وفاء بوعدنا الذي واعدنا به القراء والمتتبعين، ومتابعة للملفات التي خصصتها "التجديد" لجرد حصاد حكومة التناوب التي تحزم حقائبها حاليا استعدادا للخروج، والتي يتهيأ عدد من وزرائها للعودة إليها من باب أو من آخر، نواصل اليوم بتقديم ملف "الحصيلة التشريعية". والحق يقال، فإن تكن الحكومة لم تقدم شيئا ذا بال في الميادين الأخرى، فإنها كانت خصيبة في التشريعات والقوانين المصادق عليها ومقترحات القوانين المقدمة إلى مجلس النواب. ولئن شهدنا للحكومة عملا بمبدإ الإنصاف وعدم بخس الناس أشياءهم، فإننا نسجل في الوقت نفسه ما سجله المختصون، وحتى رجال من الحكومة أو من المقربين منها، وهو التأخر والتباطؤ في إخراج التشريعات، وأيضا الوقوف عند ذلك دون متابعة تطبيقاتها ومراسيمها التنظيمية. في هذا الملف التشريعي نورد في أول الأمر جردا بالقوانين المصادق عليها، ومقترحات القوانين المقدمة لمجلس النواب، ونتبعه بتصريحات لبعض الفاعلين والمهتمين، ونختمه بحوار مطول مع الدكتور المختار مطيع، وهو أستاذ للقانون العام والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والحوار معه توسع ليشمل بالإضافة إلى الجانب التشريعي، جوانب من الأداء الحكومي العام. نقدم لقرائنا وللمعنيين هذا الملف على أمل أن نلتقي في موعد قريب جدا مع ملفات أخرى لجوانب من عمل حكومة التناوب، قاصدين في ذلك الموضوعية ما استطعنا إليها سبيلا، راجين ألا يخرج المعنيون بها عن حدود اللياقة والأدب، وينزلقوا إلى سفاسف السباب والشتائم التي لا تزيدهم إلا انحدارا وسقوطا. المصادقة على 161 قانونا ومقترحات القوانين بلغت 20 إنجاز تشريعي من حيث الكم .. وأزمة في النصوص التنظيمية والمراسيم التطبيقية تميزت السنة الأخيرة في عمر حكومة التناوب بغزارة في الإنتاج التشريعي، لم يسبق له مثيل يذكر في السنوات الأربع الأولى التي اتسمت بالتراخي و"الكسل التشريعي". ففي سباق مع الزمن تم تمديد آخر دورة تشريعية كان مقررا لها أن تختتم الإثنين 92 يوليوز الماضي، لتراكم عدة مشاريع قوانين في البرلمان بغرفتيه. وخلال الولاية التشريعية الحالية ذكر الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي أن القوانين التي تمت المصادقة عليها 161 قانونا من أصل 181 مشروعا أودعت لدى المجلسين وتمت المصادقة على 20 مقترح قانون. ففي بداية السنة التشريعية الأولى انكبت المؤسسة التشريعية على تنظيم بينها الداخلي من خلال اعتماد نظام داخلي لمجلس النواب قصد ملاءمته مع تعديلات دستور 1996، ومع التغييرات التي أدخلت على تركيبة هياكل المجلس؛ والقانون التنظيمي رقم 7 98 لقانون المالية والقانون التنظيمي رقم 8 98 المتعلق بالمجلس الدستوري، وذلك لتكييفه مع دستور 1996. وما يلاحظ على السنة التشريعية الأولى أن مجموعة من المقترحات القوانين بقيت معلقة إلى آخر سنة تشريعية من قبيل التنظيم الجماعي، ومقترح قانون يتعلق بتتميم الظهير الشريف رقم 396 58 1 الصادر ب 25 نونبر 1958والمتعلق بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات. ويسجل على الولاية التشويعية غضها الطرف عن بعض المقترحات القوانين الجريئة التي تقدمت بها بعض الفرق، منها مقترح قانون يرمي إلى منع المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول، والمعاقبة