تدشن خطًا جويًا جديدًا بين مدريد والداخلة    بسبب حملة مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل.. كارفور تعلن إغلاق فروعها في سلطنة عُمان    لبنان.. انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسا للجمهورية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    وفاة الموسيقار محمد بن عبد السلام عن عمر يناهز 94 عاما    جواز السفر المغربي يسجل قفزة في التصنيف العالمي لعام 2025    الغلاء الفاحش لأسعار المواد الاستهلاكية يدفع إلى مساءلة الحكومة برلمانيا    الذهب يتراجع بعد أن وصل لأعلى مستوياته في نحو أربعة أسابيع..    أخذنا على حين ′′غزة′′!    "بوحمرون" يغزو أسوار السجون ويفتك بالنزلاء    بورصة "كازا" تستهل تداولات الخميس على وقع الارتفاع    فيديو عزف ترامب أثناء إعلان ترودو استقالته من منصبه يثير التفاعل    نقابة UMT تعلن "نصف انسحاب" بعد توافق على تقديم مشروع قانون الإضراب في الغرفة الثانية    مندوبية: رصد ما مجموعه 41 حالة إصابة بداء الحصبة بعدد من المؤسسات السجنية    هل يمكن مع البام أن نمضي إلى الأمام؟    طوفان الأقصى: أوهام الصهيونية    الكوكب يتجاوز رجاء بني ملال وينتزع الصدارة والمولودية ينتفض برباعية في شباك خنيفرة    أتليتيكو يستغل غياب البارصا والريال    لامين يامال يفضل نيمار على ميسي    إصابة جديدة تبعد الدولي المغربي أشرف داري عن الملاعب    خفافيش التشهير في ملاعب الصحافة    إنتاج الحوامض بحوض ملوية يتجاوز 192 ألف طن في 2024-2025    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    حول الآخر في زمن المغرب ..    تايلور سويفت تتصدر مبيعات بريطانية قياسية للموسيقى    أسعار النفط تواصل خسائرها وسط ارتفاع مخزونات الوقود الأمريكية    جمهورية غانا الدولة 46... والبقية تأتي بعد حين    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم..    حصيلة حرائق لوس أنجليس ترتفع إلى خمسة قتلى    كيوسك الأربعاء | هيئات سيارات الأجرة تدعو لمناظرة وطنية للحسم في جدل تطبيقات النقل    المنصوري تشرف على توقيع اتفاقيات لتأهيل مدن عمالة المضيق الفنيدق    مشروع قانون الإضراب.. السكوري: الحكومة مستعدة للقيام ب "تعديلات جوهرية" استجابة لمطالب الشغيلة    وفد عن مجلس الشيوخ الفرنسي ينوه بالزخم التنموي بالداخلة لؤلؤة الصحراء المغربية    المغرب إلى نصف النهائي في"دوري الملوك"    تعيين مهدي بنعطية مديرًا رياضيًا لأولمبيك مارسيليا    الكأس الممتازة الاسبانية: برشلونة يتأهل للنهائي بعد فوزه على بلباو (2-0)    كأس الرابطة الانجليزية: توتنهام يفوز في ذهاب نصف النهاية على ليفربول (1-0)    بعد إلغاء اجتماع لجنة العدل والتشريع لمجلس النواب الذي كان مخصصا لمناقشة إصلاح مدونة الأسرة    الريف يتوشح بالأبيض.. تساقطات ثلجية مهمة تعلو مرتفعات الحسيمة    طنجة: ثلاث سنوات حبسا لطبيب وشريكه يتاجران في أدوية باهظة الثمن للمرضى    ترامب يقف أمام نعش الراحل كارتر    جيش إسرائيل يفتك بأسرة في غزة    الشرطة بطنجة تُطيح ب'الشرطي المزيف' المتورط في سلسلة سرقات واعتداءات    قريباً شرطة النظافة بشوارع العاصمة الإقتصادية    هجوم على قصر نجامينا يخلّف قتلى    لقاء يجمع مسؤولين لاتخاذ تدابير لمنع انتشار "بوحمرون" في مدارس الحسيمة    السجن المحلي لطنجة يتصدر وطنيا.. رصد 23 حالة إصابة بداء "بوحمرون"    الإعفاءات الجزئية لفائدة المقاولات المدينة: فتح استثنائي لقباضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يومي السبت والأحد    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    عامل إقليم السمارة يشيد بأهمية النسخة الثامنة لمهرجان الكوميديا الحسانية    مولاي إبراهيم الشريف: مهرجان مسرح الطفل بالسمارة يعزز بناء جيل مثقف    بنسعيد: الدعم الاستثنائي للصحافة بلغ 325 مليون درهم خلال سنة 2024    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    نجم موسيقى الستينيات "بيتر يارو" يرحل عن 86 عاما    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمحات منهجية في مفاهيم وقضايا فكرية
نشر في التجديد يوم 06 - 10 - 2002


