بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد عيان يروي: مأساة المجاهدين العرب في العراق وكيف سقطت بغداد
نشر في التجديد يوم 01 - 05 - 2003

توصلت العديد من المواقع الالكترونية برسائل من المجاهدين العرب بالعراق تروي تفاصيل عن مقاومتهم الباسلة ضد العدوالأنكلو أمريكي. "التجديد" اختارت للقارئ الكريم إحدى هذه الروايات - نقلا عن موقع العصر الالكتروني بتصرف- يحكي فيها أحد هؤلاء المجاهدين حثيات عن تداريبهم القبلية استعدادا لنزال الأمركان الغاصبين، وكيف تمكنوا من تدمير العديد من الدبابات رغم ضعف عتادهم الحربي، ويروي فيها أيضا تفاصيل مثيرة عن صمودهم في معركة "أم القصر" و معركة "المطار" التي استعملت فيها الأسلحة غير التقليدية، وعن دقائق وظروف ما أسماه هذا المجاهد بالخيانة قبل أن تسقط بغداد في أيدي الغاصبين بعد "صفقة مع ابن عم صدام". نشير في هذا الصدد إلى أن قناة الجزيرة القطرية تكشف، عبر حلقات ضمن برنامج " ما وراء الأحداث"، عن تفاصيل ضافية لمأساة المجاهدين العرب بالعراق، علاوة عن حقيقة الغدر والخيانة التي تعرضوا لها. ويمكن للقارئ أن يتعرف عن قرب إلى هذه الملابسات من خلال الموقع الالكتروني للقناة .
1. تداريب قبلية للمجاهدين العرب
بدأ الشباب العرب بالتوافد إلى أرض الجهاد في العراق قبل بدء الحرب بشهر تقريبا.
وكان الشباب الموجودون آنذاك من جميع الدول العربية إلا من الكويت والإمارات وعمان والبحرين فلم يكن منها أي شخص. وهؤلاء الشباب الذين جاءوا في البداية كان لهم النصيب الأكبر من المعارك من صمود في أم قصر إلى ثبات في الناصرية إلى استبسال في معارك النجف وأخيرا إلى مأسدة الزبيرعند مجيئهم إلى العراق. بدأ القادة العسكريون بتدريبهم في الكلية العسكرية الأولى التي تقع جنوب غرب، وقد كان جميع القادة المشرفين على المجاهدين العرب من السنة، المهم بدأ الشباب بالتدريب على كافة أنواع الأسلحة وكافة أنواع الحروب، من حرب عصابات إلى حرب مدن إلى حرب نظامية أي حروب جيوش، إلى أن بدأ القصف.
2. بداية المعرك
بدأت المعارك في اليوم الثالث تقريبا، قسمنا القادة وكنا في هذا المعسكر حوالي 3000 مجاهد منا من ذهب إلى الجنوب وكان معظمهم من السوريين، ومنا من ذهب إلى النجف بما أنها ملاصقة بحدودها الجنوب الغربية لبلاد الحرمين، ومنا من رابط في بغداد على مضادات الطائرات، وبقيت المعنويات عالية والانتصارات تترى. وبقينا مجموعة في بغداد نحوم حول مضادات الطائرات وعلى تخومها للدفاع عنها في حالة الإنزالات، وبقي شباب الإسلام يتوافدون على بغداد إلى اليوم العشرين من الحرب الذي يصادف الثامن من الشهر الرابع، طبعا هذا التقسيم لم يكن لسريتنا فحسب، وإنما كان لجميع السرايا. وبدأت الاشتباكات في ليلة اليوم الثالث من الحرب في ناحية أم قصر التي تقع في البصرة، وكانت الأيام التي تسبقها قصف مستمر على البصرة والناصرية، أما على بغداد، ففي الأيام الثلاثة الأولى كان القصف يبدأ بعد صفارات الإنذار المبكر التي كانت تنطلق عند الساعة الخامسة فجرا بتوقيت العراق، وتنتهي الغارة عند الساعة الثامنة والنصف، وتتجدد عند الثامنة والربع مساء وتنتهي عند الساعة الواحدة والنصف. في هذه الأثناء، لم يكن هناك أي اشتباك في مناطق الشمال، إنما كان قصفا
عنيفا فلم يكن هناك حاجة في بداية الأمر للشباب العرب.