على صنعها وتقطيرها ونقلها وبيعها واستيرادها وتناولها، والدعاية لها؛ والذي تقدم به الفريق الاستقلالي بتاريخ 17/6/1998. ومقترح قانون عرف المماطلة والمراوغة ويتعلق الأمر بمقترح قانون تقدم به فريق العدالة والتنمية يمنع بموجبه التعاون التجاري مع الكيان الصهيوني. ومن أهم المشاريع القوانين التي تمت المصادقة عليها في الولاية التشريعية التي لم يبق لها إلا أياما معدودات: مشروع قانون التغطية الصحية الذي عرف سرعة كبيرة في المناقشة؛ ومشروع قانون الصحافة الذي لم يرض المهنيين وشهد احتجاجات من قبل النقابة الوطنية للصحافة المغربية أثناء عرضه على مجلس النواب للمصادقة في جلسة عمومية. والمشروع قانون رقم 0602 المتعلق بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 97. 31 المتعلق بمجلس النواب، ومشروع قانون رقم 01. 08المتعلق باستغلال المقالع؛ ومشروع قانون رقم 13. 01في شأن التعليم العتيق. وفي مجال الاستثمارات صادق البرلمان على مشروع قانون رقم 5300 يتعلق بميثاق المقاولات الصغرى والمتوسطة. ومن إيجابيات الولاية التشريعية الحالية مشروع القانون رقم 01 .03 الملزم للإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قرارتها الإدارية. ومشروع قانون رقم 01. 36 القاضي بإحداث صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومشروع قانون رقم 99 . 15 القاضي بإصلاح القرض الفلاحي. غير أن أهم ما كان ينتظره الشعب المغربي من المؤسسة التشريعية لم يتحقق وعرف إهمالا من قبل الجهاز التشريعي ونخص: مدونة الشغل التي مازال المشغلون والمشتغلون يعقدون عليها آمالا عريضة لتضبط العلاقة فيما بينهم و توضح المعالم. والقانون التنظيمي للإضراب الذي بقي مبهما ومدونة الأحزاب السياسية التي تضبط الحالة السياسية بالبلاد. ومن الأمور التي عرفها البرلمان المغربي ولم ترق الفئات المسحوقة من المجتمع هي التداول في شأن الزيادة في معاشات النواب. والذي وقف في وجهه فريق العدالة والتنمية، بعد حصول تواطؤ الفرق عليه. وفي مقابل الجهد التشريعي، كانت آلة الحكومة شبه معطلة عن إصدار النصوص التنظيمية والمراسيم التطبيقية لعدد من القوانين، مثل ما حصل مع القانون الخاص بمنع التدخين في الأماكن العمومية والمصادق عليه منذ غشت 1995، ومثل قانون التعليم العالي المصادق عليه في الدورة الاسثنائية لشهر مارس 2000. ومن جهة أخرى، يسجل لجوء الحكومة لإعمال الفصل 5 من الدستور لمواجهة مقترحات القوانين المقدمة عن النواب أو التعديلات التي تطرح على مشاريع القوانين، مما شكل سيف مرفوعا في مواجهة عدد من المبادرات. وما يعاب ويحسب على الولاية التشريعية الحالية كثرة الغيابات داخل الجلسات العامة الشفوية أو المخصصة للمناقشة، والغياب داخل اللجان؛ والبطء في المناقشات، وتدني مستوى الخطاب على حساب التراشق بالألفاظ والمزايدات خصوصا أثناء البث المباشر! وعرفت الولاية التشريعية الحالية نشاطا واسعا للمجلس الدستوري الذي بث في مجموعة من المشاريع القوانين ودرسها بحزم وبخبرة دستورية قانونية كبيرة؛ لا من حيث ملاءمة القوانين للدستور أو النظر في الطعون التي تقدم بها النواب، ونذكر هنا ا لطعن الذي تقدمت به بعض فرق المعارضة في شأن قانون للمالية. عبد الغني بوضرة