عندما تلتقي بفنان من وزن عبد القادر البدوي يأسرك بوطنيته الظاهرة بدون تكلف، وبإخلاصه لفنه، وتفانيه في العطاء، التقينا به في هذه الظروف المتسمة بالاستعداد للاستحقاقات القادمة، وتطرقنا معه إلى حصيلة حكومة التناوب التي وصفها بأنها "كارثية" وأكثر من سيئة، كما عبر الفنان البدوي عن معاناته من وزير الثقافة الذي تحيط به "شلة" فرنكفونية لا علاقة لها بالمسرح، ومن "إنجازاتها" منع مهرجان مسرح البدوي الذي وصل سنته الثلاثين، ووقفنا معه على دعم وزير الثقافة لمواسم الأضرحة وكناوة والعيطة والطعريجة وغيرها.. كما أبدى الفنان البدوي رأيه في المسرح الجامعي الذي يعقد هذه السنة دورته 41 وقال عنه إنه «اسم بدون مسمى» كما قال عن قانون الفنان إنه كذب وزور وبهتان، وصب جام غضبه على "المهازل" التي تقدم في التلفزيون المغربي وعلى رأسها مسلسل "للافاطمة". مرحبا بالأستاذ عبد القادر البدوي على صفحات جريدة "التجديد" ونبدأ هذا الحوار بالتوقف عند الأجواء السياسية التي يعيشها المغرب هذه الأيام، والاستعدادات للاستحقاقات القادمة ألم يفكر الفنان البدوي في خوض غمار الانتخابات؟! أنا سعيد بلقائي بجريدة "التجديد" التي أعتبرها منبرا من المنابر الوطنية في هذا البلد السعيد، أما عن هذه المرحلة فأنا أعتبرها مرحلة مليئة بالتفاؤل بالنسبة للشعب المغربي، وهو شعب مسلم وطني وغيور، فهذا الشعب الذي يدعونه في الإعلام ليكون مستعدا للانتقال الديمقراطي، نتمنى أن يكون فعلا انتقالا ذا مصداقية حقيقية، وأن يكون الانتقال تجديدا في السياسات، وكذا في الوجوه السياسية والثقافية والفكرية، فأنا أخجل من رؤية من ساهموا في تأخير هذا الوطن يتصدرون اللوائح الانتخابية، وكان عليهم أن يستجيبوا ويبتعدوا ويقولوا كفى، وبإبعادهم يتأكد الانتقال الديمقراطي الذي نسعى إليه جميعا، وسنتجند لبنائه من جديد. إذا أردنا أستاذ أن نقف عند الحصيلة الفنية لحكومة التناوب ماذا يمكن أن يقول لنا الفنان عبد القادر البدوي؟ عندما نقول حكومة التناوب فيجب على حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أنا أحد المساهمين في تأسيسه سنة 1959، ومن الذين كتبوا في جريدة "التحرير" منذ إنشائها حتى توقفت، وأحد الذين حملوا المسرح الفكري التقدمي في هذه المنظمة كرجل مسرح وقلم وليس رجل انتماء، لأن انتمائي جعلته للوطن، وكنت أعتبر عبد الرحمان اليوسفي آنذاك من أساتذتي، وقد تسلمت منه شهادة تقديرية في أكبر احتفال بمسرحية "التطهير" التي قدمتها، وكنت سأذهب ضحية للصراعات السياسية عقب ذلك، ولذلك يجب على "الاتحاديين" ألا يعتبروا أنفسهم هم المعنيين بحكومة التناوب. فأنا هنا سأركز على الجانب الفني والثقافي الذي تشرف عليه وزارة الثقافة والاتصال، فإذا أردنا أن نرى ماذا فعلت وزارة الثقافة، فإننا نجد حصيلة كبيرة من الأعمال التي تصنف في إطار "التهريج" وأغلبها تستحيي الأسرة المغربية أن تتابعها وهي مجتمعة! وهذا يشعر به بعض المسؤولين في وزارة الثقافة، فلم نشاهد طيلة أربع سنوات الأخيرة أيا من الأعمال المسرحية الجادة: مسرحيات الفكر أو التاريخ أو مسلسلات تاريخية تربط أبناء هذا الوطن بوطنهم، فمستوى المسرحيات التي شاهدناها أقل من مستوى الهواة، إن المسرح والهواة قبل حكومة التناوب كانا يمتلكان أرضية صلبة وكان لديهما جماهير كبيرة، فالمسرح له قيمته العلمية والثقافية والفكرية ولابد من ارتباطه بالهوية الوطنية الإسلامية لأنها مرجعية أحببنا أم كرهنا، ولكن ما يشَجَّع الآن هو المسرح الفرنكوفوني الذي تأثر بأحد التوجهات الأجنبية من أجل طمس الهوية الوطنية، ولذا أصبح المسرح يقدم بلغة نصفها «فرنسية الشارع» ونصفها الآخر «دارجة الشارع»، وكل هذه الأعمال تدعم للأسف الشديد من وزير الثقافة ولجنته التي تتكون من أشخاص لا علاقة لهم بالمسرح، وهم فقط "حاشية الوزير"، وكم من مرة نصحنا هذا الوزير أن يعود إلى الرسالة الملكية التي تعتبر مرجعا وميثاقا للمسرح المغربي والتي جاءت ثمرة لنضال وجهود رموز المسرح في هذا الوطن، وكان لنا شرف لقاء المغفور له الحسن الثاني حيث ظهر مشروع الرسالة الملكية ومشروع إنشاء 12 فرقة مسرحية، وكذا بناء المسارح والمعاهد المسرحية، فقد كنا على وشك استكمال البنية التحتية والإدارية ولكن الرسالة أجهضت كما أجهض ظهير 1973 الذي لم ير النور، ومن تم فكلما قدم أحد ما مسرحا لا ينتمي لهذا الوطن فإنه يتلقى دعما من الوزارة الوصية! وخلاصة الأمر أن حصيلة الأربع سنوات الأخيرة هي أكثر من سيئة، بدليل أن الجمهور قد نفر من هذا المسرح "المدَعَّم"، فرغم توزيع الدعوات المجانية لا يتجاوز عدد المتفرجين 10 أو 15 فردا! وذلك لأن القائمين على تلك المسرحيات لا مصداقية، وهناك بعض الاستثناءات القليلة طبعا. فكل المهرجانات التي نظمتها وزارة الثقافة ------------------------------------------------------------------------ لتختم بها المواسم المسرحية كانت مهرجانات فاشلة بشهادة الصحافة الوطنية بالإجماع، وكذا الحاضرين والمشاركين، حيث حرمت هذه الاستثناءات القليلة من حضور المهرجانات لأنها لم تكن من "الحاشية" أو لأن التوجه الفرنكفوني الحي المسيطر على وزارة الثقافة لا يرضى عنها وأغلب الموظفين هناك لهم علاقات خارجية وارتباطات بمؤسسات أخرى ولا رصيد لهم، وغير متفرغين للمسرح، ولهذا فالحالة كارثية في بحر الأربع سنوات الأخيرة. لاحظنا أن وزير الثقافة يشجع مواسم الأضرحة وبعض المهرجانات "المختارة" في الوقت الذي يمنع فيه مهرجانا عريقا كمهرجان مسرحكم بإيفران. يكفي أن مهرجان مسرح البدوي الذي بلغ السنة الثلاثين كان يدعم من جميع الوزراء السابقين، فأكبر مدعم لهذا المهرجان هو المرحوم الحاج أبا احنيني الذي يعتبر من الوزراء الشرفاء الذين مروا بوزارة الثقافة وكان جميع الوزراء الآخرين يعطون لهذا المهرجان حقه لأنه أقدم مهرجان في تاريخ المسرح المغربي، ولكن لما جاء هذا الرجل ألغى المهرجان إرضاء لتلك "الشلة" الفاشلة التي تحيط به وذلك لأن المسرح بالنسبة لها ماهو إلا ارتزاق، ولا تفهمه على أنه رسالة وفكر ومساهمة في تنمية المواطن، وأما المواسم المدعومة فهي حقيقة لا تستحق الدعم، فهل يحتاج كناوة إلى مهرجان؟! وكذلك "عبيدات الرما"؟ والعيطة و"الطعريجة"... نعم إنهم موجودن ولكن على وزارة الثقافة أن "تنظف" ذلك الفن، فإذا كان هذا الأخير جزءا من تاريخنا فإنه قد "اتسخ" في عهد الاستعمار وتحول من محتواه الوطني إلى التغني بالشيوخ والمقدمين والمسؤولين..! ف"عبيدات الرما" مثلا كانوا عبيدا للمسؤولين الإقطاعيين الذين كان يأخذونهم معهم للصيد من أجل حمل الأثقال والغناء والرقص.. ولذلك وجب إعادة النظر في هذه الفنون وهو دور وزارة الثقافة، فوزراء الثقافة في العالم كله همهم رفع مستوى الفن لدى شعوبهم، وأنا أحيي من جديد صاحب الجلالة محمد السادس على إنشاء أكاديمية اللغة العربية، وأتمنى انطلاقا من هذه الأكاديمية أن يعود المسرح للغته العربية كما هو الشأن في الستينات والسبعينات، ونعود لمسرحياتنا التاريخية: