في هذا الحورا يتحدث عبد العظيم العمراني أستاذ العلوم الشرعية بمعهد البعث الإسلامي بوجدة عن بعض القضايا المتعلقة بالعلوم الشرعية والتي يرى أن حاجتنا إليها تزداد ملحاحية في ظل اوضاع الامة اليوم لتحصينها من الغلو والتطرف والانحراف. ويعرض العمراني الداعية والخطيب بمدينة وجدة لجوانب من حالة منبر الجمعة اليوم والذي يرى أنه منبر كبير أتاحه الاسلام للدعاة والعلماء من أجل تنوير المجتمع وهو ما يقتضي أن يكون الدعاة والخطباء في مستوى اللحظة والوعي بالواقع من ملامسة القضايا التي تشغل الناس والإجابة عن أسئلتهم. كما يجيب العمراني الذي زاوج بين التكوين العتيق والدراسة في الجامعة العصرية؛ عن نظرته لجانب التوجيه الديني في الإعلام المغربي الذي يرى أنه لم يصل الى الدرجة الطلوبة التي يقاوم بها المد الاعلامي المعاكس إلا أنه تحسن عما كان غعليه الأمر في السابق. - تشتغلون في تدريس العلوم الشرعية بمؤسسة البعث الاسلامي إحدى أهم مؤسسات التعليم العتيق بالمغرب.. لو تعطون لمحة حول هذا التعليم ومدى أهمية دراسة العلوم الشرعية اليوم؟ - لا يخفى أن الأمة الاسلامية في هذا العصر أحوج ما تكون إلى العودة إلى المنابع الصافية التي تتمثل في التعليم الاسلامي والذي تعرف له الآن مؤسسات عديدة منها الكليات المتخصصة كالشريعة وأصول الدين وغيرها ولكن يبقى الذي يمثل التعليم الشرعي بأصالته ومتانته هو ما يعرف الآن بالتعليم العتيق الذي يمكن أن يفهم في سياقين اثنين الأول هو المدارس التي لا تزال تدرس على الطريقة القديمة حيث تدرس العلوم الشرعية التي لها ارتباط مباشر بالقران الكريم والسنة النبوية والثاني يمثل التعليم العتيق النظامي الذي انطلق منذ 2001. والذي أضاف مجموعة من المواد رآها ضرورية من أجل أن يكون خريج التعليم العتيق أو الشرعي بمواصفات معينة، حيث انه لم يعد كافيا في الوقت الحالي أن يكون خريج هذه التخصصات ملما فقط بالعلوم الشرعية بمفهومها الخاص أي التفسير والحديث والفقه وعلوم العربية.. بل الحاجة ماسة إلى ضرورة إلمامه بمواد أخرى من بينها مثلا اللغة الأجنبية وبعض المواد التي كانت غائبة في التعليم العتيق بالصيغة القديمة كالرياضيات مثلا وعلم التوقيت ومواد أخرى الآن صارت ضرورة بحكم أن مخرجات التعليم العتيق ما عادت بتلك الصورة التي كانت عليها في السابق حيث كنا ننتظر من التعليم العتيق أن ينتج لنا أئمة في المساجد وخطباء. وهذا الوضع لم يعد كافيا اليوم لأننا صرنا في حاجة إلى تخريج حملة علم شرعي لهم رسالة إبلاغ الدعوة الاسلامية في أوربا مثلا وأمريكا وغيرها من البلدان والحمد لله هذا متوفر الآن حيث أصبح المغرب يصدر إذا صح التعبير مجموعة من الدعاة والمؤطرين الدينين إلى عدد كبير من البلدان ولذلك كان تدعيم التعليم العتيقة بمواد غضافية من بينهااللغات أمرا ضروريا من أجل تحقيق مزيد من التواصل مع الناس.