بقدر الجهد والعطاء في خدمة الوطن والأمة يكون الجزاء والإحسان، هذا على الأقل ما يمليه علينا الضمير والمنطق، ولعل فئات من المغاربة تعمل في ميادين قدرها أن تكون متعبة وشاقة كمهنة رجال الدرك الملكي، الذين يقومون مقام الشرطة خارج المدار الحضري للمدن فتجدهم في المحاور الطرقية وفي البوادي والمناطق الجبلية الوعرة حريصين على أمن وطمأنينة المواطنين الآخرين، وبالمقابل يتوجب رعاية هذه الفئة وتلبية حد أدنى من مطالبها المادية والاجتماعية خاصة بعد أن تفني زهرة شبابها وتحال على التقاعد. بيد أن وضعية متقاعدين الدرك الملكي كما يحكي ل "التجديد" رئيس جمعية قدماء ومتقاعدي الدرك بجهة سوس ماسة درعة السيد محو طاحي ليست على ما يرام. ويتحدث طاحي عن الظروف المعيشية للمتقاعدين، وعن دوافع تأسيس جمعية خاصة بهم وما واكب ذلك من عراقيل بالنظر لحساسية خلق جمعية في جهاز أمني كالدرك الملكي يخضع بصرامة لفروض الطاعة والانضباط، وعن أشياء أخرى تجدونها في طي الحوار التالي: بداية نريد أن نتعرف على أهداف جمعيتكم؟ ولماذا أسسمتوها؟ أسسنا هذه الجمعية نظرا لما يعانيه رجال الدرك المتقاعدون من تهميش بلغ أقصاه، فأنشأنا الجمعية للدفاع عن حقوق المتقاعدين وكشف التهميش الذي لحق هذه الفئة بعد التقاعد، وكنموذج عن الوضعية المتدهورة لهذه الفئة أورد حالة دركي متقاعد اضطر إلى ممارسة النقل السري للأشخاص (الخطافة) لتحسين وضعه الاجتماعي، ويا للمفارقة! بعدما كان دركيا يحارب هذه الظاهرة أصبح جزءا منها. ورغم ما منحه لنا جلالة الملك من امتيازات مضمنة في المذكرات المنظمة لمؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لقدماء ومتقاعدي الدرك الملكي إلا أنه لم يطبق منها شيء، وأهدافنا هي التنسيق بين الاخوة المتقاعدين مع مصالح القيادة الجهوية للدرك الملكي بأكادير التي بحوزتها مذكرات قادمة من الرباط تخص هذه الفئة، ولكن لم نتوصل بأي منها، ولما استفسرنا القائد الإقليمي عن كيفية الحصول على تلك المذكرات أجابنا: سأهيئ لكم مكتبا خاص بكم في مركز القيادة كي تأتوه وتطلعوا على المذكرات، لكن شيء من هذا لم يقع، بل لم يكلف نفسه عناء استقبالنا. ولماذا لم يستقبلكم؟ قال بضيعة غير مباشرة إن هذه الجمعية غير معترف بها من طرف مؤسسة الحسن الثاني، وأيضا من طرف الدرك الملكي، ولقد لمست أن هؤلاء يريدون فرض سلطتهم علينا كما كان يفعلون لنا عندما كنا نرتدي البذلة الرسمية، لكننا لا نخاف أحدا ولن نتهرب من شيء، وإن كان الوطن والشعب بحاجة إلينا فنحن مستعدون في كل لحظة لتلبية شعار "الله الوطن الملك". هل وجدتم عراقيل في بداية تأسيس جمعيتكم؟ خاصة وأنه يشاع بأن الجمعيات ذات الطابع الأمني ربما يمنع تأسيسها في المغرب. بالتأكيد واجهنا عراقيل، وهي تشبه ما وقع في مراكش أثناء تأسيس اللجنة التحضيرية لجمعية شبيهة بجمعيتنا، وكان يترأسها ضابط سام. لن أدخل في التفاصيل لكن إن كان أعضاء تلك اللجنة لم يتجاوزوا العراقيل فنحن اجتزناها ولله الحمد. كيف ذلك؟ التجأنا إلى العدالة فرفعنا دعوى قضائية، ثم التقينا السيد الوكيل الذي قال إن الأمر ليس من اختصاصه فلجأنا إلى المحكمة الإدارية -وكما تعرف نحن رجال قانون- ونعلم أن هذه المشاكل من اختصاص هذه الأخيرة فسجلنا دعوى فيها واستدعينا محاميا للدفاع عن قضيتنا، ومنذ قرابة السنتين ونحن في مذكرة تجاوب بيننا وبين المسؤولين في الدرك، وفي آخر المطاف قالوا إننا نعتبر قوة احتياطية، ولن نتهرب من هذا الأمر إذا كان قانون ينص على ذلك. وإلى حد الآن لا يوجد في القانون الأساسي للدرك ما يؤكد أننا قوة احتياطية، وبعد ذلك حكمت المحكمة الإدارية بإلغاء ما قالوه في مذكراتهم، وقضت بمنحنا ترخيصا. بعدما اجتزتم عقبات التأسيس، ما هي العراقيل الأخرى التي واجهتكم؟ في الحقيقة نحن في بداية العراقيل لأنه وإن أعطي لنا الضوء الأخضر (لأن الحكم صدر بأمر من جلالة الملك) إلا أن هؤلاء الناس يتلاعبون بنا، بحيث يطالبوننا بالانخراط في مؤسسة الحسن الثاني، كما أن الشرطة القضائية استدعتنا لتقول لنا الأمر نفسه. وفعلا حصلنا على طلب الانخراط في المؤسسة المذكورة تحت رقم 2760 بتاريخ 10 فبراير 2002، هذا الطلب وجه إلى مؤسسة الحسن الثاني بالرباط ولم يرد أي جواب شأنه، رغم مرور ما يزيد عن 3 أشهر على ذلك، وهنا نتساءل عن السبب. كيف تفسر عدم الرد على طلبكم؟ تفسيره واضح، فخلال لقاء ودي مع صديق برتبة نقيب في القوات المسلحة الملكية قال لي بعبارة صريحة "إنهم متخوفون من هذه الجمعية" فأجبته بأن أي إنسان انحرف عن القانون الأساسي سيعاقب حسب قانون الحريات العامة، فقال "إن انخراطكم في مؤسسة الحسن الثاني حاصل، ولكن جمعيتكم غير معترف بها لحد الآن، والمراسلات المتعلقة بهذا الانخراط وصلت إليهم". بعد ذلك ذهبت إلى مركز الدرك الإقليمي باكادير حيث القيت بالرائد أعني المنسق الخاص للقائد الإقليمي، فبادرنا بالقول "مرحبا بك، سنسدي خدمة لأي إنسان جاء يطلب المساعدة شريطة أن يطلبها بآسمه وليس باسم جمعيته" وهذا يعني سحب البساط من تحت أقدم جمعيتنا. بماذا تفسرون دلك؟ نحس بنقص حاليا لأنه عند ذهابنا إلى السلطة المدنية والسلطة العسكرية، وأيضا الدرك الذي كنا نعمل في صفوفه سابقا أوصدت الأبواب أمامنا، والوسيلة الوحيدة هو أن نلتقي بالقائد الأعلى بأي وجه كان كي تحل المشاكل التي تخص فئتنا، وسيدنا نصره الله لا يعلم بها ولهذا نريد أن نوصل أخبارنا إليه. في حالة إذا لم تحل مشاكلكم مستقبلا ما هي الإجراءات التي ستقومون بها؟ يريدوننا أن نرتكب أعمال خارج القانون, ولكننا أناس عقلاء ومتشبثون بالعرش العلوي المجيد، ونعلم أن أعمال الفوضى تضر بوطننا، و للأسف عوض أن يساعدنا الضباط السامون في محنتنا أصبحوا يعرقلوننا لكي ننحرف عن القوانين، ولكننا لن ننحرف عنها وسنسترجع حقوقنا بها إن شاء الله، ونحن مصرون على الالتقاء بسيدنا نصره الله بأي وجه كان، وإن لم تسو أوضاعنا في هذا العام ففي العام القادم.. وهكذا حتى تسوى للأجيال القادمة من المتقاعدين، وما دمنا على قيد الحياة فسنظل صامدين حتى نحقق أهداف الجمعية إن شاء الله. هل تفعيل مؤسسة الحسن الثاني هم أهم مطالبكم في الجمعية؟ نعم لا أقل ولا أكثر، فمثلا حالة أخت تسمى "مليكة السبع" هي الآن بمدينة الدشيرة وتعاني كثير بعد وفاة زوجها فضلا عن إصابتها بشلل نصفي والذي يتطلب منها تناول أدوية معينة، وطلبنا منهم مساعدتها في شرائها فلم نجد آذانا صاغية، ولدي إرساليات وصلت منذ شهرين دون جواب، ومثل تلك المساعدات منصوص عليها في بنود قوانين مؤسسة الحسن الثاني كالبند 16 و17 و18 تحتاج فقط لمن يطبقها. لقد منحنا جلالة الملك عدة امتيازات كالحق في الاستفادة من خفض كلفة التنقل بنسبة 50 في المائة، بيد أنهم يمكنوننا من هذا الحق، وكمذكرة تهم الشؤون الاجتماعية رقمها 874/2 بتاريخ 4 مارس 1979 ومذكرة أخرى رقم 66/2 التي تنص على ضرورة انتقال رئيس المركز الترابي إلى كل متقاعد للإطلاع على أحواله، ومعرفة مطالبه وذلك خلال كل 3 أشهر، لكن لم تنفذ هذه المذكرة إلى حد الآن وظلت حبرا على ورق. إننا لا نطلب منازل أو فيلات، بل فقط تفعيل بنود مؤسسة الحسن الثاني أو ما يسمى باللغة الفرنسية (notes de services Les) فهم يدعون أنهم لم يتوصلوا بأي شيء من هذا القبيل ظانين أننا سنكل ونتعب ولكن هذا لن يزيدنا إلا إصرارا حتى تنفذ مذكرات القائد الأعلى للقوات المسلحة. بماذا تفسرون عدم تطبيق هذه البنود رغم ما توفره عليه من مصالح لفئتكم؟ يعود ذلك إلى إهمال طبقة المتقاعدين من الدرك التي كرست حياتها في خدمة الوطن والشعب، وبل إن بعض المسؤولين الذين ما يزالوا يرتدون البذلة العسكرية للدرك لا يسرهم أن نطالب بحقنا، وأكثر من ذلك فمنهم من يقولون إن المتقاعدين "كلهم مشاكل". لحد الآن مازلتم لم تتوصلوا بمساعدات كالاستفادة من رخص النقل؟ هذا سؤال في الصميم، فغير بعيد عنا وردت مذكرات بتاريخ 17 نونبر 2002 من الجنرال حسني بنسليمان، قائد الدرك الملكي، يطلب فيها من القائد الجهوي للدرك مساعدة 3 متقاعدين من الدرك يعانون من ضآلة أجرة التقاعد، بيد أن الأمر عرف عرقلة إلى أن وصل إلى مساعد لم يكن في مقدوره فعل شيء، لأنه يحمل الرتبة نفسها التي أحمل، وقيل لي "لن يستقبلكم المسؤولون"، فاستقبلنا رائد (وهي رتبة عسكرية) بألفاظ نارية قائلا "إننا نتحداكم"، وهذا ما خيب أملي وجعلني أبعث برسالة إلى الجنرال بنسليمان في 17 دجنبر من السنة نفسها أطلب فيها أن تتاح لي الفرصة لشرح وضعيتي ووضعية المتقاعدين بالدرك الملكي فلم يجبني. ثم وردت رسالة من الشؤون الاجتماعية بالرباط تقول إن على القائد الإقليمي أن يقف مع المتقاعدين في ولاية أكادير للحصول على رخص نقل لكن دون جدوى. ألا ترى أنكم تعتبرون فئة غير مرغوب فيها؟ هذا صحيح للأسف، فرغم أن جلالة الملك خصنا بامتياز الذهاب إلى الحج إلا أننا لم نتوصل بشيء من ذلك، نحن نعلم ما لنا وما علينا، لكن بالمقابل وصلت الوقاحة ببعضهم أن قال "سنرفع عليكم دعوى لأنكم وضعتم رمز التاج في إرساليتكم"، الله أكبر إن التاج هو رمز البلاد ونحن كنا نعمل تحت التاج، فإن أزالوه من الورق فإنه سيبقى في القلوب، لذلك سنناضل حنى نوصل قضيتنا إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة. لماذا أحالوك على التقاعد رغم عدم بلوغك سن التقاعد القانوني؟ إنها قصة طويلة يمكن تلخيصها في ما يلي: فعوض أن أكون في خدمة الوطن صرت في خدمة العاهرات اللائي يلبين نزوات القائد الجهوي، ففي أحد الأيام ذهبت إلى عمارة خليلته لأصلح الهاتف بحكم اختصاصي في هذا الميدان، وبعد ذلك عرضت علي إصلاح أحد المصابيح الكهربائية (الثريا) فرفضت ذلك فاحتجت فشكتني للقائد الجهوي، هذا الأخير وبخني بعبارة (حمار) وتطورت الأمور إلى أن أحلت على التقاعد بدعوى المرض مع أنني لست كذلك، فبالله عليك كيف ستصبح كرامتي؟ حاوره: أحمد الزاهدي