مقتضيات لا إله إلا الله محمد رسول الله الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى حمد المعترف له بالنعمة، و نشكره جل و علا شكر المقر له بالفضل، لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه. و نشهد أنه الله، شهادة ندخل بموجبها في رحمته و نستقر بفضلها في عظيم رضوانه. قال تعالى:(للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج مطهرة و رضوان من الله، و الله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النارالصابرين و الصادقين و القانتين و المنفقين و المستغفرين بالأسحارشهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم). إن الدين عند الله الإسلام.. و نشهد موقنين كذلك أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، بشر المسلمين فقال يوما لأصحابه فيما يرويه البخاري عن ابن مسعود: >أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قالوا: نَعَمْ. قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قالوا: نَعَمْ. قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قالوا: نَعَمْ. قَالَ: وَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، و ذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَ مَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ<صلى عليك الله يا علم الهدى.. أما بعد فيا أيها الإخوة و الأخوات: لا إلاه إلا الله الشرط الأول للنجاح إذا كان العبد يريد النجاة يوم القيامة فما عليه إلا أن يتسلح بالإسلام عقيدة و عبادة و سلوكا: (و من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين). و معلوم أن الدخول في الإسلام إنما يتم بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ و لكن أيها الإخوة لا بد من توضيح بعض الأمور حتى لا يفهم الكلام خطأً:لننظر في الحياة العامة، كل واحد منا يجتاز الامتحان ثم ينتظر النتيجة! فإما ناجح و إما راسب! و في صفوف الناجحين هناك من هم متفوقون و هناك من هم أقل منهم درجة، و تلكم حال المؤمنين يوم القيامة، كل في الجنة إلا أن الله تعالى يقول: (فضل الله المجاهدين بأموالهم و أنفسهم على القاعدين درجة، و كلا وعد الله الحسنى). فإذا أردت أخي الكريم أن تكون من هؤلاء المفضلين فعليك أولا أن تلتزم التزاما كاملا بكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".. فبها تنضم إلى صفوف المؤمنين و هو الشرط الأول للنجاح، ثم بعد ذلك يظهر التفوق فيتم الارتقاء في درجات الجنة و يثبت التفضيل. أجل أيها الإخوة، لا يكفي أن يكون الإيمان ادعاء أو إرثا أو تقليدا. إنما ينبغي أن يستقر في القلب ثم تظهر علاماته في التصرفات! مقتضايات لا إلاه إلا الله و هذا لا يتأتى إلا باحترام مقتضيات "لا إله إلا الله محمد رسول الله" التي أدعوكم و نفسي أولا إلى التعرف على بعضها.. أيها الناس، إن من مقتضيات لا إله إلا اللهُ، أن نوحده سبحانه و تعالى حق التوحيد، توحيدا مطلقا،سواء كان ذلك في العقيدة أو في العبادة أو في السلوك: (ذلك بأن الله هو الحق و أن ما تدعون من دونه هو الباطل و أن الله هو العلي الكبير). و من ثم فإننا نفهم أن من مقتضيات لا إله إلا الله، إفراده سبحانه بالعبادة و التبرؤ من كل معبود سواه و ذلك بالتزام ما أمر و ترك ما نهى: (قل الله أعبد مخلصا له ديني). وهذا معناه أن نتمسك حقا بقولنا في كل ركعة من الصلاة: "إياك نعبد و إياك نستعين".. فلا تسألْ أحدا إلا الله و لا تستعن بغيره و لا ترجو سواه. روى الترمذي عن ابن عباس (:إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَ إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ). ثم إن من مقتضيات لا إله إلا الله الإتيان بالفرائض و الواجبات دون تفريط و لا تقصيرو تركُ المعاصي دون تردد و لا ارتياب. فقد روى الإمام مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ). و هل كانت طاعة الرسول إلا من طاعة الله؟