لما رأيته جالساً محاطاً بشخصيات من سلطة أوسلو في بيت لحم سنة 2008 للاحتفال معهم بأعياد الميلاد المسيحي ، أدركت أن وصوله الى هذا المكان مستحيل دونما ضوء أخضر من سلطة الاحتلال الصهيوني ومن خلال تأشيرة إما على الورق أو تأشيرة شفوية بالهاتف.الشخص الذي أتحدث عنه هو وزير خارجية دولة خليجية كانت حينها لا تقيم علاقات مع كيان الاحتلال الاسرائلي على الأقل في العلن. منذ ذلك الوقت أدركت أيضا أن اللعب تحت الطاولة أصبح من الماضي.وصار الانكشاف والجرأة على التنسيق مع بني صهيون جِهاراً أمراً يُوصف ب"الشجاعة" السياسية والرؤية "الواقعية" حسب مُسوِّقي هذه الفِرية. التاريخ يؤكد لنا أن "إسرائيل" هي كيان لقيط من "زواج متعة" بين بريطانيا وسلاطين العار العرب في النصف الأول من القرن العشرين.هذا اللقيط ظل منذ ولادته - برعاية امريكية- يراود الحكام العرب الجدد لإسقاطهم في الرذيلة الى أن نجح فعلا في إبرام عقد "زواج" سِفاح. ظهرت نتائجه جلية في السنوات الأخيرة ،وقمة تجلياته مشاركة"العرب" الصهاينة بشكل مباشر في صف اللقيط لشن حرب إجرام غير مسبوقة على الفلسطينيين في قطاع غزة باعتبارالقطاع عنوانا للمقاومة ورمزا للرجولة والشهامة الحقة. ما أشبه الليلة بالبارحة كلنا يتذكر جيدا كيف ومتى ومن أين أُعلن بدء العدوان الوحشي على قطاع غزة عام 2008. نتذكر جيدا أن وزيرة خارجية العدو الصهيوني تسيبي ليفني أعلنت الحرب في مؤتمر صحفي مع نظيرها المصري أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحفي في القاهرة، ثم وضعت يدها في يده بعد المؤتمر ومشيا وكأنهما عروسين في ليلة فرح. في العاصمة نفسها قبل أيام، وأثناء ذروة القصف الصهيوني الجوي والمدفعي والبحري على سكان قطاع غزة ،وخلال مأدبة إفطار رمضانية (!!!) دعي إليها مسؤولون يهود سمعوا كلاما من أخلائهم في النظام المصري الحالي: يمكنكم بدء الهجوم البري لقطع رأس حركة حماس والقضاء عليها ونحن غير مستعجلين لوقف إطلاق النار الآن..خذوا كل وقتكم ولا تعطوا فرصة "للارهابيين" للرد (في إشارة إلى المقاومة الفلسطينية وحماس تحديدا ) ..هذه فرصتنا جميعا للقضاء على هدفنا المشترك..(!!؟) هذا ما جرى أثناء العدوان الاجرامي على قطاع غزة والناس صيام..وهي واقعة ليست يتيمة ..بل كانت التوطئة لها عبر إيفاد قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي مديرالمخابرات العامة المصرية محمد التهامي إلى الكيان الصهيوني قبل يومين من العدوان للقاء عدد من القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، بما يشير الى تنسيق الجانبين لشن الحرب الاجرامية. يدل على ذلك ما قاله أسامة حمدان عضو المكتب السياسيلحركة المقاومة الاسلامية حماس ان الحركة تلقت تهديدا عبر المخابرات المصرية بمحوثلث قطاع غزة في حال استمرت المقاومة ضد العدو الصهيونى(!!) وتزامن ذلك مع اعلان الجيش المصري هدم 19 نفقا على الحدود مع غزة .. ولما فشل العدو الاسرائيلي ،رغم الحصار وتدمير الانفاق، في كسر شوكة المقاومة في غزة ،صاغ ورقة سماها مبادرة ورماها للسيسي كي يعطيها عنوان "المبادرة المصرية"..وهي عبارة عن ورقة استسلام المقاومة وعربون وفاء الانقلابيين في مصر لولي نعمتهم في تل أبيب الذي ساعد السيسي في الاستيلاء على الكرسي عبر اغتصاب السلطة وقتل آلاف المصريين واعتقال عشرات الآلاف. وإذا قرأنا تطورات المشهد الفلسطيني ندرك أن قبول نظام السيسي لما يسمى حكومة الوحدة الفلسطينية كان وراءه ما واءه ..