من أهم الاحتياجات التربوية لأبنائنا النجاح في تكوين العلاقات والتدريب على الأدوار الاجتماعية المختلفة و لعل الصداقة تمثل في حياتنا وحياة أبنائنا علاقة من أهم العلاقات التي نسعى لإنجاحها إذ تشعرنا بالتوافق والتكيف مع الذات، كما أنها كنز ثمين إذا ما أحسن اختيار الصديق الحق، لذلك تعمد بعض الأسر إلى مساعدة أبنائها في تكوين صداقاتهم والتدخل في اختيارهم وفق إطار معياري يحدد سلوك وأخلاقيات الصديق مما يجعلهم يحسنون الاختيار ويوفقون فيه. فهل صحيح أن نتدخل في اختيار أصدقاء أبنائنا أم أن ذلك من باب الحماية الزائدة التي قد تؤثر بالسلب على تكوين شخصية الأبناء واستقلال رأيهم؟! (س. خ) أم لبنتين الكبرى في السنة الثانية جامعية والثانية في السنة الأولى جامعية تتحدث بثقة عالية في النفس بخصوص تدبيرها لعلاقة ابنتيها مع صديقاتهما فهي تتدخل بحكم مسؤوليتها كأم منذ اللحظات الأولى وتعتبر أن اختيار المدرسة والمحيط الدراسي هو الخطوة الأولى لاختيار أصدقاء الأبناء، إنها اختارت مدرسة تعرف السير العام لأطرها ولآباء وأولياء تلاميذها ومن هنا يبدأ اختيار الرفيقات وبعناية ثم إن هؤلاء الرفيقات غالبا ما يكن من بنات معارف الأم. تقول (س. خ) إنها لا تمنع في البداية ابنتها من اتخاذ رفقة لكنها تلاحظ وتميز لتتخذ قرار الاستمرار أو غيره حسب نتيجة ملاحظتها وتحمد الله على أن ابنتيها تعملان بنصيحتها لأنها تتعامل معهما كأنهما صديقتين لها. وأضافت المتحدثة أن ابنتها الكبرى الآن تدرس في تركيا وما تزال تعمل بمشورة والدتها وهي تسكن مع رفيقتها التي كانت تدرس معها منذ الطفولة هنا بالمغرب وعلاقاتها محدودة وليست مفتوحة على من هب ودب، وتحدث والدتها عبر الأنترنت عن كل جديد في حياتها بما في ذلك اجتماعاتها مع الطلبة المغاربة عبر مجموعات عمل داخل الجامعة فقط. البنت الصغرى تقول الأم هي الأخرى لها مجموعة من الصديقات تعرفهن الوالدة وتعرف والديهن إلا أن الأمر الذي هو بمثابة خط أحمر هو مبيت ابنتها خارج بيت والديها ولو بحجة الدراسة، فالأم تقبل أن تبيت من تعرف من بنات مع ابنتها لكنها ترفض رفضا باتا أن تبيت ابنتها خارج أسوار بيت والديها. وتفتخر (س. خ) أن ابنتيها لا تقدمان على إدخال أي بنت للبيت إلا بعد إذنها وكذلك خروجهما وزيارتهما لرفيقاتهما كما أنهما لا يتوانين في الحديث معها في كل تفاصيل حياتهما أو ما يدور بمحيطهما في الثانوية والجامعة. الاكتفاء بالتوجيه سألنا الباحث حسن السرات كيفيت تعامله مع أبنائه في علاقاتهم مع رفاقهم فكان جوابه: "أكتفي بالتوجيه وأترك لهم الحرية وأقول في البداية إن توثيق العلاقة بين الآباء والأبناء منذ فترة الحمل يساهم بكل قوة في تحصين علاقات الأبناء بمحيطهم. اللحمة المسقية بالعاطفة الصادقة والعناية الفائقة تغرس في الأبناء ثقة في النفس وقوة في الشخصية. لذلك كانت حدائق الأسرة هي السكن والمودة والرحمة. وثانيا تنغرس في الأبناء نتيجة لهذا قواعد غير حسية ولا مكتوبة في التعامل مع الأغيار، وتلك هي القدوة والحسنة وفعلها الخفي القوي. فيتشرب الأبناء طريقة اختيار الرفاق والأصحاب من