شهدت حركة التوحيد والإصلاح إبان لحظاتها التأسيسية الأولى نقاشا هم مختلف مناحي بناء التنظيم، وقد شهدت إثر ذلك طرح سؤال شروط ترشيح المسؤول ، والذي تباينت بشأنه الإجابات والخيارات. فبرز توجه حريص على التحديد المسبق لشروط ومواصفات المرشح لرئاسة الحركة وغيرها من المسؤوليات، وكان هاجسه في ذلك التخوف من التسرب أو التسلق لمراكز اتخاذ القرار وديدنه حماية التنظيم والاطمئنان على مسار فرز القيادات، والحركة وهي تطالع آنذاك عددا من التجارب التي سبق لها وأن وضعت شروطا مسبقة لاختيار مسؤوليها في قوانينها الداخلية، وجدتها قد تنوعت وتعددت لحد يمكن اعتبار تلك الشروط تعجيزية، بل حتى يمكن القول باستحالة اجتماعها في شخص واحد. ولعل السبب الرئيس والمغذي لذاك التوجه، والله أعلم ، هو إشكالية المعيار الذي ينطلق منه أصحابه في تحديده من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم في التدبير والقيادة، وعوض التعامل معها نبراسا ومثلا للاسترشاد، حولوها إلى مواصفات وشروط مُحَدِّدَة وجب توفُّرُها في المرشح، وقد يضيفون إليها أحسن الخصال التي توفرت في الخلفاء الراشدين، مع العلم أنهم رضوان الله عليهم لم يكونوا نموذجا قياديا واحدا موحدا بل لكل واحد منهم تميزه عن الآخر، وربما استقرؤوا وأضافوا صفات السالكين والعلماء العاملين، وهنا برزت مقولات من قبيل " فلان اجتمع فيه ما قد تفرق في غيره". وإضافة إلى كل تلك الصفات السابقة ومع ظهور ما يصطلح عليه ب"التنمية البشرية"، أضافوا لتلك الشروط شروطا أخرى في التدبير العصري والإداري، واشترطوا أن يكون مفاوضا ناجحا ومسيرا جيدا، وهنا تناسلت بعض الكتابات من قبيل "عشرون صفة لاختيار القائد الناجح "، و"الشروط العشر لانتخاب المسؤول الأول" وغيرها من التصنيفات، لدرجة وصلت من كثرة تعدادها وتصنيفها حد استحالة اجتماعها في شخص واحد، فعليه أن يكون ذا عقل وحكمة واسعة، يتحلى بالرفق والشجاعة وكظم الغيظ ، يتجنب التشاؤم ولا يفرط في التفاؤل، مشهود له بالورع والزهد، قوي الذكاء، له معرفة واسعة وقدرة على التعبير، حسن السلوك قادر على تحمل المسؤولية والتحكم في الانفعالات… وهي صفات اقل ما يلاحظ عليها أنها غير قابلة للقياس، بل هناك صفات قد لا يشتهر بها الشخص قبل ترشيحه وعند تحمله للمسؤولية تبرز الخصال الكامنة المناسبة والملائمة والضرورية للوضعية الجديدة. ومثال ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي عرف عنه صبره ورفقه ورقته، لكن المسؤولية استدعت ما بداخله من خصال الحسم والحزم وهو ما ترجمه رضي الله عنه بموقفه الحاسم عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقراره الحازم في حروب الردة… وغيرها من المواقف. من أجل ذلك اجتهدت حركة التوحيد والإصلاح ضمن مجمل اجتهاداتها لمحاولة الإجابة عن سؤال القيادة وشروطها واهتدت إلى صعوبة وضع أقانيم تصنيفية وشروطا أولية لاختيار قادتها، فاهتدت إلى مسطرة التداول وفق ما ينص عليه قانونها الداخلي "يتم التداول بين أعضاء الجمع العام بمشاركة المرشحين حول أرجحهم لتحمل المسؤولية من حيث الكفاءة والمؤهلات العلمية والعملية"، حيث تسمح عملية التداول في استثمار مجمل الملاحظات والترجيحات في عملية جماعية لاختيار القيادة بدل وضع شروط مسبقة لها، ويشكل حضور المرشحين للتداول فرصة للمسؤول بعد انتخابه أن يوظف نقاط قوته التي ركز عليها المتداولون وبنوا عليها ترجيحهم له دون غيره فيقوم بتقويتها وتنميتها، وبالمقابل يستفيد مما ذكر عنه من سلبيات ونواقص فيعمل على تصحيحها ومعالجتها. ويمكن في المحصلة القول بأن الحركة باختيارها لمنهج التداول قد استطاعت أن تنحو منحى القيادة الجماعية التي تستثمر فيها كل مؤهلات العمل القيادي الجماعي والذي يشكله تنوع أعضاء القيادة وتكاملهم، بدل محاولة البحث عن القائد الذي يجمع كل الصفات، والتي تتحول إلى شروط تعجيزية غير قابلة للتنفيذ.