فهؤلاء نائبون عن الرسول الكريم ولذلك يحتاجون أن يكون لديهم اللسان الذي يخاطبون به كل الناس. أما من حيث الأهمية فلا شك أن للتعليم العتيق اليوم أهمية كبرى فيما يتعلق بتأطير المجتمع، فلا بد أن يكون للأمة أئمة أكفاء وخطباء يحدثون الناس في المواضيع التي تهم الأمة. ولم يعد كافيا أن يأتي الخطيب بدواوين قديمة يتحدث منها ربما كتبت منذ قرون وفي دول مختلفة. نحن اليوم في حاجة الى الخطيب الذي يعيش قضايا أمته وويعيش واقعه ويناقش القضايا التي تهم الناس وتشغل الشباب. فالأمة محتاجة إلى من يرشدها في مجال الدعوة بوسطية واعتدال. وهذه المدارس العتيقة لا شك أنها الحصن الأخير إذا شئنا الذي يخرج مجموعة من القيمين الدينيين يتلقون تكوينا متزنا ووسطيا من أجل إنتاج الوسطية في المجتمع، واليوم لا شك أن المغرب صار نموذجا في الحقيقة للوسطية والاعتدال التي صارت اليوم تطلب من دول كثيرة، ولعل أفضل مثال على ذلك ما وقع في الزيارة الملكية الأخيرة لبعض الدول الافريقية حيث طلب من المغرب أن يحتضن مجموعة من الطلاب والأئمة من ليبيا ومن تونس ومالي ودول أخرى. وفعلا فالمغرب يمثل هذه الوسطية والاعتدال بفعل هذا التعليم العتيق المتوازن في حين نجد أن بعض الجهات الأخرى خرجت مجموعة من الأطر الدينية لكن ربما تشبعت بنوع من الفكر والتوجه لم يتمثل الوسطية والاعتدال. وإذا كان من فضل في ذلك فهو يرجع إلى الثوابت التي يعتمدها التعليم العتيق في المغرب من خلال العقيدة الأشعرية مثلا والمذهب المالكي بأصوله الثرية وقواعده الكثيرة التي لا يمكن أن تنتج إلا فكرا وسطيا سليما معتدلا - علاقة بهذا ومن خلال تجربتكم كخطيب وداعية ما هي الاحتياجات التي ترون أن الناس متعطشون إليها أكثر في المجال الدعوي؟ - حقيقة قد أجيبك عن السؤال بطريقة عكسية يبالتساؤل عن خطورة غياب الدعاة والخطباء وغياب التوجيه الديني المعتدل. ذلك يتجلى في دول كثيرة الآن تعاني من عنف وتطرف وارهاب وتفجيرات وغيرها. وهو كله ناتج عن غياب التوجيه الديني المعتدل النابع من وسطية هذا الدين والذي بطبيعته دين اعتدال فعندما يغيب التوجيه الديني فإن النتيجة ستكون كارثية لكن عندما يحضر التوجيه الديني بهذا الشكل المعتدل فإنه صمام أمان حقيقة للمجتمع. لأن المسلمين وخصوصا الشباب الآن بما يعيشه من تحفز ونوع من الحدة والاندفاع عندما يدخل المسجد يوم الجمعة فيجد الخطيب محضرا خطبته بشكل جيد ويطرح قضايا في صلب الاهتمامات وبرؤية وسطية واعتدال فإن ذلك هو النفع المرتجى من المنبر. فالشباب الآن ينفتح على الاعلام ويتابع قضايا تتعلق بالشريعة وحقوق المراة والمخدرات وغيرها وهم محتاجون إلى إجابات شرعية. وعندما يرتادون المساجد يوم الجمعة هذا المنبر الاسلامي الكبير الذي أتاحه الاسلام للدعاة والعلماء من أجل تنوير المجتمع فلا شك أن لهم في أذهانهم مجموعة من التساؤلا ت فعلى الخطيب أن يكون في مستوى اللحظة والوعي بالواقع الذي يعيش فيه وذلك بالوعي بالفقه الشرعي الذي يدرسه من خلال الكتب والعلماء والوعي بالفقه الثاني الذي هو فقه الواقع. فلا شك أن هذا مما يعطي أهمية كبرى للدعاة والعلماء الواعين بأهمية اللحظة وهو ما يعطي أكله خاصة إذا كان حق الدعاة في التبليغ وتوضيح الأمور للناس بعلم شرعي فلا شك أن الامة لن نخاف على مستقبلها بإذن الله - وهل ترى أن منبر الجمعة اليوم هو في قلب هذه القضايا وفي مستوى اللحظة؟ - في الحقيقة المتتبع للمساجد هو الذي يمكنه الحكم على هذا وإلا فهو يحتاج الى دراسات. كما أن الخطباء انفسهم في حاجة إلى التأطير وحتى لا يبخس الناس حقوققهم فهذا جزء مما تقوم به وزارة الأوقاف حقيقة في ما يعرف بميثاق العلماء، فهناك لقاء نصف شهري مع كل الأئمة يؤطرهم علماء وموجهون في قضايا الثوابت والعقيدة الأشعرية والتربية السلوكية والفقه المالكي وما يتعلق بقضايا العلبادات والتفسير والفقه وغيره. ومن خلال التجربة لمسنا أنها فعلا أسهمت إلى حد كبير في تكوين هؤلاء الأئمة لأن المعروف أن عددا من الأئمة الممارسين اليوم ربما لم تتح لهم الفرصة أن يتلقوا معارف شرعية بالشكل المطلوب ولم تتح لهم فرصة الولوج الى الجامعات او المعاهذد الشرعية العتيقة المتخصصة ولذلك فهذا التأطير جاء ليسد هذه الثغرة ولعل الجميع اليوم يشعر بنوع من التغير في الخطاب الديني وفي خطبة الجمعة. طبعا أنا أتحدث بصفة عامة وليس الحكم للجميع لأنه لايزال عندنا خطباء لا يستطيعون إنجاز خطبة وإنما يأخذون خطبهم من الدواوين التي كتبت وأحيانا من سبعة قرون وهي لا تجيب عن تساؤلات المواطنين ولا تشفي الغليل وهو ما يشعر الناس أحيانا بالملل والتعب وقد يجدون الحل هو النوم في المسجد أثناء الخطبة. لكن الحمد لله هناك خطباء في شاكلة أخرى قد لا يكونون الأغلبية لأن الأمر يحتاج إلى دراسة، وعموما هناك في كل المدن عندنا خطباء يعالجون الواقع ويحاولون معايشته من خلال رؤية شرعية وهذا أمر مهم - ربما يلعب الاعلام اليوم الدور الأبرز في التوعية والتأطير كيف ترى اهتمامه بالجانب الديني وفق حاجات الناس التي تحدثنا عنها؟ - أن يكون الانسان راضيا عن وضع الاعلام من حيث الجانب الديني فهذا ما أظن أن أحدا يرى أنه وصل إلى هذه الدرجة، لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن نبخس الناس أشياءهم ، ويقال إنه ليس هناك شيئا على الاطلاق. عندنا والحمد لله بعض المحطات التي تهتم بالشأن الديني مثل قناة السادسة وإذاعة محمد السادس للقران الكريم ومن خلال البرامج التوعوية مثل برنامج يسألونك المباشر الذي يبث يوميا..الحمد لله هناك إضافة لو قارنا بين هذا الوضع وما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات أو اكثر بقليل حيث كان التوجيه في الاعلام شبه منعدم وكان الناس لا يتحدثون إلا عما كان معروفا من ركن المفتي بل حتى ركن المفتي كان مفتيا في ركن معين فقط، والناس لم يشجعوا البرنامج وصار الناس يتهكمون ويتحدثون عنه بشيء من السخرية مما جعل البرنامج لا يفيد كبير فائدة. اليوم الوضع اختلف ولكن طبعا هناك حاجة إلى المزيد من مضاعفة الجهود وتطوير فالتوجيه الديني في الاعلام على كل حال إن لم يصل الى الدرجة الطلوبة التي يقاوم بها المد الاعلامي المعاكس إلا أنه في وضع يتحسن ونرجو له ان يتقدم نحو الأفضل