ثمة ثلاث إشكالات يطرحها مهرجان موازين تؤثر بشكل كبير على صورة المؤسسات وتطور المسار الديمقراطي في المغرب، إذ مهما وقع التركيز على أبعاد الاختلاف والتنوع، فإن المضمون القيمي الثقافي للديمقراطية، لا يمكن أن يكون بديلا عن الأبعاد الأساسية للديمقراطية، والتي تتمثل في تعزيز مبدأ تكافؤ الفرص، واحترام القانون: - الأول يرتبط بحجم الإشهار الذي يغطي هذا المهرجان، والدعم الذي يحظى به من المؤسسات البنكية والشركات الوطنية، والذي لا تحظى مهرجانات أخرى بربع معشاره. نعم قد يلتمس الجواب عن هذا الإشكال في نوعية المهرجان وحجمه، وقد يلتمس أيضا في حجة "حرية المستشهر" في تقديم الدعم للمهرجانات التي يقدر بأن عائداتها بالنسبة إليه أفضل، لكن الفرق الضخم بين الدعم والإشهار الذي يقدم لمهرجان "موازين"، والدعم والإشهار الذي يقدم لغيره، لا يمنع ترسخ الانطباع بأن هذا المهرجان- وهذا المهرجان لوحده- ولد بملعقة ذهب في فمه، ويرسخ الانطباع أيضا بأن الجمعيات الموجودة في المغرب فيها تضاريس طبقية واضحة، منها ما ينال الدعم والإشهار والأضواء والاحتفاء من غير بذل أي مجهود مثل "جمعية مغرب الثقافات"، ومنها الجمهور الواسع من الجمعيات التي توجد في محك اختبار قدرتها على البحث عن الدعم لإنجاح اي مشروع ثقافي أو فني تتطلع إلى تنظيمه. - الثاني، يرتبط بالعلاقة بالإعلام العمومي، فلا يوجد أي مهرجان لأي جهة رسمية أو مدنية يحظى بالتغطية الكاملة لفقراته في قطب الإعلام العمومي سوى مهرجان "جمعية مغرب الثقافات"، مع أن هذا النقل يتم خارج مقتضيات دفاتر التحملات التي تلتزم بها قنوات القطب العمومي. هذا الواقع مهما تم التغطية عليه بالمضامين، وكثافة الطرق الإعلامي والإشهاري، فإنه يبقى عنصر تشويش على صورة المؤسسات أولا، وعلى مبدأ الإنصاف في الولوج إلى الإعلام ثانيا، وعلى مبدأ تكافؤ الفرص ثالثا. فمن جهة تظهر هذه الممارسة إخلال قنوات القطب العمومي بالتزاماتها بدفاتر التحملات، ويظهر من جهة ثانية عدم قيام الهيئة العليا للسمعي البصري بواجبها في السهر على احترام تطبيق هذه الدفاتر، ومن جهة ثالثة، ترسخ هذه الممارسة الانطباع بأن الجميع بما في ذلك تصريحات رئيس الحكومة تخضع لمقتضيات دفتر التحملات، وأن "جمعية مغرب الثقافات" لوحدها هي التي تمتلك بطاقة المرور خارج مقتضيات القانون. - الإشكال الثالث: ويرتبط بالتوقيت الذي يتزامن مع فترة الإعداد لامتحانات الباكلوريا. نعم، لقد أقر منظمو المهرجان السنة الماضية بصحة هذا الانتقاد، ووعدوا أن يبرمجوا المهرجان الحالي خارج هذا التوقيت، لكن هذا الوعد تبخر بحلول هذا الموسم، ولم يجد الجمهور الواسع أي تبرير لهذا الإخلاف الذي يضر بمصداقية الجمعية. سيلاحظ القارئ أننا لم نناقش المضامين والخلفيات القيمية والثقافية لهذا المهرجان، وغيرها من القضايا التي نختلف في كثير منها مع الجهة المنظمة، ليس لأن الموقف أو الموقع قد تغير، ولكن لأن المشكلة اليوم ترتبط بترسيخ صورة المغرب الذي تحترم فيه المقتضيات الدستورية، لاسيما ما يرتبط منها بمبادئ تكافؤ الفرص واحترام القانون والمؤسسات، أكثر مما ترتبط بمخرجات قيمية أو ثقافية. لقد أبانت العديد من المؤسسات في المغرب عن مستوى عال من المسؤولية واحترام المقتضيات الدستورية في محطات جد حرجة، وقد كان لذلك أثر جد إيجابي على صورة المغرب في الداخل والخارج، واتخذت مؤسسات اقتصادية وازنة قرارات جد صعبة لجعل مهمة تطبيق الدستور وتنزيل الإصلاحات أمرا ممكنا، وقدمت في ذلك المثال على إمكانية التكيف مع التحولات التي يعرفها المغرب، فهل يكون صعبا أن تصير هذه هي الحالة العامة التي يتكيف الجميع فيها مع الشروط القانونية؟ الاشتغال على صورة المغرب الديمقراطي الذي تحترم فيه المؤسسات والقانون ويكرس فيه مبدأ تكافؤ الفرص، خير من الاشتغال على بناء صورة لمغرب يرفع شعار الوحدة والاختلاف، وهو يكرس بممارساته اللاعدالة حتى في التعبير عن الفرح.