3.أم قصر: "لولا أننا أمرنا بالإنسحاب منها ما سقطت"
واعلم أخي القارئ أن صمود أم قصر تسعة أيام إنما هو بفضل الله أولا وأخيرا، ثم بصمود المجاهدين العرب. ولولا أننا أمرنا بالإنسحاب منها ما سقطت، ولولا الله ثم المجاهدين العرب ما أُُُُُثخن الأمريكان أشد الجراح في الناصرية.
وفي أي اشتباك يقع، كان التقسيم كالتالي: الخطوط الثلاثة الأولى كلها من المجاهدين العرب، وبعد ذلك يصطف الجيش العراقي النظامي، وما كنتم تسمعونه أن فدائيي صدام فعلوا كذا وكذا، ما هم إلا المجاهدون العرب، لأن هذه التسمية كانت تطلقها علينا مؤسسات الدولة وكان لباسنا في الاشتباكات التي تحصل في الأحراش ملابس الصاعقة، ولكن بهيئة النينجا (وكان هذا لباس فدائيي صدام)، أما داخل المدن فكنا نتحرك باللباس المدني، وتوالت المعارك، وكان المجاهدون العرب يسطرون فيها أروع البطولات، ومع ذلك فقد استشهد الكثير نتيجة للقصف المكثف الذي كان يتم قبل المعركة والاشتباكات والخيانات التي سأذكرها لاحقا. وظلت الأمور على ما يرام إلى أن أمرنا بالانسحاب من أم قصر ثم من منطقة الخصيب ثم من الزبير. ثم بعدها وبصراحة أصبنا بذهول.
4. وكانت الخيانة المرة
بعد ذلك بدأت الأمور تنجلي بعد أن قابلنا مجموعة من الشباب العرب وكان تعدادهم مئة وخمسون رجلا، كانوا قد عادوا لتوهم من الناصرية وقالوا لنا عجبا، وحسبناه عجبا لأننا كنا إلى تلك اللحظة لم نر أي خيانة، فقالوا إن العراقيين بعثونا إلى منطقة جرداء في الناصرية وكان بها خنادق يبدو أنها قديمة وأنزلتنا الحافلات هناك وذهبت، وبقينا هناك لمدة يومين ولم نر أي عراقي معنا ولا يوجد معنا أي قطعة سلاح إلا سكاكين عسكرية أتينا بها من بلادنا، قالوا وكنا نتناوب في الحراسة إلى أن حصل في اليوم التالي إنزال للأعداء بالقرب منا فلم نستطع أن نفعل أي شيء سوى أن أحد الشباب أشار علينا بالاختباء داخل الخنادق التي عثرنا عليها البارحة، وبالفعل اختبأنا في هذه الخنادق والله عز وجل سلم، إلا أنهم لم يروا فائدة من البقاء في المنطقة لأنها جرداء، وليس فيها أي مقاومة.
وفي مدينة السماوة، يقول المجاهدون: كنا فيها على أتم الاستعداد لمعركة وكان تعدادهم مئة وثلاثة وعشرون شخصا، وإذا بالرصاص ينهال علينا من كل جانب ونحن لا ندري ما الذي حصل، ونعلم أن هذا الرصاص رصاص كلاشنكوف فعرفنا أنها خيانة، ولكن الشباب السوريين لم يطلقوا رصاصة واحدة بسبب أن الذين يطلقون حسب قولهم مسلمون، وعلى إثر ذلك استشهد منهم خمسة وسبعون شابا. وكثير من الشباب السعوديين والجزائريين وغيرهم نجوا لأنهم دافعوا عن أنفسهم، وبعد أن كانوا 123 رجعوا من الاشتباك مع الشيعة ب 32 رجلا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5. دمرنا العديد من الدبابات والحمد لله
لنعود قليلا إلى بغداد ونذكر المعارك التي حدثت فيها بعد سقوط مدن الجنوب. فأول المعارك التي حصلت، معركة جسر الكوت، كنا في معسكر في جنوب بغداد ورأينا طائرات الأباتشي وهي تمشط الجسر لتتمكن من عملية إنزال، وكنا أثناء ذلك بين الأحراش، وذهبنا بعد أن غادرت الطائرات إلى منطقة الجسر وكانت تبعد عنا حوالي 600 متر، نصبنا كمينا على جنب الطريق وكان معنا شباب سوريون صغار السن لا يتجواز عمر الواحد منهم 16 سنة وكان معنا من السلاح (وكنا 19 شخص) قاذفات أ-ر-ب وصواريخ صغيرة تحمل على الأكتاف ورشاشات البيكا، الشباب الصغار صعدوا على الأشجار المحيطة بالجسر وكل منهم يحمل "بازوكا" وأثناء الترقب والانتظار، إذا بهم يقبلون علينا، وسمعنا صوتا في مكبرات الصوت ينادي: "سلموا روحكم إخوانكم في الحرس الجمهوري سلموا حالهم"، وكنا على جنبات الطريق فنظر أحد الشباب السعوديين إلى الشباب الذين كانوا مختفين داخل الشجر المطل على الطريق وأشار إليه أن اضرب، فضرب دبابة فدمرها، وبيتت خمس دبابات وكانت ستة، وخرج الشباب من جنبات الطريق وتعرضوا للدبابات المتبقية فدمرناها والحمد لله، وقتل جميع من فيها، وكانت هذه المعركة بتاريخ 30 مارس 2003
في الساعة العاشرة صباحا.
