دأب المغرب منذ ستينيات القرن الماضي على المشاركة في عمليات أممية لحفظ السلام بمناطق مختلفة من العالم، وفي حروب دولية بعضها لا يهمه من قريب ولا من بعيد. وإذا كانت الآراء والمواقف متباينة دوما حول جدوى تلك المشاركات وحول هامش الحرية في قبولها أو رفضها من لدن السلطات المغربية، فإنّ ثمة سؤالاً يستدعي نقاشا موسعا ومسؤولا، الآن وباستعجال شديد، حول مشاركة المغرب المحتملة في الحرب على ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بقبعة طائفية وتحت غطاء مذهبي ! يأتي هذا الحديث في سياق الدعوة التي وجهها الرئيس أوباما على هامش مؤتمر قمة حلف الشمال الأطلسي المنعقد في الخامس من الشهر الجاري بخصوص الحرب الوشيكة في العراق مجددا، وضرورة المشاركة فيها من لدن دول عربية ذات أغلبية سنية، على حد تعبيره. براغماتيا، قد يكفي هذا التصنيف للزج بالمغرب في حرب غربية/ عربية وإسلامية في واقعها، إسلامية/ إسلامية في عمقها. الحرب لم تقم بعد ومعطياتها وتفاصيلها لا زالت في طي السر والكتمان، ولا يمكن بالتالي التنبؤ بخسائرها من الآن. في نفس الوقت، تدل الحروب المتتالية منذ 1411 ه (1991)، سواء مع العدو الغربي عموما والأمريكي خصوصا، أو بين الإخوة الأعداء، على أنّ الاقتتال البري جد مكلف في الأرواح هناك، ثم ماديا ومعنويا. أما الأخطر بالنسبة للمغرب إذا هو شارك فعلا لا قدر الله في هذه الحرب بوصف طائفي أو مذهبي هو إقحام نفسه إلى غير رجعة في الصراع المفتعل في العالم الإسلامي بين السنة والشيعة، وبالتالي إذكاء شروط انتقال هذا الصراع محليا كلما زاد تطور الأقلية الشيعية اللافت للأنظار في المغرب خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص! فأي غنيمة يمكن أن تعوّض المغرب عن المسافة التي استطاع أن يحافظ عليها مع الطائفية الدينية وعن الوسطية المعتدلة التي ميزته لحد الآن عن أغلب الدول الإسلامية؟ ثم إنّ التاريخ لن يغفر للمغرب أن يساهم في تفعيل استراتيجية الصراع المذهبي والطائفي الذي أثبتت التجربة في اليمن والسودان والعراق ومصر وليبيا على سبيل القصر، أنّه البذرة الأمثل لزرع الفرقة والتطاحن بين أهل البلد الواحد والدفع بهم إلى تخريب وطنهم ومجتمعهم بأيديهم، تمهيدا لتدخل قوى الاستعمار وفرض تقسيمه بكل الوسائل. ورب قائل يقول إنّ داعش ليست شيعية والحرب عليها ليست إذن سنية/ شيعية. وهنا يكمن الفخ: نحن سنيون وجئنا لنحارب سنيين مثلنا لأنّهم خارجون عن الشرعية. نعم، إلاّ أنّنا سنكون في هذه الحالة قد قبلنا أن نصنف من الآن فصاعدا بأهل السنة مقابل أهل الشيعة، هم في خندق ونحن في خندق، والله أعلم ماذا يمكن أن تخبئه لنا بعد ذلك التخطيطات الماكرة في المستقبل. طبعا سيقول البعض إنّه وهم المؤامرة الذي لم نتخلص منه بعد؛ غير أنّ مشروع تقسيم الدول العربية والإسلامية لم يعد سرا، وهو جاري التفعيل أمام أعيننا وفق ما هو منشور في واضحة النهار حتى في الانترنيت بالخريطة والتفصيل منذ أعوام في عدة مواقع إلكترونية ولم تتبرأ منه أي من الجهات المنسوب إليها، وعلى رأسها التحالف الصهيوني – الأمريكي. إنّ المغرب يكاد يكون اليوم أمام إحدى أكبر مسؤولياته التاريخية، وعليه أن يوظف عبقريته أكثر من أي وقت مضى للبقاء بعيدا عن النار الحارقة للطائفية والمذهبية المتصارعة. لذا عليه أن لا يدخل في حرب ذات طابع مذهبي أو طائفي مهما كان ثمن ذلك. وإذا كان عليه أن يختار بين ضررين أو أكثر فليختر أخفها، مع العلم أنّ عواقب قبول المشاركة في حرب بهذا الوصف، عواقب كارثية ومصيرية بالنسبة للمغرب ولأجياله الحالية والمستقبلية. كما أنّ على كافة النخب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بالمغرب أن تتحمل مسؤوليتها هي الأخرى في هذا الوقت بالذات وتجند نفسها للمشاركة في هذا النقاش كقوة اقتراحية انطلاقا من المكانة المتميزة التي خصصها دستور1432 (2011) للمجتمع المدني.