يؤكد علماء النفس أن تنمية مهارات الصداقة لدى الأبناء ضرورة تربوية مهمة ومسؤولية عظيمة لايدرك أهميتها إلا الأسرة الواعية، الأكثر حرصا على صحة أبنائها النفسية فهذه المهارات تتمثل فى دمج الأبناء منذ مرحلة مبكرة مع أقرانهم من أبناء الجيران والأقارب وزملاء المدرسة وما شابه ذلك فهو أمر من شأنه أن يخلص الأبناء من أمراض نفسية خطيرة مثل العزلة والانطواء اللذين يحولان الطفل إلى شخصية هشة وضعيفة حيث تسهم الصداقة والعلاقات الاجتماعية بصفة عامة فى نموه الحركى والاجتماعى والنفسى بشكل كبير. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». ويبقى السؤال المطروح هو كيف يدبر الآباء أمر صداقات أبنائهم، وفي حالة فشل أبنائهم في الاختيار كيف يتدخل الآباء؟ أسئلة تحاول هذه الأسطر الإجابة عنها قدر الإمكان. إهمال فاغتصاب ريم طفلة في الخامسة عشر من عمرها صرحت ل «التجديد» وهي تعتصر ألما أن إهمال والديها كان سببا في ما أصبحت عليه بعد تعرضها لاغتصاب من قبل أخ صديقتها. تقول ريم: «لم يهتم أبي كما أمي بحالي وبحال إخوتي بل كل همهما مشاكلهما التي فرقت بينهما، وفي الوقت الذي كنت أبحث عن الحنان من والدي ولم أجده خرجت أبحث عنه في الخارج حتى سقطت ضحية، كنت أذهب عن صديقة لي وبدأ أخوها يتقرب مني شيئا فشيئا، ووجدت عنده من الحنان ما لم أجده عند والدي مما سهل علي الوقوع بين يديه والخضوع لرغباته، وكانت النتيجة أنه اغتصبني في بيت أسرته والكل غائب، وأنا الآن نادمة لكن بعد فوات الأوان، لو وجدت الحنان من والدي ما ذهبت أبحث عنه في الخارج». إن هذه الصرخة وإن كانت بعد فوات الأوان بالنسبة لريم التي فارقت دراستها بعد ما وقع لها، لكنها ناقوس خطر يدق على مسامع الآباء الذين يهملون حاجات أبنائهم العاطفية ظانين أن المأكل والملبس هما غاية الغايات.رسالة ريم واضحة أن الآباء عليهم أن لا يهملوا أمر صداقات أبنائهم لكن دون المغالاة فى فرض سلطتهم على الأبناء فى اختيار أصدقائهم أو إعطائهم الحرية دون وضع الضوابط فى الاختيار؛ فلابد أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. تدخل مرفوض يرى عمر (17 عامًا) أن تدخل الآباء فى اختيار أصدقاء الأبناء أمر يسبب ضيقًا شديدًا للأبناء حيث يشعرهم دائما بأنهم صغار لا يقدرون على تحمل مسؤولية أى اختيار مشيرا إلى أن علاقة الصداقة بالتحديد لابد أن تكون بمحض إرادة الأبناء لأن الأصل فيها الراحة النفسية والشعور بالارتياح ويرى أن كثيرا من الآباء يرفضون صداقات أبنائهم لأسباب غير مقنعة كالحكم على الصديق مثلا من خلال مظهره الخارجى مثل قصة شعره أو طريقة ملابسه أو مستواه الدراسى أو الاجتماعى وكلها مبررات غير مقنعة مادام هو شخصا صاحب خلق طيب ومن ثم لابد أن يحكم الآباء على أصدقاء أبنائهم من خلال المعاشرة لهم وتقييم سلوكهم ومن ثم يكون القبول أو الرفض. الرفق والمرافقة (ن. ك) أم لثلاثة بنات أكبرهن عمرها 19 سنة، تقول إنها لن