في الأسبوع الماضي افتتحنا بابا من أشد الأبواب حساسية وإثارة - وأهمية في الوقت نفسه- في العلاقات الزوجية، وهو امتناع أحد الزوجين عن الآخر، وتركز الحديث والنقاش حول المرأة والمآلات التي قد يوصل إليها الامتناع عندما يتخذ سلاحا في معركة مفتوحة أو معركة باردة بين المعسكرين. ونشرنا مجموعة من الفتاوى عن حالات مختلفة من الامتناع لكوكبة من أصحاب الفضيلة العلماء والمفتين، وواعدناكم بالاستمرار، واليوم نقدم لكم مقالا ينصف المرأة ويتهم الرجل عن بينة وبرهان، لا بل يقدم الحجج من النصوص على أن لعنة الملائكة لا تتنزل على المرأة فقط، وإنما على الرجل أيضا. ويبدأ المقال بالإشارة إلى مقال سابق حول الموضوع ذاته كتبه الدكتور عمرو أبو خليل مستشار بموقع إسلام أون لاين، و تطرق فيه إلى أنواع من القصور العاطفي والشفوي والجسدي والإشاري يرتكبها الرجل في حق زوجته مما يلقي بظلال من الخيبة والإحباط على المعاشرة الزوجية. ويقدم الدكتور كمال المصري المستشار بموقع إسلام أون لاين.نت أدلة من القرآن والسنة على أن مسؤلية الرجل ومدى تفريطه فيها وما قد يترتب عليها، وإليكم المقال. أثار مقال هل الملائكة تلعن الرجال أيضا؟ للدكتور عمرو أبو خليل شجونا تتعلق بفهم البعض للحياة الزوجية والعلاقة بين الرجل والمرأة، وموقف الشرع من سلوك كل منهما تجاه الآخر، وخاصة حين يستعين البعض بأحاديث، مثل: - إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبانَ عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح رواه البخاري ومسلم. - ثلاثةٌ لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخطٌ، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه. - ثلاثةٌ لا تُرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجلٌ أمَّ قومًا وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان رواه ابن ماجه بسندٍ صحيح. غير مطلق وقد أثار الأمر لدي سؤالين هما: هل كل امرأة تغضب زوجها أو تمتنع عنه إذا طلبها ملعونة وصلاتها مردودة حتى ولو كان زوجها مقصرا في واجباته؟ وماذا عن جزاء الزوج حين يمتنع عن زوجته؟ هل تلعنه الملائكة أيضًا؟ وأؤكد في البداية أنه ليست كل امرأة ملعونة بمجرد امتناعها عن زوجها أو إغضابها له بصرف النظر عن حال الزوج، كما لا تلعن الملائكة الأزواج حين يغضبون زوجاتهم أو يمتنعون عنهن. ومع هذه الإجابة القاطعة الصريحة فإن الأمر فيه تفصيل، نبدأ بأحاديث المرأة، ورد صلاتها، ولعن الملائكة لها: هذه الأحاديث ليست على إطلاقها، بل هناك العديد من الشواهد التي تدلُّ على أنَّ المقصود هنا هو الرجل الصالح القائم بما عليه من فروض وواجبات نحو بيته، واقرؤوا التالي من فضلكم وفضلكن: - نقل الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير عن الزين العراقي تعليقه على الحديث: وفيه وما قبله أن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت زوجها ساخطا عليها من الكبائر، لكن إذا كان غضبه عليها بحق. - ذكر الإمام الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار: إن إغضاب المرأة لزوجها حتى يبيت ساخطًا عليها من الكبائر، وهذا إذا كان غضبه عليها بحق. فالأمر إذن ليس على إطلاقه، ولكن اشتراط أن يكون غضب الزوج على زوجته بحق، وكذا الحال إذا ما دعاها وهو مخطئ في حقِّها فامتنعت. - قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري تعليقًا على حديث امتناع المرأة عن زوجها: ولا يتجه عليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجر، ثم قال: أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا. فلو أن الرجل هو الذي امتنع عن زوجته أولا ثم طلب زوجته فامتنعت؛ فإنها لا تعدُّ آثمةً؛ لأنه هو الذي امتنع بداية، ويُفهَم من هذا أنه إن كان مخطئًا في حقها فلا إثم عليها إن خالفت أمره. - نص الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله في مغني المحتاج على أن نشوز المرأة يُسقِط حقها في النفقة عليها حين قال: فإذا نشزت عليه سقط وجوب النفقة. فالنفقة من الواجبات على الزوج، ونشوز المرأة يسقط حقها في النفقة كدليل على سقوط حقوقها؛ فكيف يكون الحال حين يكون الزوج مقصرا في واجباته.. فهل له حقوق بعد ذلك؟ - ما أفتى به الدكتور عجيل النشمي عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت سابقًا حين سئل عن حكم امتناع الزوجة عن زوجها إذا كانت رائحته كريهة ولا تطاق، فأجاب: إن تحققت صحة كلام الزوجة فلها الامتناع إن كان ما تشمه من رائحة غير محتمل عندها، ولا تعد عاصية أو ناشزاً حينئذ. نشوز المرأة وقياسًا على ذلك يكون امتناع الزوجة لأي نوع من أنواع الضرر ليس نشوزًا، بل أراه نوعًا من تقصير الزوج في واجباته؛ إذ عليه أن يحافظ على ريحِ فِيه طيبةً حتى لا تؤدي زوجته، فإذا قصَّر في ذلك الواجب سقط له هذا الحق بالمقابل، وكذا باقي الحقوق والواجبات. - عموم قول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)؛ فكما عليها يجب أن يكون لها، وأظنُّ أن هذه قاعدة عامة تحكمنا في كلِّ شيءٍ بين الزوجين. بل ذهب العلماء إلى أبعد من ذلك في تفسير قوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) إذ قال الإمام الطبري في تفسيره: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن الدرجة التي ذكر الله -تعالى ذكره- في هذا الموضع الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه، وذلك أن الله تعالى ذكره قال: (وللرجال عليهن درجة) عقيب قوله: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). فهذه الدرجة لا تعني -كما يفهمها الكثيرون- أفضلية مطلقة للرجال، ولكنها في الواقع تحمِّله مسؤولية كبرى تجعله يتغاضى عن بعض حقوقه على زوجته، لكنه لا يجوز له بحال أن يقصِّر في واجباتها عليه. الملائكة لا تلعن الرجال أما عن لعن الملائكة للزوج حين يمتنع عن زوجته؛ فلم يرد في ذلك نصٌّ واحد، وهنا يكون التساؤل: أين العدل إذن؟؟ ولماذا هذا التفريق؟؟ لنطُف معًا في مجموعةٍ من نصوص الحديث الشريف، لعلها تجيبنا: - أيُّما راعٍ استرعى رعية فغشها فهو في النار رواه البخاري ومسلم. - ما من عبد يسترعيه الله رعية، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة رواه البخاري. - لا يسترعي الله عبدًا رعية، يموت حين يموت وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه الجنة رواه مسلم. - أيُّما راعٍ غشَّ رعيته فهو في النار رواه ابن عساكر بسندٍ حسن. هذه كلها نصوصٌ عامةٌ تثبت واجب الرعاية على كل مسؤول، والرجل بالطبع مسئولٌ عن رعيته، وزوجته وبيته من رعيته؛ فأي تقصيرٍ في هذه المسؤولية عقابها الحرمان من الجنة، والضيق من رحمة الله تعالى عليه، ومصيره إلى النار. وإذا قال قائل: هذه نصوصٌ عامةٌ نجيبه بالحديثين التاليين: 1 ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسؤولٌ عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته رواه مسلم. 2 إن الله تعالى سائل كل راعٍ عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه وابن عدي والطبراني، وحسَّن إسناده الإمام ابن حجر. فهذان نصَّان صريحان في مسؤولية الرجل عن أهل بيته، ويفسِّران عموم الأحاديث السابقة. فإذا كان عقاب المرأة لعن الملائكة؛ فعقاب الرجل الطرد من الجنة، وحساب الله تعالى وسؤاله العسيران، والمصير إلى النار؛ فأيُّ العقابين أشدُّ: لعن الملائكة الذي قد يقبله الله تعالى أو يرده أم ألوان العقاب المختلفة الآتية مباشرةً من الله العزيز القهار الغالب المتجبر؟؟ د. كمال المصري