شغلت الاتهامات التي وجهتها قوات فجر ليبيا لكل من مصر والإمارات بتنفيذ ضربة جوية في العاصمة الليبية طرابلس حيزا كبيرا من الاهتمام في مصر خلال الأيام الماضية، ولا سيما بعد تأكيد الولاياتالمتحدة الاتهامات نفسها قبل أن تتراجع عن موقفها. وبدوره، نفى عبد الفتاح السيسي هذه الاتهامات، وقال في اجتماع مع بعض الإعلاميين إن مصر ليس لها جيوش خارج حدودها، مضيفا "لم نقم بأي عمل عسكري في ليبيا حتى الآن". هذه الجملة الأخيرة أثارت اهتمام كثيرين وطرحت أسئلة عديدة حول ما قصده السيسي بعبارة "حتى الآن"، فذهب محللون إلى القول إنه يمهد لعمل عسكري ضد الجارة الغربية، بينما اعتبر آخرون أنه يعني أن مصر لم تقم بعمل عسكري، لكنها قد تقوم به إذا ارتأت في ذلك حماية لحدودها وأمنها القومي. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلت قبل أيام على لسان مسؤولين أمريكيين قولهم إن مصر والإمارات نفذتا ضربتين جويتين ضد قوات (فجر ليبيا) الأسبوع الماضي. وأضافت الصحيفة أن "الإمارات وفرت طائرات وطيارين، بينما وفرت مصر قواعد لشن الهجمات" بشكل سري، وهو ما نفته الخارجية المصرية. لكن الحديث المصري عن خطر يأتي من الاتجاه الليبي لا يتوقف، وكان آخره على لسان وزير الخارجية سامح شكري الذي تحدث عقب استقباله نظيره الليبي هذا الأسبوع عن عقد مؤتمر إقليمي "لضبط الحدود" بدعوى وجود "عناصر إرهابية تمتد أنشطتها لدول الجوار عبر تجارة السلاح واختراق الحدود". ويرى مدير مركز الحوار لدراسات الدفاع اللواء عادل سليمان أن حديث السيسي "لا يعني هذا نية التدخل، فالعبرة بالأفعال وليست بالأقوال"، لافتا إلى النفي الرسمي المصري لهذه الاتهامات. وعن فكرة التدخل المصري بليبيا يقول الخبير العسكري إن التدخل "مرفوض" حتى لو كان تحت ما يسمى الحشد الإقليمي لأن هذا التدخل "يضر بالجميع". وأشار سليمان إلى أن التدخل يكون "حتميا في حالة اعتداء ليبيا كدولة على مصر". وعن ما قد يلحق بمصر من خسائر جراء انزلاقها إلى حرب في ليبيا يضيف الخبير العسكري أن المصريين العاملين في ليبيا -نحو مليوني مصري- سيكونون أول الخاسرين. حشد إقليمي ويرى محللون أن السيسي "يحاول عمل حشد إقليمي تتورط فيه دول الجوار"، وأن ثمة دعما مصريا سعوديا جزائريا إماراتيا ضد التيارات الجهادية في ليبيا. وفي المقابل، ذهب فريق آخر إلى أن السيسي "يتخذ الحدود ذريعة لضرب ليبيا للاستفادة من دعم بترولي، والإطاحة بالتيارات الجهادية". أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة قال إن أطرافا كثيرة "متهمة بالتورط في القصف، حسب ما نشرت نيويورك تايمز". وأضاف "هي حرب أهلية بالوكالة إذاً". وعن التهديد الذي يمثله ما يحدث في ليبيا لمصر يرى نافعة أن مصر تشعر بأن الكتائب المسلحة "غير مرحبة بوجود مصريين في ليبيا، حيث تم قتل مصريين وتهديد آخرين وطرد أعداد من ليبيا". وعن حتمية التدخل العسكري أشار نافعة إلى أن هناك دولا "تتدخل عسكريا"، وأنه ليس من مصلحة مصر التدخل "منفردة"، وأن يكون دورها سلميا لأن التدخل العسكري "يشكل خطرا على مصر". وتحدث أستاذ العلوم السياسية عن وجود "تهريب أسلحة من ليبيا"، قائلا إن هذا "يوجب التصدي وضبط الحدود ومراقبتها"، لأن استقرار ليبيا ووحدة الدولة مهمان لمصر ولكل دول الجوار، وفق تصوره. وفي السياق ذاته، قال عضو تنسيقية 30 يونيو عمرو بدر "لا ينكر أحد أن ما يحدث في ليبيا له تأثير في أمن مصر القومي، وأن أي جماعات مسلحة تشكل خطرا على مصر"، مؤكدا أن أي تهديد للحدود يفرض على الجيش التدخل. وطالب بدر السلطة بتقديم تفصيلات نزيهة تقنع الشعب، وألا تكتفي بمجرد النفي، وتابع "ربما يخسر المصريون العاملون بليبيا لكن يبقى اتجاهنا في دحر الإرهاب بصرف النظر عن أي خسارة".