خلال نماذج الوالدين. ومعلوم أن الأبوين يتحركان في مجتمع أقرب ما يكون إلى أفكارهم ومعتقداتهم وسلوكهم، وفي تلك البيئة يجد الأطفال رفاقا وزملاء واصدقاء وعندما يذهب الأبناء للمدارس والجمعيات والمجتمع يكونون قد حصلوا على توجيهات غير مباشرة من آبائهم في اختيار الرفاق والأصدقاء وهذا لا يعفي الوالدين من تحمل المسؤولية ومتابعة حياة الأبناء وعلاقاتهم من خلال التتبع المباشر أو من خلال الحكي اليومي للأبناء، فلا يخفى أن حكايات الأبناء ليست ترفا روائيا وأدبيا، ولكنها حاجات وأسئلة يضعها الأبناء أمام الآباء من أجل الشكوى والتوجيه والتصحيح. ثم تأتي المكافآت، وأقصد بها الحفلات والدعوات التي يوجهها الآباء للأبناء وأصحابهم إلى البيت وإلى السفر وإلى الخرجات وإلى الأعياد والمناسبات. وعلى الآباء أن يوثقوا أيضا صداقات أبنائهم مع رفاقهم بالتعرف على أولئك الأصحاب والدردشة معهم والتعرف أيضا على والديهم. هذه العمليات النفسية والاجتماعية ليست حكرا على الأب دون الأم ولا على الأم دون الأب، بل تشملهم جميعا على قدم المساواة، وعلى الوالدين أن يكون لديهما اتفاق مسبق على هذه السياسة الخارجية إن جاز التعبير، فلا يمكن أن تنجح العلاقات دون اتفاق مسبق ولا رؤية مسبقة. فالاختلاف شديد الوقع السيء على الأبناء، والاتفاق جميل الوقع الحسن عليهم". رأي المستشار الدكتور لطفي الحضري أخصائي نفساني سألناه عن مدى نجاعة تدخل الوالدين في علاقة أبنائهم مع رفاقهم فأجاب: "تدخل الوالدين ضروري في أي مجال من المجالات التي تتعلق بتربية الطفل، والتدخل يجب أن يكون خصوصا في مرحلة المراهقة لأن الطفل الصغيرعموما يعيش في فضاء صغير ومشكل الأصدقاء لا يطرح بحدة، ولكن المشكل يطرح عند المراهق الذي يتوفر له فضاء أوسع ويتعرف على أصدقاء سواء في المجال الدراسي أو خارجه وهذا يمكن أن يطرح مشكلا بحكم خصوصية المراهق الذي يبحث عن الاستقلالية الذاتية والإحساس بالقدرة على اتخاذ القرار فهو ينظر إلى تدخل الأب أنه تدخل في استقلاليته ويبقى الخلاف بين خبرة الآباء واستشعار المراهق بأن الأمر يأتيه من والديه". وعن كيفية تدخل الآباء قال لطفي الحضري: "هناك عدة عناصر تتعلق بكيفية التدخل في علاقة الأبناء برفاقهم أولها استشعار ما نسميه في المجال التربوي بتدخل المصلحة أو ما يسمى أمر المصلحة وليس أمر الألم لأن المراهق في هذه المرحلة يتصور أن تدخل الوالد يحاول أن، يحرمه من شيء يتمتع به وهو الأصدقاء، والعنصر الثاني هنا الأهمية عموما في المجال التربوي أن النصيحة نصيحة منفعة وهذه النصيحة هي جد مهمة وهنا يجدر تحويل الإحساس بالأمر إلى الإحساس بالنصيحة. وحتى الصيغة تتحول من "ضروري أن تفعل" إلى "أرى أن تفعل" و "من أجل مصلحتك أو مستقبلك أرى أن تفعل.." أما العنصر الثالث هو الاقتناع وهنا يفتح المجال أمام ما يسمى بالحوار الذي يتحول فيه الأمر إلى مجال للاقتناع ويتحول الأمر من لازم الألم إلى لازم المنفعة. وفي ما يخص العنصر الرابع ففي المجال التربوي للذكاء الروحي فحينما يكون الطفل ما يزال صغيرا لابد من تربيته على قبول بعض المفاهيم ولو أنها