6. معركة المطار والسلاح غير التقليدي
ننتقل الآن إلى معركة المطار التي أبلى فيها المجاهدون العرب بلاء حسنا، في ليلة السبت الموافق 64 وبعد يوم جمعة هادئ وفي الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، جاء المقدم إبراهيم الموصلي، وقال لنا الشباب الذين يمتلكون قاذفات (أر بي جي) وبازوكات ورشاشات بيكا يستعدون للذهاب إلى المعركة، فسألناه إلى أين الاتجاه، فتحفظ على ذكر المكان، وكان معي سيارة بيك أب مثل الشباب العرب الذين يقطنون بغداد، سلمتنا إياها الدولة لمعرفتنا بطرق بغداد، وكانت بحوزتنا 14 سيارة، تحركنا باتجاه الشرق وكانت هناك سرايا أخرى جاءت من أماكن عديدة وكلهم من الشباب العرب، وصلنا إلى المطار وانتشرنا في جنباته، وكانت هذه المعركة أشرس وأشد معركة يخوضها الشباب العرب، وكان تعدادهم حوالي ألف وثلاثمائة شاب، وكانت الخطة كالتالي: أن تكون مجموعة في الوسط ولم يكمل لنا المقدم إبراهيم، وأخذنا إلى مكان آخر وكان على هذه المجموعة التي في الوسط ألا ترمي إلا إلى الأمام، وتوزع الباقون وبدأت المعركة، وكانت ضارية بحق واستمرت المعركة إلى الساعة التاسعة وأربعين دقيقة صباح يوم السبت، رأينا في الصباح العجب، كيف أن الله امتن علينا وجعلنا نثخن فيهم
المرة تلو الأخرى، وذهل العراقيون لما فعلنا وكان هذا فضل الله علينا.
وأظنكم سمعتم ما قاله الصحاف وأنهم سيستعملون سلاحا غير تقليدي، وبالفعل استخدم الحرس الجمهوري البلاستيك المذاب ضد الأمريكان وكانوا يرشونه عليهم بأنابيب ضخمة عبر المضخات. وكان من العراقيين ولا ندري أهو عن طريق الخطأ أم بالعمد أن قصفونا بالهاون من الخطوط الخلفية أثناء التأكد من الشباب المصابين منا أهم أحياء أم أنهم استشهدوا إن شاء الله، وكان الأمريكان يمتلكون رشاشات قذرة يطلق عليه رشاش 800 وكانت هذه الرشاشات تضرب الشاب منا على فخذيه فتقطعهما فورا أو تقسم أحدنا نصفين، نسأل الله أن يتقبل من استشهد منا وبعد ذلك انسحبنا وعلمنا لاحقا أن المطار سقط فحزنا أشد الحزن.
