بمناسبة اليوم العالمي للمسرح الذي يصادف كل 27 مارس من كل سنة، بعث المسرحي عبد القادر البدوي مقالا حول المسرح المغربي حصيلة وآفاق يرصد فيه أهم النواقص والمشاكل التي تعترض مسيرة المسرح المغربي وتحقيق نهضته المفقودة ذاكرا أهم العوامل التي جعلت المسرح المغربي يعيش ما يعيش ومن هذه العوامل حسب وجهة نظر السيد عبد القادر البدوي تعدد التنظيمات المفبركة وقدوم حكومة من اليسار التقدمي وتوزير رجل قادم من رحاب الفكر على رأس وزارة الثقافة والاتصال وأسباب أخرى. ويرى عبد القادر البدوي أن مؤامرة تحاك ضد المسرح المغربي من أن تقوم قائمته بعدما تم التنازل عن القيم والمبادئ وتحقق الاستلاب الحضاري والفكري بغية القضاء على الهوية الوطنية والإسلامية والاجهاز علي ثوابت الأمة. بيان من مسرح البدوي بمناسبة اليوم العالمي للمسرح (27 مارس 2002) في انتظار عودة النهضة المفقودة! لقد مرت أعياد عديدة، اكتفينا فيها ونحن نحتفي بالمسرح والمسرحيين باللقاءات الفلكلورية وبحفلات الاستهلاك الإعلامي الرسمي دون أن نستحضر في البحث والمناقشة إشكالية نراها هامة وهي أفول نهضتنا المسرحية التي كانت لنا في العقود الماضية، إذ دون إقليمية ضيقة نستطيع أن نجزم أننا كنا سباقين إلى أشكال فرجوية مسرحية، وكنا سباقين أيضا إلى الاشتغال على المسرح الفكري الهادف الذي يزاوج بين عمق الطرح الفكري وجمالية الفرجة، الشيء الذي حقق إقبالا جماهيريا عريضا من خلال نفاذ تذاكر العروض يومين أو ثلاثة قبل تاريخ العرض وبجمهور من مختلف الشرائح والتوجهات، بل ومن باب الحقيقة التاريخية أيضا أن كل هذه العوامل التي أفرزت هذه النهضة المسرحية المغربية المأسوف على ضياعها كانت مثالا اقتدت به كثير من الدول التي سبقتنا الآن بأشواط عديدة ومنها دول المغرب العربي، ودليلنا في ذلك هو أن الكثير من الأعمال المسرحية المغربية كانت تجوب أمصار ودول المغرب العربي طولا وعرضا، فأين نحن الآن من ذلك؟ إن الأكيد أن هذه النهضة المسرحية الغابرة كانت نتيجة جهد وابتكار المسرحيين ثم اهتمام الصحافة الوطنية وعلى اختلاف منابرها ومشاربها الفكرية والسياسية بالمسرح وبأعماله وعروضه وإشراقاته الرائعة، وكان لهذه الصحافة الوطنية الفنية كتاب وصحفيون لامعون يتابعون أدق تفاصيل الحركة المسرحيةويواكبون كل العروض بالتحليل والنقد البناء الهادف، ولعل توجه هذا الصنف من الكتاب والصحفيين إلى مجالات أخرى وإلى الكتابة السياسية أو الحزبية ساهم هو أيضا في تقهقر ثم اندثار هذه النهضة التي نبكي اليوم أطلالها بعد أن غزتنا الميوعة وكل مظاهر التخلف الفكري، دون أن ندري هل كان ابتعاد هذه الأقلام الجادة عن المتابعة النقدية والإعلامية ناتج عن عدم رضاهم على ذلك المسرح رغم ريادته أم أنه ناتج عن عدم امتلاكهم لسلطة التغيير وإعادة صياغة القرار فنيا ومسرحيا. إذن بأي حال يعود الآن العيد العالمي للمسرح؟ إن الإجابة عن هذا السؤال العريض لا تفترض جهدا فكريا أو بحثا مضنيا، بقدر ما تتطلب نوعا من الصدق في الخطاب مع الذات أولا ومع الآخر ثانيا. يعود هذا العيد العالمي ومسرحنا المغربي يعيش أسوأ فتراته على الإطلاق، إذ بعد كل هذه العقود من سنوات الاستقلال، وبعد هذا الكم الهائل من التضحيات الجسام ومن مقارعة الخطوب ومصارعة رموز المسرح المعاكس وذيوله في مختلف الواجهات المسرحية، وبعد تحقيق مجموعة من المكتسبات ومن أبرزها عقد مناظرة وطنية أولى وأخيرة حول المسرح الاحترافي، وبعد كل المنعطفات التي أدت إلى اللقاء التلفزي سنة 1991 والتي فجرنا فيها الكثير من المسكوت عنه في المسار المسرحي، وما أنتجه هذا اللقاء الهام من اللقاء الملكي مع الملك المرحوم الحسن الثاني ليلة 28 مارس 91، والرسالة الملكية التي اعتبرت، ولا تزال الميثاق الوطني المتكامل لإنعاش المسرح المغربي والسير به إلى الأمام نحو آفاق أرحب، وبعد هذا الإجماع الفني حولنا وحول الرموز الذين شكلوا لحظات هذه المرحلة وما عرفته من اجتماعات ولقاءات وفي مختلف مدن المملكة قصد ضبط وإحصاء من ينتسبون حقيقة وفعلا إلى المجال المسرحي الاحترافي، وبعد إنجاز كم هائل من الوثائق الدراسية حول الفعل المسرحي وآفاقه ومتطلباته، بعد كل هاته المكاسب خرجت النيات السيئة من مخابئها لتفعل فعلها التخريبي، حيث أصيبت الساحة المسرحية بإسهال من التنظيمات المفبركة لا تروم إلا توزيع الصف المسرحي وتمزيق وحدته حتى يصل الابتذال إلى الحد الذي يقصى فيه المحترف ليحل محله الهواة ليقرروا في مصيره وفي طبيعة عمله. بل إن مقدم حكومة من اليسار التقدمي وتوزير رجل قادم من رحاب الفكر والإعلام على رأس وزارة الثقافة، والأمل العريض الذي انبعث في النفوس مع بشائر العهد الجديد، كل ذلك لم يوقف النزيف المقصود، ولم يحض الممارسة المسرحية الاحترافية ضد الانهيار الذي استمر في صور وأشكال مختلفة لعل أبشعها بدعة الدعم الذي تحول في السنوات الأربع الأخيرة إلى مجرد استثمار في مجالات أخرى يتحدث عنها الآن كل الصف المسرحي علانية ثم فرض لجنة من حاشية الوزير ومن المقربين إليه من الذين انتسبوا إلى المسرح لغايات بعيدة كل البعد عن الإثراء والإضافة. إذن فخيوط المؤامرة كانت واضحة منذ البداية وفي سياقها انسحاب بعض الرموز من مواصلة المعركة بعد أن أخذ كل واحد منهم ثمنا بخسا للتنازل عن القيم والمبادئ ولتحويلهم إلى مجرد أياد تحرك اللاشرعية لتعود الحركة المسرحية إلى الوراء، وهذا ما حصل فعلا، إذ أصبح المسرح هو المجال المناسب لتجريب كل أنواع الاستلاب الحضاري واللغوي من خلال كتابة واقتباس أعمال تدس السم في العسل لهدف واحد وهو القضاء على الهوية الوطنية والإسلامية والإجهاز على ثوابت الأمة، ولإنجازهم هذه المهمة التي عجز عنها الاستعمار بحديده وناره وبطشه ها هو نفس الغرب الاستعماري ينعم عليهم بأوسمة العار والذل، مما يجعل السؤال مطروحا بحدة: هل هؤلاء يساهمون في بناء صرح الأمة الحضاري والثقافي أم أن تهافتهم حولهم إلى مجرد معاول للهدم وللتخريب، وهدم القيم والأعراف والأصول الحضارية والهوية، وتخريب المسرح من الداخل حتى لا تقوم لهاته الأمة قائمة، وحتى يحقق الاستيلاب ما قاومه الوطنيون والشرفاء ورجال الوطنية والمقاومة. إن مسرح البدوي إذ يغتنم هذه المناسبة العالمية لإصدار هذا البيان، جريا على ما يحترمه من أعراف فنية وتقاليد ثقافية أخذت مؤخرا تزعج بعض الجهات الإعلامية التي تورطت بشكل أو بآخر في انهيار المسرح المغربي ليؤمن أشد الإيمان أن مستقبل ومصير هذا المسرح ليس بيد وزير، أو وزارة، أو نقابة مفبركة، أو إعلام متواطئ إن مصير هذا المسرح بيد الشرفاء من فنانيه ورجاله ونسائه. عن مسرح البدوي عبد القادر البدوي