غير واضحة المعاني وهذا يأتي من التربية الدينية ونحن في الإسلام ولله الحمد بعض المسائل نتعامل معها تعامل "سمعنا وأطعنا" وليس تعامل "اذهب أنت وربك فقاتلا" وبذلك يكفي أن يستشعر المراهق حب والديه له وأن أوامرهما له لن تضره شيئا وهنا يتحول الأمر الألم إلى الأمر الإفادة، وكما ذكرت في مسألة الاقتناع من اللازم على الآباء عندما يتدخلون سيرون أن المراهق هل يحتاج البرهان ليفترق مع مجموعة من الأصدقاء وهنا ننصح الآباء بالبحث عن قرائن موضوعية لإقناع ابنهم لتحويل قناعته وتغيير صداقته". عياديا سألنا الدكتور لطفي الحضري عن كيفية تعامله مع الحالات الواردة عليه عياديا في ما يخص تدبير الآباء لعلاقة أبنائهم مع رفقائهم فقال: "من خلال الحالات الواردة علينا عياديا نجد أن الأبناء يشكون من تدخل آبائهم في حريتهم في اختيار ومعاملة أصدقائهم فيما الآباء يرون أنه من اللازم التدخل في شؤون أبنئهم بحكم سؤوليتهم التربوية وهنا يطرح لدينا في العيادة مشكل عدم التفاهم بين المراهقين خصوصا ووالديهم، خصوصا أن المراهق برى فقط أن تدخل والديه تجريده من متعة، هذا إضافة إلى صراع الأجيال الناتج عنه أن الولد يرى أن والديه لا يفهمون واقعه وفي مالمقابل نجد أن الآباء يعتقدون أن الأبناء فقط يرفضون تدخل والديهم دون أن يعرفوا لماذا. وهنا أذكر بنقاش كان دائرا وحضرته حول: هل المراهقة أزمة أم مرحلة؟ وأنا اميل إلى القول أن المراهقة مرحلة. وأذكر حالة لمراهق قال لي كيف أن والدي لم أكن أراه والآن عندما كبرت يريد أن يتدخل في حياتي، هنا رفض المراهق تدخل والده لأنه لم يكن متواجدا في المراحل الأولى من التربية وهذه إشارة إلى ضرورة الاهتمام بالمراحل الأولى من تربية الأبناء. وفي ما يخص حالات الإدمان قد يرتبط المراهق بزمرة ويفقد الانتماء الأسري ويخلق ولاء للزمرة الجديدة ويرفض بطريقة عنيفة تدخل الآباء. ومن بين التخصصات التي درستها العلاج النسقي الأسري، فالمنظومة التي ننطلق منها وهي المسؤولية المشتركة ونحن كمعالجين نشتغل مع الآباء ولا نقتصر على الاهتمام بالمراهق وحده وهنا 95 من الآباء يتفهمون الوضع وفي بعض الحالات نتعامل مع المراهق وفي بعض المرات مع الآباء وحدهم وفي حالات مع الإثنين وهنا يكتشف الآباء تقصيرهم في بعض الأمور ويكتشف الأبناء محبة آبائهم لهم وبعد هذه الاستشعارات تبدأ رحلة التغيير على مستوى الواقع والعلاج بطبيعة الحال". والأخصائية النفسية آمنة عبد الحفيظ من السعودية تؤكد على أهمية الصداقة في حياة الأبناء إذ الصديق الصالح خير رفيق وخير معين على نوائب الدهر عندما تكون الصداقة مبنية على أسس سليمة واختيار صحيح خاصة إذا بدأت الصداقة في سن صغيرة يكون فيها الشخص متأثر بصديقه ومقلدا له في معظم الأحيان فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي يحب أن يشارك في زمرة وينتمي إلى أسرة ويكون له مجموعة من الأصدقاء يشاركهم ويشاركونه الرأي والمشورة وهو ما حض عليه الإسلام فنهى صلى الله عليه وسلم أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده وكره أن يكون الإنسان وحيدا في حضر أو سفر.