بمعنى أن هذه الحكومة كان مخططا لها أن تكون عنوانا للتخاطب مع الفلسطينيين عندما يشن العدو حربا على غزة الذي كان مخططا لها ايضا بالتنسيق مع السيسي للقضاء على حماس، وبالتالي يتم سحب البساط من تحت المقاومة كعنوان لوقف اطلاق النار ..ويمكن مع حكومة عباس- حسب مخطط الانقلابيين- الانقضاض على القطاع بعد إنهاك حماس وفصائل المقاومة. ولما لم ينجح المخطط حاول النظام الانقلابي في مصر مخاطبة حركة الجهاد بدل حماس في مسعى منه لخلق محور ينافس حماس من داخل المقاومة. وهي نفس السياسة التي انتهجها للتهيئة لانقلابه في مصر بحيث نهج سياسة "فرق تسد" بين الكتل الثورية المصرية وبين حزب النور وبقية الحركات الاسلامية للسطو على الكرسي. ويبدو أن المقاومة الفلسطينية ليست بالخب ولا الخب يخدعها..والسيسي الآن فشل في أن يكون له دور في القضية الفلسطينية وانحصر دوره الخبيث في معبر رفح يغلقه ويفتحه بمزاجه. باختصار صار سجانا وسجانا فقط. زواج على مائدة ليبرمان لقد كشفت الحرب على قطاع غزة عورات كثير من حكام العرب الذين إما صمتوا على العدوان أو تواطؤوا بل شاركوا فيه من قريب . فقد كشفت القناة الثانية الاسرائيلية عن فضيحة اتصالات سرية جرت في الآونةالأخيرة بين وزير خارجية دولة خليجية (ذكرتها القناة بالاسم) و نظيره الصهيوني المتطرف افيغدور ليبرمان في العاصمة الفرنسية باريس عشية العدوان الإسرائيلي علىقطاع غزة.. وبحثا خططا خاصة من أجل القضاء على حركة حماس في قطاع غزة.واكدت القناة أن هذه الدولة الخليجية كانت على علم مسبق بالعملية العسكريةالإسرائيلية ضد قطاع غزة، وأبدت استعدادا لتمويلها، شريطة القضاء على حركة حماسنهائيا، بحجة ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين. ومادام لم يخرج أي مسؤول ممن يهمهم الأمر وينفي هذه الأخبار ،فهذا لا يعني الا أنهامعتمدة الى أن يثبت العكس.وهي ،بالمناسبة، ليست أخبارا شاذة لأنها تأتي في سياق متجانس يبين أن مثل هؤلاء أضحوا اذرعا لأسيادهم في افغانستان مرورا بسوريا ومصر وليبيا ومالي وافريقيا الوسطى(والمجال لا يسمح بتفصيل هذه المعطيات). الحقيقة أنه في كثير من القضايا المصيرية لا يمن قبول أو استصاغة المواقف الرمادية . فإما أن تكون مع أو ضد. وأي موقف دون ذلك لا يمكن اعتباره إلا نفاقا في الحد الأدنى.. وفي كثير من الأحيان لا تكون الجغرافيا أو اللغة والعرق معيارا لتحديد هوية الشخص ..فقد كشفت الحرب الاجرامية ضد الفلسطينيين هذه الايام في قطاع غزة من هم مع فلسطين من العرب ومن هم في صف العدو الصهيوني بصورة واضحة . لذلك وصف كثيرون الحرب على غزة بالفاضحة والفارزة؛لأنها فضحت المتآمرين وفرزت الصفين: صفعرف طريقه جيدا لتحرير فلسطين، وصف عقد صفقته الخاسرة لبيع فلسطين وانهاء القضية تماما. وهنا اطرح مجموعة تساؤلات دون انتظار أجوبة (لأنها معروفة): ماذا نسمي من يقف سياسيا وعسكريا مع العدو الاسرائيلي ضد الفلسطينيين؟ ماذا نسمي من يفرض حصارا على الفلسطينيين أشد من حصار الاحتلال لهم؟؟ بماذا نصف من يتطوع للعدو الصهيوني بتمويل حربه على قطاع غزة شرط القضاء على المقاومة؟؟ ما الوصف المناسب لمن يُحَمِّل الفلسطينيين دماء أبنائهم ويبرئ العدو المجرم؟؟ ماذا نسمي من يحمي الكيان الاسرائيلي على حدود فلسطين ويضرب أعداء العدو؟؟ وماذا نسمي من يعتبره الكيان الاسرائيلي بطلا قوميا له؟؟ ويسمي آخرين حلفاء له ضد حركات المقاومة؟؟ لقد نُسِبَ لقائد النازية في المانيا أدولف هتلر أنه سُئِلَ: من أحقر الناس قابلتهم فيحياتك. فرد قائلا :أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم.