يشكل الصيف في ثقافتنا بؤرة للفراغ، وتناقلت هذه الممارسة كل الأجيال، معلنة بذلك أن هذه المحطة في حياة الإنسان، وفي كل سنة هي لحظة الراحة بامتياز، ولحظة التيه والاستهلاك، وبالتالي قلة العطاء.لكن الغريب في ثقافات أخرى أجنبية بالطبع أن الصيف شأنه شأن بقية الفصول لا يميزه شيء، بالنظر إلى طبيعة الأنشطة الممارسة خلاله. ثم إنه في ثقافات أخرى يخطط له عند بداية السنة، ليصير تتويجا لها، سواء من حيث الاستثمار أو العطاء، مما لا يترك مجالا للفراغ الذي نصطنعه نحن لأنفسنا . وقد رافقت هذه التربية شبابنا حتى غدا فصل الصيف عندهم هو وقت النوم بامتياز، ووقت التجول السلبي، وبالتالي تسريب كل الطاقات والجهود، والغريب أن هذه الممارسة تشترك فيها جميع الشرائح، سواء كانت مثقفة أو غير ذلك، وتتناقلها عبر كل وسائل الاتصال والإعلام، فهذا المفكر ينحاز إلى ركنه القصي، وهذا الطالب يعطل كل آليات الاشتغال والبحث، فيصعب مع كل هذه العادات أن ينادي الإنسان بصيف معطاء، إن مفهوم العطلة في الثقافات الأخرى هو تغيير نمط العيش لفترة محدودة، مع الحفاظ على خصوصية العطاء والاستفادة، وتغييرات لا تعني التخلي المطلق عن رسالة الإنسان، فالله عز وجل حين يقول (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، لم يجعل لهذا الإنسان وقتا يعفيه خلاله من العبادة وبالتالي من العمل، لأن السيرورة ماضية والإنسان هو الإنسان، ومن الطبيعي أن يرتاح الإنسان إذن، لكن بعد يوم من العطاء أو بعد فترة جادة، وتختلف المردودية من إنسان إلى إنسان، ومن مستوى إلى آخر، وعليه فإن أي شاب لم يضع لنفسه برنامجا متنوعا وهادفا سواء لعطلته من العمل أو لعطلته التربوية بالنسبة للمتمدرسين والطلبة، فإنه في نظرنا يعبث بأغلى شيء وأثمنه في الحياة وهو الوقت. وقبل وضع البرنامج، وجب أن تكون الرغبة حاصلة في الاستفادة و في القدرة على التقويم واستحضار الجدوائية في كل الأعمال الممارسة، ومن هنا أسمح لنفسي أن أطرح بعض الأفكار التي من شأنها أن تغير العادات عندنا وتغير ثقافتنا الخاصة في الصيف: 1 اعتبار الصيف استمرارية لباقي الفترات 2 التحضير للصيف ماديا ومعنويا 3 وضع رزنامة شهرية ويومية لهذه الفترة. 4 الاسترشاد ببعض التجارب السابقة سواء كانت شخصية أو غير ذلك. 5 وضع شبكة تقويمية لكل المنجزات والأعمال 6 التأسي بالذين لا يفترون عن العطاء في هذه العقبات 7 الحرص على التنويع خشية الوقوع في الروتين، وبالتالي تكريس مفهوم العبث. 8 جعل الصيف محطة كبرى للتأمل والمحاسبة. 9 مراجعة الذات فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والتواصل. 10 الإنفاق مع الترشيد ومحاولة الابتعاد عن المسرفين، لأن الإسراف في كل شيء هو السنة الملازمة للصيف. 11 الانضمام إلى الأندية والجمعيات ومحاولة الإفادة، وتطوير البرامج. 12 الانتباه إلى أركان البيت وغرفه لتغييروتجويد ما يمكن من الأثاث أو المواضع طلبا لراحة العين والنفس. وأخيرا، أفلا تكون لنا مكاتب استشارة خاصة بتوظيف العطل، يشرف عليها أخصائيون في التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع وبعض المستثمرين يكون الغرض منها، إنعاش الاستفادة من الوقت عند الراغبين في ذلك، ويقصدها المعنيون بغية وضع مخطط أو برنامج لوقت الصيف المستهلك، مع اعتمادها أسلوب تقويم بعدي لكل هذه الأنشطة طلبا للترشيد والجدوائية، وبذلك قد نساهم بشكل أو بآخر في إعطاء العطلة مفهوما جديدا، وإعطاء الصيف طبيعته الحقيقية. لأن استحضار العدو واشتغاله المستمر للسيطرة علينا وتذويب هويتنا قد يعفينا حتى من النوم أحيانا!؟ أفلا يكون هذا ديننا، وما ذلك على الله بعزيز. عبد الرحمن سليم