تسود حالة من الترقب في الأوساط السياسية ببلادنا لما ستؤول إليه نتائج انتخابات رئيس مجلس النواب يوم غد الجمعة، وما إذا كانت أحزاب التحالف الحكومي ستنجح في إيصال مرشحها المتوافق عليه، رشيد الطالبي العلمي إلى رئاسة القبة التشريعية بالبلاد، أم أن كريم غلاب ومعه أحزاب المعارضة والجهات الداعمة لهذا الترشح، ستكون لهم كلمة أخرى في هذا الشأن. حسابيا مرشح الأغلبية هو الأقرب والأوفر حظا للظفر برئاسة مجلس النواب، لكن على مستوى الواقع يبقى كل شيء وارد وأن المفاجأة يمكن أن تحدث ويعود غلاب ليخلف نفسه كرئيس للبرلمان، بسبب الدعم الكبير الذي يحظى به من طرف جهات في السلطة بالإضافة إلى أحزاب المعارضة التي أعلنت دعمها له، حسب ما يتداول، تريد أن توجه ضربة موجعة لتحالف بنكيران الجديد بدعمها لغلاب على حساب الطالبي العلمي. هذا الانحياز تؤكده العديد من المؤشرات، من أبرزها التغطية الإعلامية الواسعة لخبر ترشح الاستقلالي غلاب لمنصب رئاسة مجلس النواب، الذي ظل منصبا حصريا للأغلبية الحكومية في المغرب، بالنظر للمكانة البارزة التي يحتلها في الدولة وبنيتها المؤسساتية. حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي ينتمي إليه مرشح الأغلبية لرئاسة البرلمان، يبدو كما لو أنه غير معني بالنقاش الدائر حول المنصب بعد ترشح غلاب للمنصب، إذ تتجه الأنظار لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة بشكل أساسي وتسلط الأضواء على موقف قيادته من هذا الترشح، في إشارة إلى أن هذه الخطوة تستهدف بالأساس تجربته وليس شيئا آخر. فبالنسبة للجهات المناوئة للبيجيدي في السلطة، سواء كان الطالبي العلمي أو غلاب لا فرق، لأن الشخصين وحزبيهما وقيادتهما القريبة من الجهات الغير راضية عن وصول إسلاميي العدالة والتنمية لقيادة الحكومة، غير أنه إذا كسب غلاب الرهان سيكون انتصارا لهذا التيار على حساب بن كيران وتحالفه، الذي يمكن أن يهدده الانفجار إذا ما تحقق هذا السيناريو. فكلام غلاب حول استقلالية المؤسسة التشريعية عن الحكومة وتوسله بالدستور والتجربة الأمريكية في الديمقراطية ورهانه على البرلمانيين المترددين أو الغاضبين من تحالف أحزابهم مع العدالة والتنمية مجرد شعار داعم لاستتراتيجية الدولة العميقة الداعمة له، إذ تروج معطيات تفيد بأن شخصيات نافذة معروفة بلعب مثل هذه الأدوار تقود حملة واسعة في صفوف نواب الأغلبية لإقناعهم بالتصويت لصالح مرشح "المعارضة"، مستعملة كل وسائل الترغيب والترهيب والابتزاز. وعكس ما يصوره البعض، بأن هذا الترشح من شأنه أن يعيد صراع العدالة والتنمية مع حزب الاستقلال بقيادة حميد شباط للواجهة، فإن الحقيقة هي أنه محطة من محطات المواجهة بين خيار الإصلاح والدمقرطة وخيار الاستبداد والتحكم الذي يسعى لفرض أجندته وخياراته بكل الوسائل ومحاولة الرجوع بالبلاد إلى الوراء وسد القوس الذي فتحته انعكاسات ثورات الربيع العربي ببلادنا التي عبرت عنها حركة 20 فبراير الاحتجاجية. وبين هذا الرأي وذاك والقراءة والأخرى، يبقى يوم غد الجمعة امتحانا وتمرينا صعبا ستواجهه أحزاب التحالف الحكومي في مقابل المعارضة والجهات المعارضة للإسلاميين الداعمة لغلاب في سباقه لرئاسة الغرفة الأولى من البرلمان، وأن الدرس المستفاد من هذه المعركة بالنسبة للشعب والمتتبعين، هو المزيد من التيئيس والتحكم والاستبداد الذي تجنح له الجهات النافذة المعادية للإصلاح، ولسان حالها يقول: اُكفروا بالإصلاح فإنا معرقلوه!