هو الإعاقة الغامضة، تظهر عند الطفل خلال سنواته الأولى على شكل اضطراب في السلوك وقصور وتأخر في النمو الإدراكي والتواصلي و الاجتماعي. إعاقة يعيش معها الطفل وأسرته سنوات طويلة من المعاناة والتردد على المراكز المختصة في التأهيل والتي غالبا لا تعطي نتائج حقيقية فقط تحسنا طفيفا في سلوك المريض. لقد تزايد عدد الأطفال المصابين بهذا المرض بشكل مهول، إذ تضاعف ب 600 في المئة في العشرين سنة الأخيرة فهو يصيب واحدا من كل 150 طفل في العالم وفي أمريكا وحدها كل طفل من 95 هو توحدي. منذ زمن ليس ببعيد كان العلماء يعتقدون أن مرض التوحد ناتج عن اضطراب عقلي المنشأ أي أنه منحصر فقط على خلل في الدماغ. لكن عوامل عديدة منها أن الطفل يكون طبيعيا عند الولادة والتزايد المستمر والسريع في أعداد المصابينأ و كون أطفال المهاجرين المنحدرين من افريقيا وآسيا وجزر الهند الغربية يأتون في مقدمة المصابين بالمرض في أوروبا ... جعلت العلماء يفكرون أن تغير العوامل الخارجية وعلى رأسها النظام الغذائي قد يكون سببا في ظهور المرض. هناك عدة فرضيات وضعها العلماء لتفسير علاقة العوامل الخارجية بظهور المرض: تعرض الأطفال منذ الولادة بل حتى في فترة الحمل إلى مواد خطيرة وهي المعادن الثقيلة على رأسها الزئبق والرصاص والألمنيوم ... والمتواجدة في المضافات الغذائية والمواد الحافظة وفي دخان السجائر والمبيدات بحميع أنواعها وحتى في اللقاحات، هذه المعادن تعطل عمل بعض الانزيمات التي تقوم بعملية هضم وتفتيت البروتينات: الكازيين المتواجدة في حليب البقر والغلوتين المتواجدة في القمح والشعير والخرطال. وبالتالي فإن هذه البروتينات تمر إلى الدم وهي غير مكتملة الهضم (على شكل بيبتيدات) لتصل بكميات كبيرة إلى الدماغ مؤدية بذلك إلى خلل في عمله ومنه ظهور أعراض المرض. وقد تم الكشف عند بعض المرضى عن وجود هذه البروتينات الضارة عن طريق إجراء تحليل للبول. لهذا فإن بعض العلماء يعتمدون في علاج المرض على نظام غدائي خال من حليب البقر ومشتقاته وكذلك من الكلوتين، ولقد لجأ تقريبا ثلث المرضى في العالم إلى اعتماد هذا العلاج رغم أن الجدل في الأوساط العلمية ما يزال قائما حول نجاعته إلا أن هناك شهادات عديدة لآباء لاحظوا تحسنا في سلوك أطفالهم بعد اعتمادهم هذا النوع من العلاج. وهناك فرضية أخرى غير بعيدة عن سابقتها تفضي إلى أن مرض التوحد له ارتباط مباشر مع الفلورا المعوية البكتيرية وهي البكتيريا التي تعيش بكميات هائلة في أمعائنا فهي أكثر عددا من خلايا الجسم بمئة ضعف! وهي الخلايا الأكثر نشاطا في الجسم . وحسب الأبحاث الحديثة فإن هذه البكتيريا التي يبدأ الجسم في اكتسابها منذ الولادة يمكنها تنشيط أو إلغاء تنشيط الجينات في بعض الخلايا وكذا إنتاج مركبات تغير سلوكنا. وليتطور الطفل بشكل طبيعي، يجب عليه اكتساب ميكروبات جيدة خلال سنواته الأولى وهي تتأثر بشكل كبير بالتغذية والمضادات الحيوية التي تؤدي إلى فقدان النافعة منها أو إلى تحولها إلى بكتيريا شرسة وشديدة المقاومة للمضادات و قد تفرز مواد سامة أو أحماض دهنية مضرة تؤثر على وظائف المخ وبالتالي حسب هذه الأبحاث يمكن أن تكون سببا للمرض عند الطفل، علما أن الدماغ يتكون من 60 في المئة من الدهون وعمله ينبع من سلوك هذه الدهون. عموما، فهذه الأبحاث ما تزال في بدايتها إلا أن نتائجها واعدة وجد مشجعة وهناك المزيد مما يمكن اكتشافه. من يدري فهناك أمل كبير في علاج و حتى الوقاية من هذا المرض بل والاضطرابات العصبية الأخرى والتي لطالما حيرت العلماء، ولا ننس أنه بوعد من نبينا صلى الله عليه وسلم فإن لكل داء دواء.