7- آخر معاركنا كانت بمنطقة الكاظمية
أما عن آخر معركة شاركنا فيها فكانت في تاريخ 8 أبربل 2003 في ليلة يوم الإثنين في الساعة الثالثة فجرا، أمرنا بالتحرك إلى منطقة الكاظمية التي تقع شمالي بغداد، وصلنا إلى معسكر كتيبة القارعة من فدائيي صدام وتمركزنا فيه وكنت لم أنم تلك الليلة شيئا فاستأذنت من القائد بالنوم قليلا فقال: كن نصف نائم لوجود أمريكان في المنطقة فنمت، ولم ألبث أن أضع رأسي حتى بدأ القصف الشديد، فنزلنا في الخنادق الموجودة تحت الأرض واستمر القصف إلى أذان الفجر، توقف بعد ذلك وكانت الساعة السادسة، صلينا ونمت بعدها ساعتين وإذا بالقائد ينادي: "إنزال"، فزعنا من النوم كل إلى سلاحه وقال القائد لأحد الجنود العراقيين أشرف عليهم بعد ذلك قال لنا الجندي كل واحد منكم يأخذ قذيفة واحدة، كل واحد سيضرب دبابة وننسحب (وكنا عشرة شباب 4سوريين و2جزائريين و2 لبنانيين و1 سعودي و1 فلسطيني)، بصراحة لم أقتنع بكلامه فقلت للشباب لا يسمعن أحد كلامه وأخذت معي 3 قذائف (أر بي جي) وصاروخا بازوكا وكلاشنكوف معه 6 مخازن رصاص كل مخزن يحوي 30 رصاصة، كل الشباب سمعوا النصيحة إلا ثلاثة قالوا لي هو أدرى فقلت لهم براحتكم وأخذ كل واحد منهم قذيفة (أر بي جي)
واحدة، وفي ذلك اليوم سبحان الله أعطيت السيارة التي كانت معي لهذا الجندي وقلت له بعد المعركة آخذها منك واتجهنا الى أرض المعركة وكان مكانها على الطريق السريع المؤدي إلى أحد نواحي بغداد واسمها "التاجي"، وكانت هذه المنطقة غابات وذلك من صالحنا، وكمنا في الناحية اليمنى من الطريق وكان الشارع أعلى من الأرض بنصف متر تقريبا وأخذ كل منا مكانه وتترس بشجرة ضخمة وكنت الثاني على الطريق من الشباب العرب، وكان قبلي شاب سوري يبلغ من العمر 17سنة وكان معه قذيفة واحدة وكلاشنكوف، ووالله لو ترانا قبل المعركة هذا يقرأ القرآن وهذا يدعو الله وهذا يسبح الله وذاك يذكرالله، وكان الجندي العراقي قد قال لي بعد سؤالي له هل أحد غيرنا هنا فقال قبلكم عراقيون وبعدكم عراقيون فصدقته وأثناء المرابطة رأيت أول دبابة من القافلة الأمريكية مقبلة باتجاهنا فأعطيت الإشارة للشباب،وقبل مجيء الدبابات مشط الأمريكان الأرض وحصدوها حصدا ثلاث مرات وبعد أن اطمأنوا أن لا أحد هناك تقدمت الدبابات، وبفضل الله لم يصب أحد منا أثناء التمشيط، وكنت اتفقت مع الشباب أن يعد الأول 10 دبابات ثم يضرب العاشرة حتى لا يكشف مكاننا، وكما أسلفت بدأت الدبابات
بالدخول إلى الشارع فقام الشاب الأول وارتبك وضرب الدبابة الأولى وانسحب مباشرة، واكتشف الأمريكان مكاننا فنزلنا تحت الشارع وبدأ الأمريكان بالحصد وأثناء ذلك استشهد اثنان من الإخوة نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء، وتوقف الرمي وبدأ الأمريكان بالمسير.. صار عددنا 7 وبدأنا بسحب أمانات القذائف وبدأت المعركة، الشباب الذين قلت لهم خذوا معكم عتاد اثنين منهم كانت قذائفهم عاطلة فلم يستطيعوا أن يفعلوا أي شيء وبقوا في أماكنهم أثناء الاشتباك، دمرنا ولله الحمد 20 دبابة وانتهت الذخيرة وباقي ستة دبابات، وما في اليد حيلة بقي واحد من الشباب السوريين معه رصاص فقط وكان هو الذي غطى انسحابنا، رجعنا إلى الخلف قليلا وكان خلفنا بستان محاط بشيك وكان أمامه حظيرة بقر n أجلّكم الله رأيت الشباب يدخلون إليها وكانوا بعيدين عني 50 مترا فزحفت إلى أن وصلت إلى الحظيرة ودخلتها وبقينا منبطحين فيها حوالي ثلاث ساعات، وأثناء وجودنا فيها نزلت علينا قذيفة دبابة واستشهد واحد وجرح واحد، وبعد هدوء نسبي قفزنا عن الشيك ودخلنا البستان وأثناء دخولنا البستان ضرب أحدهم علينا رصاص كلاشنكوف ولم ندر من أين، ودخلنا أحد ترع الماء وبقي الرمي
