الإطعام في الأعراس بين التقتير والتبذير "أولم ولو بشاة" هذه العبارة النبوية الوجيزة حفظتها كتب التراث من ريب الزمان تحض على الإطعام في الأعراس خاصة، إشعارا بقيام جدار اجتماعي سميك متراص بين الرجل والمرأة، وإنشاء ميثاق غليظ بينهما على شريعة من الله. وسواء كان ثمن الشاة التي أمر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم باهضا أو بخسا فإنها توجب الإطعام والتوسع فيه بما يكفي لإشراك الآخرين وبخاصة المحتاجين. ولا تزال بعض القبائل بالمغرب تحيي هذه السنة النبوية باجتماع أصدقاء العريس وذبحهم لشاة يتقاسمونها بينهم ويتضامنون في تسديد ثمنها وهي خصلة حميدة تؤكد مقصد العبارة النبوية. إلا أن المتتبع للكيفية التي يتم بها الإطعام يقف على حقيقتين: إسراف وتبذير وشح وتقتير بحجة الزهد في الإطعام. الحقيقة الأولى كرستها أنماط الحياة المعاصرة وأشكالها حيث حجم المعروضات من المأكولات وأنواعها المختلفة دلالة على الوجاهة الاجتماعية والمنزلة المادية، ويسعى أصحابها إلى التواضع الضمني على أن المائدة لابد أن يحشر فيها الدجاج والأكباش و المشروبات وربما المحرمة، وكذلك الفواكه بأشكالها سواء الشتوية أو الصيفية، أما العاملين عليها فلابد أن يكونوا نوادل من أهل الاختصاص، ولا حرج إن حصل اختلاط بين الذكور والإناث... فبدل أن يتم التصدق بثلثي المائدة على المتسولين والفقراء تهدر الأموال والمأكولات هباء وربما وصلت سلة القمامة. الحقيقة الثانية: فئة التزمت الإنفاق بقدر معلوم، وزهد مبالغ فيه، يكون بالاكتفاء بالكسكس والاقتصار على عينة محدودة من الناس، وربما تم التخلي عن بعض الأقارب، والإسلام لا تطاوع توجيهاته حرمان الأهل والأقارب والمجتمع مما أفاء الله على عباده من النعم، فلا حسد إلا في اثنين: رجل أتاه الله علما فهو يعمل به، وثان أتاه الله مالا فأخرج حقه وصرفه على أهله في إحسان لا يصل إلى إسراف الشريحة الأولى من المجتمع، والإسلام أيضا ليس دين المتقشفين والمدخرين للآتي الذي لا يأتي ولا دينا للمبذرين لأنهم إخوان الشياطين، ولكنه دين الوسط في الاعتقاد والسلوك والتعامل. فجاءت العبارة "أولم ولو بشاة" تعلو بالإنفاق عن تعامل المتقشفين لأن "لو" هنا تفيد تقليل الفعل، وتقل به عن سلوك المبذرين أي ليس بالأكباش والأبقار والدجاج... وللأسف الشديد أن ذوي الدخل المحدود ينصاعون لمواضعات شريحة المسرفين، فنجدهم يبيعون الأرض والأثاث للظهور بالمظهر اللائق اجتماعيا، وهذا أمر يقلل فرص الزواج وإقامة الأسرة المسلمة لأنه يغلب العادة الاجتماعية على المعيار الشرعي، ويسقط المرء معه في دائرة الديون أو تبعات الوليمة التي شنعها النبي صلى الله عليه وسلم، تلك التي يحضرها الأغنياء ويغيب عنها المحتاجون، فليسع كل مسلم منا إلى تحري الهدي النبوي في الإطعام اعتدالا وتوسطا للفلاح في الدنيا والآخرة. والله الموفق عبدلاوي لخلافة