(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و رسوله و لا تولوا عنه و أنتم تسمعون). قيل للحسن البصري رحمه الله: إن الناس يقولون: من قال لا إله إلا اللهُ دخل الجنة فقال: من قالها فأدى حقها و فرضها دخل الجنة، وقيل لأحد الصالحين: أليس لا إله إلا الله مفتاحَ الجنة؟ قال: بلى و لكن ما من مفتاحٍ إلا و له أسنان و أسنان مفتاح الجنة إتيان الفرائض و الواجبات و ترك المعاصي و المنهيات. المقتضيات تتطلب العمل فالمطلوب عباد الله أن يقول المسلم لا إله إلا الله و هو يعلم معناها و يعمل بمقتضاها، ثم بعد ذلك يستقيم عليها مصداقا لقوله تعالى: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق و هم يعلمون). "شهد بالحق" أي شهد شهادة الحق "و هم يعلمون" أي لم يشهدوا بها تقليدا دون فهم لفحواها، فليس المقصود منها مجرد النطق بها و لكن فَهْمُ معناها واعتقاد مدلولها والعمل بمقتضاها، و إلا فكيف نَصِفُ بالإيمان من يتفوه بها وهو مصرٌّ على إتيان الفاحشة و أكل الربا وارتياد أماكن اللهو وشرب الخمور ولعب الميسر وأخذ الرشوة واحترف الكذب؟ إن مثل هذا لا يعدو أن يكون إلا مستهزئا بدين الله: (يخادعون الله و الذين آمنوا و ما يخادعون إلا أنفسهم و ما يشعرون.. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا و لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون). وهذا يتطلب امتثال الشطر الثاني من شهادة الحق(وأن محمدا رسول الله) الذي يتحقق في نفس المسلم بثلاثة أمور: 1. طاعته ( فيما أمر به و ما نهى عنه لقوله صلى الله عليه وسلم:>إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ<. 2. تصديقُهُ فيما أخبر به من الغيب لعلك تكون من المتقين و ذلك لقوله تعالى منوهاً: (والذي جاء بالصدق و صدق به أولئك هم المتقون). 3. إتباعه في كل ما بيَّنَهُ من العبادات إذ كلها توقيفية لا مجال للرأي فيها. قال (:صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وقال أيضا: أَيُّهَا النَّاسُ خُذوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا). فقل لي بربك أيها المسلم الكريم، ألا ترضى أن تكون من أتباع هذا السيد العظيم الذي فضله الله على الخلق أجمعين؟ ألا ترضى أن تكون من أتباعه و كل شيء وهو في سيرته يدعوك لمحبته؟ ألا ترضى أن تنضم إلى صفه وهو بحق المثلَ الأعلى للتكامل و التوازن يعطي كل شيء حقه بلا طغيان ولاإخسار. في الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة كان ( يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، و يبكي حتى تبلل دموعه لحيته.. و كان أزهد الناس في الدنيا و أرضاهم باليسير منها حتى كان يقول في ما يرويه أحمد عن ابن عباس ( مَا لِي وَ لِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَ مَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَ تَرَكَهَا). و رغم هذه الروحانية لم يهمل الإقبال على جوانب الحياة بما تفرضه من أعباء و ما تمثله من مطالب.. فكان.. الزوج المثالي، يحسن عشرة أزواجه و يطيب أنفسهن، و يقدر الظروف الخاصة لكل واحدة منهن.. و كان.. الأب الحنون يحب أبناءه و بناته، و يحرص عليهم كما يحرص كل إنسان على ولده بل أكثر.. يلاعب سبطيه و يوطئ لهما ظهره الشريف ليركباه ، فيركب أحدهما مرة و هو يصلي فيطيل الصلاة، فيسأل عن سر إطالته فيقول: ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ. و هكذا كان يرعى حقوق القرابة، و لو كان أهلها مشركين، و يرعى حق الجار و إن ظلم و جار، و إن كان يهوديا، و يقول في ذلك: (مَا زَالَ يُوصِينِي جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ). وغيرُهذا من معالي الأخلاق كثيروكثيرلا يسعفنا الوقت لذكره.. فسيرته: سيرة جامعة شاملة متوازنة، يجد فيها كل طالب للأسوة مكانا للاقتداء بهداها.. فكيف لا تحبه و كيف لا تكون من أتباعه؟ الدكتور حسن غربي خطيب مسجد بدر. الرباط