تطرح التطورات المتسارعة في عدد من دول العالم العربي وخاصة في السنة الأخيرة، سؤالا كبيرا حولها، هل هي تطورات مرتبطة بكل دولة أم أن هناك خيطا ناظما لها؟ المؤشرات تدل على أن ثمة رابط بينها هو الرغبة الأكيدة في إخماد انتفاضات الشعوب، كما حصل في مصر ومايجري اليوم في ليبيا وقبل ذلك في سوريا وإدخال أخرى في حالة من اللااستقرار وربما -لا قدر الله- حرب أهلية كما هو الحال في العراق وحتى سوريا كذلك. وتوضح تصريحات مسوؤلين أوسياسيين كبار في الغرب بين الفينة والأخرى ذلك الرابط، وآخر هذه التصريحات ما كشفت فيه مؤخرا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويروك كذبة ومسرحية ماسمي ب"ثورة 30يونيو" وماتلاها من انقلاب يوم 3 يوليو 2013 وقالت:" أزيح الإخوان من خلال انتفاضة دبرها الجيش، والآن مصر تواجه معارضة داخلية هائلة وتطرف، ونحن سوف نراقب كيف تسير الأمور". وبينت في التصريح ذاته " أن بلادها كانت متخوفة من التخلص من نظام مبارك، دون معرفة ما سوف يأتي بعد ذلك، أو المساعدة في التحضير لعملية انتقال أكثر تنظيما". وهو نفس التخوف الذي جعل الولاياتالمتحدة والغرب يتفرج على مأساة الشعب السوري لأكثر من ثلاثة سنوات، لأنهم لايعرفون مسبقا أو لا يتحكمون في اختيار من سيخلف بشار، وهو نفس التخوف الذي يجعل موقفهم غامضا مما يحصل اليوم في ليبيا ممايسمح بتفسيره على أنه ميال ومتواطئ مع حركة حفتر. والحقيقة أن الإدارة الأميركية و دول الغرب المتواطئة مع الانقلاب والإجرام متخوفة من الإرادة الحرة لهذه الشعوب، وتتحالف مع قوى الاستبداد والفساد وإعلام مرتزق بالبلدان المذكورة اعتقادا منها أن ذلك يحافظ على مصالحها الاستراتيجية. ثمة رابط آخر طرح نفسه بقوة مع التطورات الأخيرة التي يعرفها العراق من هيمنة قوى العشائر والقبائل السنية على عدد من المناطق ورفضهم لمنطق حكم رئيس الوزراء المالكي، ودخول تنظيم "داعش" المتشدد على الخط، وحالة الانهيار غير المفهومة داخل الجيش العراقي، تجعل البلد أمام سيناريوهات مرعبة من عدم الاستقرار والدخول - لاقدر الله - في حرب أهليه وفتنة طائفية طاحنة، خاصة مع دخول إيران على الخط، بشكل قد يخلق إزعاجا حقيقيا وإشكالات بالنسبة لدول الجوار، وهو الأمر الذي يفسر موقف الإدارة الأميركية الذي وصفه البعض بالمرتبك ممايجري بالعراق. وهذا الرابط يتعلق برغبة قديمة جديدة في إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط، أو على الأقل جزء منها ترتيبا سياسيا مختلفا وبتحالفات جديدة تدعم مصالح اللاعب الأكبر في النظام الدولي الجديد وتحافظ عليها، بمعنى آخر إحياء الحديث من جديد عن نظرية "الفوضى الخلاقة " التي خرجت من المختبرات الفكرية الاستراتيجية الأميركية وتحديدا المحسوبة على المحافظين الجدد كحل للتعامل مع قضايا العالم العربين ومن أبرز تلك المراكز مؤسسة "أميركان انتربرايز" للدراسات، ومؤسسة "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى". ومن التعريفات التي أعطيت للنظرية المذكورة " إنها حالة جيوبوليتيكية تعمل على إيجاد نظام سياسي جديد فعال، بعد تدمير النظام القائم أو إعادة تدجينه، في عملية تغيير تتسم بالسرعة والعنف والعدوانية من أجل خلق تحالفات نفعية جديدة". والفعالية والنفعية في التعريف المذكور تحددها مصالح الغرب واللاعب الدولي الأقوى الولاياتالمتحدة الأميركية، وليست مصالح الشعوب المستهدفة بالنظرية التي تقوم أساسا على أن استقرار العالم العربي لايخدم مصالح الغرب وزعيمته، وأن الفوضى هي من تخدمها ومن تم ضرورة خلط الأوراق و استغلال الخلافات الدينية على سبيل المثال وتأجيج الطائفية بطرق مختلفة لخلق الفوضى. فهل تعي الشعوب العربية هذه الحقيقة؟ وهل قامت النخب الثقافية والسياسية بالدرو المطلوب لسد باب الفوضى وتجنب مخاطره؟