الحلقة الثانية

الاجتهاد والتجديد

ليس هذا وحسب، بل إن حركة التدوين ذاتها وحركة التأليف بعدها، حاصرت امتداد المفهومين وضيقت من دلالاتهما المستوعبة لواقع الأمة علما وعملا. وأمسى الاجتهاد مبحثا من مباحث الفقه والأصول، تجده في آخر هذه المؤلفات إلى جانب مبحث التقليد، وغالبا ما يحتل هذا الأخير من الحيز أكثر مما يحتل الأول. أما التجديد فلا تكاد تجد له ذكرا إلا عند شروح حديث أبي داود حيث غلبت عليه تعريفات المحدثين.
ليس المراد هنا قطعا التنقيص أو التقليل من شأن تلك المؤلفات أو المدارس كما قد يتوهم البعض، وإنما المراد استئناف البحث والنظر في دلالات الاجتهاد والتجديد من خلال "رؤية" تتحرك داخل النسق المدرسي أو المذهبي وخارجه أيضا، في إطار خصائص الإسلام الكبرى، التوحيدية والشمولية والواقعية والإنسانية... وغيرها.
ستجعل الاجتهاد والتجديد في العلوم الإنسانية والكونية كالاجتهاد التجديد في العلوم الشرعية، وتجعلهما بالمعنى العام هم الأمة قاطبة لا هم نخبة فيها فقط. مادامت السنن والدلائل والآىات الهادية نصية وإنسانية وكونية. وما دام الإنسان كل إنسان مكلفا بالتعمير والاستخلاف ومتحملا للأمانة، قل نصيبه في ذلك أم كثر، تماما كما هو ومكلف بالعبادة.
ومن مداخل هذا البحث المنهجية الرصد التاريخي لظاهرة "الانقلاب" والفكري في الأمة الذي انتهى إلى محاصرة الاجتهاد والمجتهدين والتجديد والمجددين ولا يخفى هنا أمر أعلام تقدموا أزمانهم بقرون كابن تيمية والشاطبي وابن خلدون والشوكاني.. وغيرهم. وكيف شاع التقليد في الأمة وهو عليها دخيل وانحسر الاجتهاد وهو فيها أصيل؟
لابد إذن من عودة تحريرية بنائية لهذا الأصل العظيم: الاجتهاد، ومعه التجديد كذلك، على أصول وقواعد ومقاصد الشرع التي ينبغي أن تكون ثابتا يلازم المفهوم في رحلته مكانا وزمانا إذ من خصائصها الانفتاح والشمول والاستيعاب لمتغيرات الزمان والمكان. وليس ذلك للتعريفات والاصطلاحات الخاصة بالمدارس والمذاهب التي هي تجسيدات محكومة في غالبها بمتغيرات الزمان والمكان.

الإصلاح والتغيير... جماهيري لا نخبوي، وكلي لا جزئي، ووسطي معتدل
إن الدرس الذي يمكن أن نستفيده من عدم نجاح كثير من حركات الإصلاح والتغيير والنهضة والتحديث، هو عدم تحققها بشروط أساسية تضمن لها هذا النجاح أو قدرا منه على الأقل.
أولها: أن تنطلق من قناعات جماهيرية شعبية تتأطر حول المشروع وتسنده وتكون له قواعد رافدة وداعمة. وهذا يتطلب التحرر قدر الإمكان من التغيير والتحديث النخبوي الذي لا تكون خلاصاته ونتائجه إلا هامشية وسطحية ومعزولة مهما كان أصحابها متنفذين، وإن كان فيه من فائدة فلصالح النخبة ملا القاعدة. ،تجنب سهذه الآفة يستلزم تواصلا كاملا مع القاعدة تكون ميزته الأساسية الشفافية والوضوح والشورى والديموقراطية الحقة. مما يعزز قيم الثقة ولاصدق والالتزام والوحدة والتآزر والجدية والانضباط في هذا الجسم أو ذاك.
ثانيها: أن رصد مشكلات موعلل المجتمع ضمن مشروع إصلاحي تحديثي يستوجب أن يكون كليا شاملا لا جزئيا قاصرا، بحيث يغطي أكبر مساحة ممكنة مهما تفرعت مع إمساكه بأصول الانحراف والفساد يتتبعها بالعلاج الموضعي أصولا وفروعا، وهذا يضمن لمشروع مالإصلاح والتحديث قدرا من الواقعية والإحاطة الميدانية في العمل. ذلك أن التركيز على جزء معين وإهمال أجزاء أخرى هو كعلاج عضو في جسم يعاني من انهيار تام في سائر أعضائه. وهذا الذي حصل لكثير من حركات الإصلاح والتغيير في الأمة والمجتمع، ذات النظر الجزئي الذي لا يبصر الأمور في سشمولها وتركيبها العام، وإذا تعذر على نموذج إصلاحي هذا الإلمام الكلي فلا أقل سمن أن يتكامل مع غيره في ذلك.
ثالثها: أن يلزم مشروع النهضة والإصلاح خط الوسطية والاعتدال الذي ينأى به عن الغلو والتطرف والشذوذ في الأقوال والأعمال. والوسطية مقوم من مقومات الثقافة الإسلامية، وخصيصة من خصائص هذه الأمة (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)، وفي الأثر عن عائشة رضي الله عنها: >ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما< وفي رواية >أوسطهما< ثم إن الوسط من الشيء خياره. فالوسطية إذن منهج ورؤية قائمة على التيسير لا التعسير والتبشير لا التنفير والمطاوعة عند الاختلاف كما ورد في الحديث التوجيهي للرسول صلى الله عليه وسلم إلى صحابته الكرام. وهي أيضا قطب جامع تؤوب إليه الأطراف عن اليمين وعن الشمال. فالوسطية والاعتدال في الفكر والتحلي بمنطق الموازنة والترجيح والتدرج، وعدم الغلو إفراطا أو تفريطا في الفهم والسلوك... كل ذلك من عناصر نجاح تجربة الإصلاح والنهضة في المجتمع. وما ظهرت أشكال الانحراف والغلو في مجتمعات الأمة في تيارات ومذاهب مدينية وسياسية وفكرية إلا لما وقع الحياد عن هذا الخط والنهج الأصيل، وحصل التورم والتضخم في جزء أو جانب على حساب البنيان ككل.

الدكتورسعيد شبار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.