علينا من ناحية العراقيين وتوقف الرمي وقلت للشباب وكنا أربعة: الطريق الآمن هذا الاتجاه، كل واحد منكم يدبر نفسه وقطعت البساتين وأنا أكاد أموت من العطش إلى أن سمعت صوت مولد كهرباء فتبعت الصوت وصرت أنادي إلى أن جاء رجل عجوز وقال لي ماذا تريد، فقلت له: شربة ماء أرجوك، وأريد أن أمر من بيتك لأصل إلى بر الأمان، فزجرني بشدة وطردني فتراجعت وأنا أبكي وقلت له نحن جئنا من أجلكم وتفعل بي هكذا، وكان بجانبه بيت آخر فقفزت إليه وطرقت الباب فلم يرد أحد وتراجعت، وإذا برجل مسن وعجوزه بجانبه فصرخ من أنت.. أخرج خارج. في هذه اللحظة جاء الحارس وقال للمسن عني: دعه لي، وقال لي تعال معي.. أنا خفت وقلت له إلى أين؟ فقال لا تخف وأخذني إلى المكان الذي يجلس فيه، وكان مع زوجته وأطفاله، فقلت له أريد ماء، فسقاني وأطعمني، وقلت له بعدما سمعت صراخ صاحب البيت أن أخرجه: اعطني (دشداشة) وخذ كل أغراضي، فقال لا، فخرجت خارج البيت وأنا خائف.. قطعت الشارع واتجهت إلى شارع آخر وأول ما دخلته كانت المفاجأة: جثث تملأ الشارع وجرحى من المدنيين، فمشيت ولم أنظر يمنة ولا يسرة إلى أن وصلت إلى نقطة تفتيش عراقية سحبوا سلاحهم علي، رفعت يدي وقلت
لهم على رسلكم لا تطلقوا النار، قال من أنت؟ قلت لهم أنا ممن كانوا في هذه المعركة، ففرحوا.. قلت لهم على ماذا تفرحون، لأنكم كنتم معنا أم لأنكم ساندتمونا بالإمداد؟ فغضب العراقي وأخذني إلى العميد وقلت له كل شيء، فواساني ولم يقل لي شيئا آخر، وقال أوصله إلى المكان الذي يريد، وأوصلني إلى مكان سكني
8. وسقطت بغداد
قررت في نفسي السفر في اليوم التالي، فذهبت إلى فندق فلسطين لكي آخذ هويتي وإذا بهم يقولون هذه حافلات لمن أراد السفر، وقدرا كان الجواز في جيبي وسبحان الله كانتأغراضي احترقت في أحد المعسكرات التي قصفت وكان من ضمنها فلوسي، ولم يكن معي شيء وكان قد بقي في سكني دولاب خالي، فقلت لصديق لي يسكن في بغداد خذه وسلم على من يعرفني، قال لي ليس معك فلوس.. كيف ستسافر؟ قلت له الله يدبر لنا، وبالفعل وصلت إلى البيت خلال 30 ساعة، والله حفظنا في الطريق. وقد قابلت بعض الشباب الذين أعرفهم فقالوا لي إن بعض القادة نصحوهم بالسفر وعدم البقاء دقيقة واحد.. سبحان الله ركبنا في الحافلة وضُرب الفندق مباشرة فقال السائق أسرعوا قبل أن تسقط بغداد، فتحركت الحافلة ونحن مذهولون لهول ما رأينا، وفي الطريق سمعنا العجب العجاب من شاب عن الذي قام به الشيعة من قتل للمجاهدين وغدر بهم، وأثناء وجودنا في الموصل سقطت بغداد.. عرفنا بعد ذلك أن الرئيس كان قد قال لابن عمه انسف الجسور واستعمل ما قلت لك عنه، وكان الأمريكان قد عملوا صفقة مع ابن عمه فهرب وعصى الأوامر.
أسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أعده للنشر: محمد أفزاز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.