مرة أخرى تجيش أمريكا العالم ضد العراقيين بحجة مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهذه الخطوة الأمريكية ستزيد المشهد العراقي تعقيداً؛ لأن الضربات الجوية لا يمكن أن تحسم معركة، وهذه الحقيقة يعرفها العسكريون وغيرهم. هذا التحشيد سيكون عبئاً جديداً يضاف على بلاد عاشت – وما زالت – أزمات متلاحقة ومتسارعة في كافة المجالات، وقد بدأت بوادره بهجمات وطلعات جوية، شملت مدن الموصل والفلوجة وتكريت وديالى وصلاح الدين، وحتى أطراف العاصمة بغداد، وبالتالي سنكون أمام ضحايا جدد من المدنيين المغلوب على أمرهم. هنالك في العراق "الجديد" بعض المدن، التي نحرت على يد الأمريكان بالأمس، واليوم تذبح بيد العراقيين، ومن بينها مدينة الفلوجة، أو كما يحلو لأهلها تسميتها، مدينة المساجد. الفلوجة عانت من هول الضربات العشوائية الجوية والبرية الحكومية، المستمرة منذ بداية العام الحالي، وبعد أن أصدر السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء الحالي، والقائد العام للقوات المسلحة، أوامره "بوقف القصف الجوي والمدفعي العشوائي على المدن المأهولة بالسكان، حتى لو كان فيها(دواعش)"، استبشر سكان الفلوجة خيراً؛ وعلى إثر ذلك عادت أكثر من(250) عائلة خلال الأسبوع الماضي من أماكن مختلفة كانوا قد نزحوا إليها منذ أشهر بسبب القصف. القوات الحكومية المتمركزة على محيط الفلوجة الجنوبي عادت، وبعد (24) ساعة فقط؛ لتقصف عدداً من أحياء المدينة بصواريخ الراجمات، التي سقطت بشكل عشوائي على منازل المواطنين والمحال التجارية، وأوقعت ستة شهداء، بينهم ثلاثة نساء و(22) جريحاً، بينهم تسعة أطفال وامرأة، أغلبهم إصاباتهم خطرة. صحيح إن الذين ضربوا الفلوجة قد قتلوا وجرحوا بعض أهلها، إلا إنهم في ذات الوقت أهانوا السيد العبادي، القائد العام للقوات المسلحة؛ لأنهم خالفوا أمره العسكري، فإذا كان هؤلاء من العسكريين فتلك مصيبة، وإن كانوا من المليشيات فالمصيبة أعظم، والواقع أن هذه واحدة من المهازل المستمرة في بلاد الرافدين. وقبل يومين اتصلت بالدكتور احمد الشامي الناطق باسم مستشفى الفلوجة، وهو في طريقه لأداء فريضة الحج، وأخبرني أن الحصيلة النهائية للشهداء(968)، والجرحى وصل عددهم إلى(2725) جريحاً، وأن مستشفى الفلوجة استهدفت(27) مرة. ويمكننا إجمال حصيلة الضربات الحكومية للفلوجة منذ بداية العام وحتى يوم الاثنين الماضي، على النحو الآتي: - تدمير(300) منزلاً بشكل كامل، وإلحاق أضرار جزئية ب(1400) منزل. - تدمير تسع مدارس بشكل كامل، و(51) مدرسة بشكل جزئي. - تدمير خمسة مساجد، و(43) مسجداً بشكل جزئي، من أصل (550) جامعاً في المدينة. - الدوائر والمؤسسات الحكومية – بما فيها مراكز الشرطة ودور القضاء وخدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي – كانت حصتها تدمير(18) دائرة بشكل كامل، و(39) منها بشكل جزئي. - الجسور، تم تدمير جسرين بشكل كامل، و(26) جسراً بشكل جزئي، من مجموع (62) جسراً على الفرات والوديان العميقة التي تربط المحافظة بدول الجوار. - المعامل الحكومية تم تدمير ستة منها، فيما تم تدمير(55) معملاً أهلياً. هذه الخسائر لا تقتصر على مدينة الفلوجة فقط، وإنما هي جزء من إجمالي إحصائيات الخراب في العراق، وذات الصور المؤلمة موجودة اليوم في الموصل وصلاح الدين وديالى، ومناطق حزام بغداد. هذا التحشيد الدولي الجديد لا يمكن أن يؤتي ثماره على الأرض، والحل ينبغي أن يكون عراقياً بحتاً، بعيداً عن التدخلات الأجنبية التي لا تزيد النار إلا حطباً. العراقيون والعالم يلمسون – في كل لحظة – زيف الديمقراطية، التي حاولت الولاياتالمتحدة – ومن معها – تمريرها على العراقيين، ديمقراطية القتل والإرهاب والتخريب والنحر في عموم الوطن، وهم لم يكتفوا بذلك، بل نجدهم اليوم يريدون أن يُزيدوا من شلالات الدماء البريئة، بحجة مقاتلة هذا التنظيم أو ذاك! فإلى متى سيبقى العراقيون ينزفون دماً من أجل تحقيق أهداف واستراتيجيات، ربما، ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل؟!