فلسطين، تلك القضية التي ظلت ترن في مسامعنا منذ بلوغ كل منا سن إدراكه لمحيطه. فلسطين، اسم ارتبط في بداية تعرفي عليه بنشرات أخبار القناة التلفزيونية الرسمية أيام كانت وحيدة فريدة. ثم ارتبط في الذهن بأغان قومية كانت تبث عبر المذياع والتلفاز وأشرطة الكاسيت. لكن "فلسطين" اليوم تجاوز اسم أرض مغتصبة إلى جوهر حياة. مهما أخذت تحديات الحياة اليومية معظمنا، ومهما شغلنا السعي نحو طلب الرزق لنا وللأهل والأولاد، ومهما جرفتنا منابر الإعلام وشبكات التواصل بتقلباتها الإخبارية التي تستجد على مدار الساعة، تبقى فلسطين بغزتها، بضفتها، بأراضيها المحتلة، وبقدسها وأقصاها، تبقى مربط الخيول ومكان عزها الذي لا مناص من العودة له في كل مرة. باغتنا حادث اقتحام صهاينة متطرفين لمسجدنا الأقصى الطاهر، مسرى الأنبياء والمرسلين، حيث تعدل الصلاة خمسمائة صلاة. ثم فاجأتنا فاجعة إغلاق أبواب الحرم في وجه المصلين، وإخراس صوت الأذان لأول مرة منذ نكبة 1967. مرورا بتصعيد أشغال التهويد المستمرة من حفريات للبحث عن الهيكل النزعوم إضافة إلى مشاريع خطيرة لتدنيس مقدسات المسلمين منها ما وصل لمراحله الأخيرة مثل صناعة شمعدان يهودي من ذهب قبالة قبة الصخرة ومنها مشاريع مستقبلية قريبة مثل مشروع التلفريك الذي يراد منه تدنيس سماء الأقصى بنقله للصهاينة فوقه بصفة مستمرة. طعنت الأمة مرة أخرى في قلبها الدامي بكل هذه الأحداث بينما الغفلة تلهي الكثير من أبنائها عن قضيتهم الأولى. في وقت أصبحت وسائل الإعلام تسيطر على العقول بتناقل أخبار هامشية من تطاحن بين فرقاء السياسة وتنافس تجاري متخف في قناع رياضي، وتسابق نحو النجومية في الغناء بين شباب الوطن العربي. ساهم كل ذلك في توجيه الرأي العام بعيدا عن قضايا أمته. وتنشئة جيل من الشباب لا تربطه بأوطانه سوى إحداثياته الجغرافية بينما عقله وقلبه متجهان نحو عالم غربي مليء الحياة المادية الاستهلاكية. أجل، تمر أمتنا بمرحلة عصيبة من تاريخها المعاصر الأليم. يتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب. أعداء نجحوا في توجيه غوغاء عالمنا الإسلامي فأضحت أمتنا تعاني من اضطهاد خارجي وخذلان داخلي. فاختزلت فلسطين وتحولت من قضية جوهرية لكل مسلم ومسلمة إلى مجرد اسم لمنطقة نسمع بها بين الفينة والأخرى في نشرات أخبار التلفزيون. لن يسعفنا الاسترسال في الحزن على واقعنا المرير والتباكي على أطلال تاريخ أمجاد أمتنا. ولن ينفعنا الغرق في تفاصيل ادعاءات أصحاب نظرية المؤامرة وتأليه القوى المسيطرة على العالم. ولن يجدينا سوى العمل على تقوية الإيمان بالله القوي الجبار مستعينين به، متوكلين عليه، سائلين إياه نصرته. والانطلاق نحو العمل من أجل نهضة أمتنا ونصرة قضاياها وعلى رأسها قضية المسجد الأقصى وفلسطين، كل فلسطين. إن نصرة بيت المقدس وفلسطين تستوجب منا بذل الجهد بكل ما استطعنا. بالدعاء أولا مع اليقين بالإجابة، بالدعم المادي لمن استطاع، بكتابة مقال، برسم معبر، بتصميم فني، بفيديو جذاب، بتدوينة فايسبوك، بتغريدة تويتر، بل وحتى بصورة بروفايل. إن القدس تنادينا فلنلبي نداءها بكل ما استطعنا ولو بأقل القليل مصداقا لما رواه أبو ذر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.". – أخرجه مسلم -.