دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى 39 لعيد المسيرة الخضراء إلى تبني حوار وطني صريح يضع حدا لإنهاء النزاع السياسي حول قضية الصحراء و يقطع مع كل الاختلالات التي همت تدبير الشأن المحلي بمختلف الأقاليم الجنوبية و يضع حدا للغنى الفاحش لدى أقلية من الذين استفادوا من خيرات المنطقة . و في ذات السياق ومن خلال قراءة سريعة للخطب الملكية منذ سنة 1999 يلاحظ أن جلالة الملك ما فتئ يولي عناية خاصة بالأقاليم الجنوبية و دعوته الصريحة للانتقال من الوضع الذي تعرفه على مستوى تدبير الشأن المحلي ومحاولة التفاعل مع قضايا المواطنين اليومية و الاجابة عن مختلف إشكالاتهم المعيشية و فتح جسور التواصل مع نخبة و مثقفي الصحراء كآلية لتقوية و تمتين صف الجبهة الداخلية. غير أن ما يؤسف له هو الفجوة العميقة الحاصلة بين ما تدعو له الخطب الملكية والتي تؤسس لثقافة سياسية قوامها : الديموقراطية و التنمية بهدف غرس قيمة المواطنة الحقيقية بعيدا عن كل إستغلال و زيف و ترجمة ذلك على أرض الواقع من منجزات تجعل الخيط الناظم بين ما يدعو له الملك و ما يصل للمواطن بالصحراء مفقودا. إن ما ميز الخطاب الملكي الأخير الصراحة و الوضوح في الاعلان عن التنزيل الفوري للمبادرات التي كانت تنتظرها ساكنة الصحراء منذ سنوات و لعل في مقدمتها : تنزيل ورش الجهوية المتقدمة بما يعني ذلك إستثمار للغنى و التنوع البشري و الطبيعي و ترسيخ لثقافة التضامن بين مختلف جهات المملكة و تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي سبق أن أعلن عنه المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي مستحضرا فلسفة جديدة لتدبير الشأن المحلي قوامها الحكامة الجيدة كآلية لخدمة التنمية المحلية. و يبقى لترجمة هذه المبادرات و تنزيل ما تضمنه الخطاب الملكي الأخير تفعيل التواصل والحوار داخل مختلف فضاءات النقاش العمومي مع مثقفي المنطقة و محاولة تشجيع الباحثين والمهتمين لدراسة إشكالات ترتبط بالهوية و طبيعة الثقافة السياسية لدى ساكنة المنطقة و البحث عن أسباب و جذور التلاقح الحضاري بين عموم المغاربة .