لقد شرع المغرب منذ حين في مفاوضات ماراطونية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل التوصل إلى إبرام اتفاقية للتبادل التجاري الحر ، لكن التساؤل الذي يجب علينا طرحه هو هل قطاعات الاقتصاد المغربي قادرة على التعامل بالند للند مع قطاعات الاقتصاد الأمريكي ؟ وماهي الاعتبارات التي يجب أخذها بعين الاعتبار في أي اتفاقية محتملة. إن هذا التساؤل الأول لا يصعب الإجابة عنه حتى لعديمي المعرفة بالهياكل الاقتصادية بالمغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية . فاقتصاد الولاياتالمتحدةالأمريكية يعتمد على تركز شركات كبرى في إطار تجمعات موحدة لمواجهة المنافسة الاقتصادية والتقليص من النفقات سواء تعلق الأمر باليد العاملة أو المواد الأولية بحيث تتكامل تلك الشركات فيما بينها مما يخفف العبء عليها . أما الشركات المغربية فهي لا تعدو أن تكون مجرد شركات صغيرة أو متوسطة في أحسن الأحوال تعتمد على امتيازات داخل السوق المغربية وهذه الامتيازات تتمثل في قلة المنافسة . لذلك فإن دخول الشركات الأمريكية للمغرب بمقتضى الاتفاقية المزمع إبرامها سيؤدي إلى مصاعب تجارية بالنسبة للشركات المغربية التي تحاول بناء اقتصاد وطني يعتمد على الثروات المحلية. وعلى الرغم من ضعف تلك الشركات ومحدوديتها في تشكيل ديناميكية اقتصاد السوق ، لكنها في نهاية المطاف شركات مغربية تؤسس لاقتصاد وطني يعتمد القدرات الخاصة، لأن رأس المال الأجنبي ليس له وطن وحين يشعر بالشك والريبة ينتهي بالخروج من البلاد. إن الانخداع باقتصاد السوق يعطي انطباعا ورديا للذين يدعون إليه في البداية لكنهم يتناسون أن المشاكل الناجمة عن اقتصاد السوق أكثر من مزاياه ففضلا عن كونه نظام يؤدي إلى امتصاص الاقتصاد الوطني من طرف اقتصاد الدول الأكثر مناعة وقدرة على المنافسة مما ينجم عنه القضاء على كل محاول لخلق اقتصاد وطني ، وهو ما يؤدي في النهاية إلى رهن الاقتصاد في يد مجموعة قليلة من الرأسماليين الذي يتحكمون في المصير الاقتصادي والسياسي للدولة في نهاية المطاف . إضافة على ذلك فإنه يقود إلى مشاكل اجتماعية تبدأ بسلسلة من المشاكل التي تؤدي الواحدة إلى الأخرى بدء باختفاء الشركات الصغرى والمتوسطة وتسريح عمالها وموظفيها ، وهو ما يؤدي إلى تفشي البطالة في مجموعة كبيرة من الفئات العاملة بميدان الخدمات والصناعات التقليدية ، وهو الوضع الذي يقود بدوه إلى مشاكل تهدد الأمن والتضامن الاجتماعي لفئات المجتمع وتحدث شرخا يصعب معالجته . وإذا علمنا أن الاقتصاد الوطني بالمغرب يعتمد أساسا على القطاع الزراعي لتنشيط الاقتصاد فإن الأمر يدعو إلى الحذر وأخذ العبر من دول أخرى وتنظيمات شبيهة لما سوف تقدم عليه الحكومة المغربية ، وأحسن مثال يمكن أخذه كنموذج لأخذ العبرة هي اتفاقية التبادل التجاري الحر الخاصة بدول أمريكا الشمالية والتي أبرمت بين كل من كنداوالولاياتالمتحدةالأمريكيةوالمكسيك والمعروفة باتفاقية النافتا . فإذا كانت هذه الاتفاقية قد جعلت رقم المعاملات التجارية بين المكسيك ودول أمريكا الشمالية يتضاعف ثلاث مرات من 31 مليار دولار سنة 1994م ليصل الآن إلى رقم معاملات يبلغ 94 مليار دولار ، إلا أن الثمن الذي تدفعه المكسيك يعتبر ثمنا غاليا ويجب أن نستفيد منه نحن بالمغرب . فبعدما يقرب من عشرين سنة على دخول الاتفاقية المذكورة حيز التنفيذ إلا أن الصعوبات التي تواجه قطاع الزراعة بالمكسيك أصبح ينظر إليه بأنه مشكلة تتعلق بالأمن القومي الوطني ، حيث شهدت المكسيك عدة مظاهرات للنقابات العمالية وتجمعات المجتمع المدني التي تطالب بمراجعة الاتفاقية في شقها الزراعي نظرا للكارثة التي ستحل بقطاع الزراعة بالمكسيك بع دخول تلك الاتفاقية في شقها الزراعي حيز التنفيذ. وذلك نظرا لانعدام التوازن بين مستوى الفلاح بالمكسيكوالولاياتالمتحدةالأمريكية والامتيازات التي يتمتع بها هذا الأخير مقارنة بالفلاح المكسيكي ، ناهيك عن حالة الفلاح المغربي الذي لا يتوفر لديه أي دعم مقارنة بالفلاح المكسيكي الذي يتمتع بعدة إعفاءات وامتيازات . لذلك فإن أي اتفاقية بين المغرب والولاياتالمتحدة يجب أن ينظر إليها من هذا الجانب وعدم الاندفاع وراء الوعود والإغراءات التي قد تبدو في الوهلة الأولى وكأنها ستعود بالنفع على المغرب لكنها في الحقيقة ستؤدي إلى أزمات اقتصادية واجتماعية كتلك التي أصابت اقتصاديات الدول التي دخلت في تنظيمات اقتصادية شبيهة . إلى كل هذا ينضاف عامل آخر هو أن الحكومة المغربية يجب أن تأخذ في الاعتبار الحساسية التي يشكلها إبرام اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولاياتالمتحدة بالنسبة للمجموعة الأوربية لكون مصلحة المغرب لأسباب تتعلق بالعوامل الجغرافية والاجتماعية وهي قربنا من أوربا وتواجد جالية مغربية كبيرة بدولها ، وأخرى ترتبط بالعامل السياسي فمصلحة المغرب تكمن في تعزيز علاقاته مع أوربا كهدف استراتيجي تقتضيه طبيعة الهيكل السياسي والاقتصادي للولايات المتحدةالأمريكية. واعتبارا لكل هذا المعطيات المشار إليها فإنني شخصيا لا أنظر إلى اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الولاياتالمتحدة باعتبارها اتفاقية للتبادل التجاري ولكنها تنازل للشركات الأمريكية على الاقتصاد الوطني وخنقه والزج بالمغرب في هوة المفارقات الاجتماعية. بقلم : حسن اليزيدي