تنسى جميل الجمعية التي أعانتها على تربية بناتها بما في ذلك اختيار صديقاتهن، فهذه الأم لا تتوانى في مرافقة بناتها إلى الجمعية في العطل وفي مختلف المناسبات، مما جعلهن يخترن صديقاتهن من الجمعية، وبالتالي فهي إلى حد ما مطمئنة ما دامت تعرف صديقات بناتها، بل وترافقهن إلى الأسواق وتستضيفهن في بيتها وتشارهن في بعض أمورهن حتى أصبحت هي الأخرى صديقة لهن. وترى (ن. ك) أن الآباء إذا رعوا صداقات أبنائهم فإنهم يتقون شرورا كثيرة قد تأتي من صداقات اختيرت عشوائيا.وتؤكد (ن. ك) أن العمل الجمعوي له دور مهم في موضوع صداقات الأبناء خصوصا إذا كان عملا هادفا ويسعى لنشر أخلاق حميدة بين المستفيدين منه. اجتهاد الآباء ترى صالحة بولقجام مستشارة في قضايا التربية والأسرة من خلال حديثها ل «التجديد» أن: «من الأدوار التربوية التي ينبغي للآباء أن يولوها عناية خاصة جدا تدبير صداقات الأبناء لأن كثيرا من الأبناء يتأثرون بالأصدقاء تأثيرا هاما خصوصا في مرحلة المراهقة حيث يسمع الابن للأصدقاء أكثر من والديه، وبالتالي ينبغي تدبير هذه الأمر قبل مرحلة المراهقة أي في مرحلة الطفولة الوسطى والطفولة المبكرة. وعلى الآباء أن يجتهدوا في ربط علاقات لأبنائهم وهم في أربع أو خمس سنوات مع أطفال أبناء أسر تكون حريصة على أمر التربية والتنشئة السليمة، عبر ربط العلاقات مع هذه الأسر، ويمكن تشجيع الأطفال على ربط علاقاتهم عبر تنظيم أسفار وخرجات جماعية، أو حضور مناسبات بعضهم البعض أو المناسبات الدينية، وعبر التهادي بينهم في مختلف المناسبات، حتى تنسج بينهم علاقات بتوجيه منالآباء بشكل غير مباشر، حتى إذا بلغوا مرحلة المراهقة تكون هذه العلاقات قد بنيت ونسجت من قبل، ومن هنا يسهل على الآباء تفادي مجموعة من المشاكل التي يمكن أن تأتي من صداقات أبنائهم التي تكون خارج رعاية وتوجيه الآباء». وأضافت بولقجام أنه: «في الحالات التي تنسج علاقات صداقة الأبناء خارج رعاية الآباء يجدر بهؤلاء أن يتقصوا عن الوضع التربوي والأخلاقي والتعليمي لأصدقاء أبنائهم، فإن كان بالشكل المطلوب، فليشجعوا على هذه الصداقات وعلى استمرارها وإن لم يكن كذلك فليحاولوا بشكل غير مباشر أن يبعدوا أبناءهم عن هذه الصداقات لأن التوجيه المباشر يؤدي إلى العناد من قبل المراهق والتشبث بهذه الصداقات وتحدي الآباء والمضي فيها، مما سيترتب عنه إشكالات كثيرة جدا يصعب على الأبناء والآباء معالجتها معا». وفي ما يخص دور الآباء مع المؤسسات التعليمية ما دامت الصداقات في أغلبها تأتي عبر هذه المؤسسات، تقول صالحة بولقجام: «الآباء يلاحظون ويسمعون عن أصدقائهم من خلال أبنائهم، وإذا كانت لهذه الصداقات تأثيرات سلبية يجب مناقشة الأمر مع المؤسسة التعليمية ومحاولة إبعاد الابن عن هذه الصداقات، بل وحاولة إصلاح هؤلاء الأصدقاء حتى لا يكون تأثيرهم سيء على أبناء المدرسة». العمل الجمعوي تؤكد صالحة بولقجام على أهمية المجتمع المدني، والجمعيات