كتبت افتتاحية «هآرتس» لعدد 18 تموز/يوليو 2014 أن «إسرائيل تتباهى بأنها لا تطلق النار على السكان المدنيين، ولا توجه النار عن عمد إلى المدنيين والأطفال. أعداد القتلى التي نشرت، حتى الآن، في غزة تقول خلاف ذلك، وأهداف القصف العشوائي التي يمكن ملاحظة بعضها بأنها أهداف مدنية صرفة، تثير الخوف من أن يكون الجيش الإسرائيلي يخرق مواثيق دولية وقوانين الحرب في الحملة الحالية. تحت مسؤولية القيادات السياسية. هذا يجب أن يتوقف»، وأضافت الصحيفة الإسرائيلية:»إن مقتل الفتيان الثلاثة لم تخطط له حماس. لكن الجيش الإسرائيلي دخل بموجة من الغضب إلى أراضي أبو مازن، حبس وزراء حماس، واقتحم بالعنف منازل محبي المنظمة، في عرض ثأري عدواني، حتى قبل أن يعثر على جثث المخطوفين الثلاثة. يمكن أن نرى على وجوه الأطفال في غزة ممن يرون الآن بيوتهم تهدم بهجمات سلاح الجو، سيكبر كثيرون منهم ليكونوا مقاتلين في المستقبل». هذا كان رأي جزء من الصحافة الإسرائيلية المتحفظة على الطريقة التي يشن بها الكيان الصهيوني حربه العدوانية على قطاع غزة.. التيار العريض من أحرار العالم يرفض هذه الحرب ويعتبرها بمثابة جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ينبغي أن تتوقف وأن يقدم مرتكبوها للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.. فحينما تخرج الملايين في لندن وباريس وواشنطن وشيكاغو في مظاهرات حاشدة للتنديد بجرائم الجيش الإسرائيلي في غزة، فمعنى ذلك أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الصهاينة تحرك مشاعر الغضب عند كل من له إحساس بالإنسان أو ذرة مثقال من رحمة، و هي جرائم ثابتة لاغبار عليها..لكن ماذا عن موقف جزء من الدول العربية؟ حينما يتم منع مظاهرة للتضامن مع غزة في الجزائر، وحينما تعلن الأجهزة الفلسطينية في القطاع عن ضبط محاولات للتجسس لصالح إسرائيل من طرف طاقم طبي تابع لدولة خليجية، وحينما تمنع السلطات المصرية أي محاولة للتعبير عن مشاعر التضامن مع غزة المقاومة، وتصطف وسائل الإعلام الرسمية في مصر إلى جانب نتانياهو داعية إياه إلى «تدمير بؤر الإرهاب في غزة» وترفع شعار مع فلسطين ضد حماس» كما رفعت البارحة شعار «مع الإسلام ضد الإخوان»، وتدعو صراحة الجيش الإسرائيلي إلى إنهاء حركة المقاومة الإسلامية حماس كما «نجح» السيسي في إنهاء الإخوان، فمعنى ذلك أن خيانة بعض الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية أضحت مكشوفة، ومعنى ذلك أن محورا جديدا تم تشكيله في العالم العربي وجاء الوقت لكي يعلن عن نفسه بشكل صريح هو محور الدعم المطلق لإسرائيل، أو هو بالضبط: محور الخيانة.. الآن فقط ستتضح الصورة عند من التبس عليهم في البداية فهم خلفيات الانقلاب العسكري الذي جرى في مصر يوم 3تموز/يوليو وجرى التمهيد له بمظاهرات مشبوهة يوم 30 حزيران/يونيو، الآن فقط سيتضح للجميع بأن هذا الانقلاب جرى بغطاء دولي وبدعم إقليمي، الآن فقط سيعرف الجميع لماذا كان من الضروري اختطاف الرئيس المنتخب محمد مرسي ووضعه في مكان مجهول قبل فبركة ملفات قضائية له.. الآن سيتأكد للجميع من مع القضية الفلسطينية ومن مع محور الخيانة.. يتذكر الجميع كيف تعامل الرئيس مرسي مع العدوان السابق على غزة يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر من سنة 2012، بعدما قصف الطيران الإسرائيلي بعض المواقع في غزة قبل أن ترد عليه المقاومة بالصواريخ، يومها تدخلت السلطات المصرية ونجحت في توقيع هدنة بين الطرفين ولم تستمر المواجهة بين الطرفين أكثر من سبعة أيام. اليوم لم نسمع أي تعليق للمشير عبد الفتاح السيسي ولا تبدو السلطات المصرية منزعجة من حمام الدم الذي ينزف على حدودها، ولا هي تبدو منشغلة بوقف العدوان على القطاع، بقدر ما تنتظر خبر القضاء على المقاومة وتصفيتها على أحر من الجمر.! كل من قبلوا بالانقلاب على الرئيس المنتخب، كانوا في الحقيقة يمهدون الطريق للعدو الصهيوني ليرتكب بدم بارد مجازره ضد الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها، وآن أوان المراجعة.. لايمكن الجمع بين مساندة أنظمة الانقلاب العسكري وبين مساندة القضية الفلسطينية، وقد قلنا في عدة مناسبات بأن القضية الفلسطينية متلازمة مع المسار الديموقراطي، وأن تحرير فلسطين ينطلق من تحرير الأنظمة العربية من قبضة التبعية والعمالة للآخر.. عندما تصبح شرعية الأنظمة العربية نابعة من اختيارات الشعوب انتهت حكاية إسرائيل.. لاحظوا الفرق في الأداء بين رئيس منتخب بطريقة ديموقراطية حتى ولو كانت بلاده مرتبطة باتفاقيات دبلوماسية وعسكرية منذ سنة 1948، وبين رئيس ورث الحكم من أبيه في ظل قبضة حكم طائفي ودكتاتوري حتى ولو انتسب إلى محور الممانعة.. الممانعة الحقيقية هي التي تتأسس على اختيارات الشعوب وعلى رضاها الطوعي وليست على يد أنظمة موغلة في قتل شعوبها والتنكيل بمعارضيها.. المقاومة الفلسطينية في غزة ما كان لها أن تصمد لو لم تكن لها بيئة اجتماعية وثقافية حاضنة، الشعب الفلسطيني في غزة رغم واقع الدمار والحزن على الشهداء الذين يسقطون بالمئات والذين يناهزون 600 شهيد مع كتابة هذه السطور، خرج للتعبير عن فرح مستحق وللاحتفال بنجاح المقاومة في أسر جندي إسرائيلي داخل غزة مساء يوم الأحد المنصرم.. الدرس الذي تقدمه المقاومة الفلسطينية في غزة أنها قادرة على تحطيم الصورة الزائفة لأسطورة الجيش الذي لا يقهر، وقادرة على دفع العدو الصهيوني للاعتراف بأنه يقود «الحرب الأكثر قسوة في تاريخه».. إن الجيش الذي دمر القدرات العسكرية المصرية في ستة أيام أثبت عجزه عن النيل من القدرات العسكرية للمقاومة بعد 20 يوما من القصف والتدمير.. وحده صمود المقاومة من يستطيع التنبؤ بنهاية الحرب على غزة..لكم الله يا من تنوبون عنا في مقاومة العدو، والخزي والعار لمن ينوبون عن نتانياهو في البلاد العربية.. ولاحول ولاقوة إلا بالله العظيم..