في سبيل التاج طارق بن زياد المولى إدريس الأكبر.. فلقد تخلفنا مقارنة مع الشعوب الأخرى كسوريا ومصر ولبنان... فلابد من تفعيل الرسالة الملكية مع أولئك الذين استقبلهم صاحب الجلالة بأن يتعامل مع رئيس اللجنة الثلاثية التي هيأت التصور الذي أثمر الرسالة التي تم التحايل عليها فيما بعد للأسف... وأكرر بأن هذه السنوات الأربع كانت كارثة بالنسبة للمسرح المغربي، أما على مستوى الكتب التي طبعت فإننا نستثني بعض الرموز الوطنية التي ليست في حاجة إلى إعادة طبع كتبها، ولكن تم فعل ذلك لتمر معهم سلسلة من الكتب الممنوعة لا لأنها تتوفر على "فكر قوي" بل لأن فيها ما يكفي من الاباحية الخطيرة كالخبز الحافي، فمن العار أن تطبع وزارة الثقافة مثل هذا "الكتاب". وعند تفحص هذه الكتب المطبوعة لا تجد فيها شعراءنا الكبار الذين لم تُعد الوزارة طبع كتبهم... كما أننا قدمنا لوزارة الثقافة في بداية هذه الولاية خمسة كتب خاصة بتاريخ المسرح المغربي ساهم بجمعها لنترك للجيل القادم تاريخا يخصه. ولكنها لم تطبع، وعبد القادر البدوي كذلك كان يدرس لتلاميذ المدارس ولطلبة الجامعات أبجديات المسرح مجانا في قاعة بمندوبية وزارة الثقافة بالبيضاء، ولما جاء الأشعري طردني من تلك القاعة وأتي بجمعية «بيت الشعر» التي يعرف الجميع من هي وماهي أهدافها وكذا أبعادها، وفوق كل هذا فهي جمعية غنية وليست في حاجة إلى قاعة وأربعة مكاتب وهواتف الدولة... وتحظى بما لا تحظى به الجمعيات الأخرى، فكيف يمكن لوزير يدّعي أنه جاء من حزب جماهيري ضحيت فيه قبله ويرفض أن يستقبلني منذ أن جاء إلى الوزارة إلى الآن وهذه لم يجب عنها لحد الآن.. وهناك عدة رموز مثلا قد طالها الإبعاد، والدليل أن أغلب رموز المسرح لم يتعامل معها وزير الثقافة الذي ربما نسي واعتبر أن المؤسسة في ملكه. في هذه الأثناء تعقد الدورة الرابعة عشر للمسرح الجامعي هل تتبع أشغال هذه الدورة وما رأيك في المسرح الجامعي عموما؟ ليست هذه أول مرة أعطي فيها رأيي بالنسبة للمسرح الجامعي، فالمسرح الجامعي باختصار شديد هو اسم بدون مسمى، فهو يستغل في هذا البلد لقضاء المصالح الخاصة للبعض بحجة نشر مفهوم "نحن والآخر" فأنا لحد الآن لازلت أتساءل من هو هذا الآخر؟! ومن نحن بالنسبة لهم؟! فهذا (الآخر) نحن نتعامل معه على أساس "لكم دينكم ولي دين" ولكن هؤلاء يحاولون استغفالنا بأنهم يريدون تقريبنا لأوروبا، التي غيرت من استراتيجيتها، لأن الاستعمار القديم كان يستعمل القوة فوجد أن الشعوب الإسلامية قد استعصت عليه بسلاح الدين فانتقل إلى سلاح الفكر، فكان هدفهم الأول تحريفنا عن ديننا، فهذا المسرح الجامعي مدعم من المؤسسات الأجنبية أكثر من المؤسسات الوطنية، فهذه المؤسسات الأجنبية التي تدعم الأفلام والمسلسلات والمسرحيات هدفها زعزعة فكر الشباب المغربي، ونحن كدولة عربية وإسلامية يحكمها أمير المؤمنين دستورنا القرآن منذ القديم، ونحن منفتحون على كافة الشعوب من منطلق القوة، فمعركة وادي المخازن أعطت أكبر درس لأوروبا لأخذ احتياطهم من المغرب، فلو فشلنا في تلك المعركة لأصبحنا مسيحيين، ومع ذلك بقينا منفتحين ولذلك فنحن لا نحتاج إلى مهرجان ليقنعنا بالتفتح على الآخر وهنا نطرح سؤالا: هذا المهرجان قد جاء تتويجا لماذا؟ فالمهرجانات عند الشعوب عادة هي تتويج أعمال سنة كاملة، والحقيقة أنه ليست هناك حركة مسرحية، وعلى الجامعة أن تهتم أولا بلغة المسرح التي يجب أن تكون عربية، وأن تقدم ثانيا الأعمال التاريخية، وأنا لست ضد أن تقدم الشعب الفرنسي مسرحياتها باللغة الفرنسية وكذا الشأن بالنسبة للشعوب الإنجليزية ولكن "اكتراء" الهواة عند حلول موسم المسرح الجامعي وأداء "المسرح الهزلي" والمسرح التافه على أنه مسرح جامعي وهو ليس كذلك، فهذا أمر غير مقبول. وهناك ظاهرة "خريجي" المسرح الجامعي الذين أصبحوا "محترفين" والأصل أنهم "عاطلون" عن العمل. هذا يحيلنا أستاذ على قانون الفنان كيف تقيمونه؟ إنه قانون كذب وزور وبهتان، فنحن في الوقت الحاضر لسنا في حاجة إلى قانون لأننا نتوفر على أكبر قانون متمثل في الرسالة الملكية، فلو طبقت الرسالة الملكية وأنشئت الفرق الإثنا عشر الرسمية حينها لكُنَّا في حاجة إلى تقنين المهمة من طرف الرموز وليس الموظفين أو وزير الثقافة الغير مؤهل للتقنيين لأنه عندما تقدم للانتخابات لم يتقدم على أنه وزير للثقافة بل كان من الممكن أن يكون وزيرا للأشغال العمومية. ماذا ينتظر الأستاذ البدوي من الحكومة القادمة؟ «« أنا متفائل.. فهناك جديد يتجلى في ملك شاب لديه بدون شك رغبة في هذا الانتقال وأتمنى من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى تطلع الشعب المغربي، فلم يبق لدينا الوقت للرجوع إلى الوراء، وأن تكون حكومة تمثل الشعب المغربي بجميع اتجاهاته لربح المزيد من الوقت، كما أتمنى من وزير الثقافة القادم ألا يكون متحيزا وإن كان ولابد فيجب أن يعلم بأن حزبه هو الوطن، فلا يحرص فقط على مصالح أسرته وعائلته وحزبه، فنحن نريد من وزير الثقافة القادم أن تأخذه الغيرة مقارنة مع نظرائه في العالم... ماهي المواصفات التي يجب أن تكون في وزير للثقافة؟ لابد له أن يكون مثقفا أولا بكل ما في الكلمة من معنى وأن تكون ثقافته منبثقة من الوطن وليس من الغرب وهذا لا يعني عدم الانفتاح فأنا لست متعصبا ولكني وطني فمن الممكن أن تكون شاعرا ولكن من الواجب أن تكون مواطنا.. بعيدا عن المسرح ما تقييمكم لمجمل ما عرض في المجال الفني والثقافي...؟ إن جميع الجرائد الوطنية بالنسبة لي تدين ما عرض في هذه السنوات، فقد قُدمت المهازل في التلفزيون، كما القبح قدم على الشاشة الصغرى، وكذلك الكلام التافه والقناتين معا، ومسلسل "للا فاطمة" أخطر من مسلسلات التهريج، لأن "أصحاب التهريج" قدموا أعمالا بدون نصوص، أما ذلك المسلسل فقد "هيأ" أفكارا غربية لتمريرها بطريقة هزلية وكانت الشركة الرأسمالية المنتجة له تعطي بعض "الأغلفة" لبعض الصحفيين لتجميل أعمالهم... ولكن تبقى الصحافة النظيفة في هذا البلد هي المعتمدة، وفي رأيي فإنه من العار أن تقدم تلك المهازل في وقت واحد مع أعمال سورية ومصرية.. فهذه أكبر إهانة، وفي هذه السنوات كنا دوما نحتل المراتب الأخيرة في المهرجانات الكبرى التي ينظمها المغرب، ففي مهرجان الرباط مثلا حاول المنظمون أن يأتوا بأحسن عمل مسرحي من مصر ليرفع لنا مستوى المهرجان، وهذا دليل على أنهم لا يملكون شيئا. ما جديد مسرح البدوي والفنان عبد القادر البدوي؟ أنا في هذه السنة أقوم بإعداد مشاريع مسلسلات اجتماعية وطنية ودينية ثقافية، باشتغال مع أطر خريجة المعاهد العليا، ولا يمكن أن أقدم هذه الأعمال إلا مع حكومة ذات إرادة، وأدعو جميع الأحزاب التي ترغب في الانتقال الديمقراطي أن تساهم بدورها في المسرح فكما توجد للحزب جريدة يجب أن تكون لديه فرقة للمسرح، كما يجب عليه أن يطبع الكتب ويصدر جرائد للشباب وكذا الخاصة بالمثقفين، فأكبر مشروع لدي هذه السنة هو أن مسرح الطفل يجب أن يكون مجانا وبدون مقابل.. أجرى الحوار: إسماعيل العلوي