العاملة في مجال تأطير الأبناء وتنشئتهم تنشئة سوية، خاصة في هذه الظروف التي نعيشها الآن حيث أصبحت مؤثرات كثيرة سواء على المستوى الإعلامي أو الشارع، التي تؤثر على أخلاق أبنائنا وسلوكياتهم بشكل سلبي، ولذلك تقول المستشارة التربوية: «نهيب بالمجتمع المدني أن يمارس دورأ اكبر من الذي يمارسه، خصوصا في تربية الأبناء، فلابد للجمعيات الطفولية والجمعيات المهتمة بالشباب واليافعين أن تقوم بمجهودات أكبر، وكذلك لابد للمواطنين الذين يطمحون أن يكون المجتمع في وضع أحسن مستقبلا أن يدعموا هذه الجمعيات بأي شكل من أشكال الدعم لكي تتمكن من أداء مهامها التربوية لمساعدة الأسر، وللمساهمة في بناء مجتمع راشد، وكذا المساهمة في تخريج جيل فاعل معطاء قادر على تحمل المسؤولية. ولكي نحقق الأهداف الكبرى لابد أن يكثف المجتمع المدني من مجهوداته لأن الأمر يتعلق بمستقبل المجتمع». الاستشارة التربوية تقول صالحة بولقجام في حديثها ل «التجديد»: «إذا تم ربط صداقات بين الأبناء واصدقائهم وتبين أن هذه الصداقات تترتب عنها مشاكل ينبغي بداية عدم التعامل مع المشكل بانفعال، بل نضع المشكل فوق الطاولة الأأسرية ليناقش الأب والأم حيثيات الموضوع من أجل البحث عن حلول بشكل هادئ وإذا عجزا عن احتواء المشكل، هنا لابد من طلب استشارة المستشارين المختصين في الموضوع أو يلجِؤوا إلى مراكز الإرشاد الأسري حيث يوجد أخصائيون نفسيون وتربويون من أجل معالجة المشكل معالجة صحيحة لأن أي تصرف انفعالي وبدون توجيه وحسابات دقيقة قد يؤدي إلى انعكاسات سلبية، ونحن بصفتنا نمارس عملية الاستشارة نلمس ذلك إذ يزداد المشكل سوءا عند عدم حسن التدبير. ومن خلال الممارسة يتم التعامل حسب طبيعة المشكل المطروح، ففي بعض الأحيان تتم محاورة الابن وحده والآباء وحدهم وفي أحيان أخرى تتم محاورة الطرفين في آن واحد، وفي بعض الأحيان تتم محاورة طرف دون آخر، وأذكر هنا أنه في بعض الحالات يجب معالجة المشكل لدى الآباء وليس لدى الابن إذا كان الخطأ من الآباء في سوء تقديرهم لأمر معين وإساءة التصرف مع الابن في شأن اختيار الصداقات. وأؤكد أن الحوار مع الآباء والأبناء وتوجيههم يعطي ثمارا طيبة، فقط الأمر يحتاج إلى ترتيب وتهييء الفضاء المساعد على إجراء حوار مناسب لطبيعة المشكل دون إثارة حساسية المراهق بالخصوص، وهذا الأمر كفيل بتفادي الكثير من المشاكل في الحاضر والمستقبل». توجيهي للأبناء لا تتردد صالحة بولقجام في توجيه الأبناء إزاء آبائهم قائلة: «لابد أن نعرف أن العلاقة مع الوالدين ينبغي أن تحكمها مجموعة من الأمور، على رأسها أن الله تعالى قدس هذه العلاقة كي يطبعها الاحترام والود والثقة، وكلما توفر ذلك توفر للمراهق هامش من الحرية والاستقلالية، ولابد له لكي ينال تلك الحرية أن يكون صادقا مع والديه، وعلى الأبناء أن يعلموا يقينا أنه ما من أحد يحب الخير لأحد ويريد له التفوق والتألق في حياته أكثر مما يحب الآباء لأبنائهم».