سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأستاذ ميمون النكاز في حوار مع التجديد: التجديد الديني سبيل استعادة كينونة الأمة الحضارية في إمامة الوجود الإنساني واحتضان التجربة الإنسانية على ضوء هداية الوحي
في حوار مع لأستاذ ميمون النكاز على هامش الندوة العلمية التي انعقدت بمدينة مكناس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أخيرا، قال: إن الأشكال في التعامل مع الآخر مزدوج، ولا يمكن أن يرتقي إلى مستوى الحسم النهائي إلا بمنطق التعارف الإسلامي، كما يطرح ذلك القرآن الكريم، إذ هناك مساحات مفتوحة للحوار مع بعض مكونات المجتمع الغربي، وأشار إلى أن عملية التجديد عملية تاريخية تراكمية، وعلينا أن نميز بدقة بين ثوابت الإسلام ومتغيرات الفكر الإسلامي، مبينا أن تغرب العقل العربي، طرح إشكالية العلاقة بين الفكر العربي والفكر الإسلامي، أما من الناحية الإسلامية ليس هناك نوع من الخلافية بين الفكر العربي والفكر الإسلامي والفكر العربي في خطه العام كان فكرا متماهيا مع الفكر الغربي وفيما يلي نص الحوار: بداية، مرحبا بك أستاذ ميمون النكازعلى صفحات الجريدة؟ شكرا نسمع كثيرا عن إشكالية التعامل والحوار مع الآخر، وأنه علينا أن نفهمه، وعليه أن يفهمنا، أين الإشكال؟ أعتقد أن الإشكال مزدوج وهذه المشكلة مرتبطة بالطرفين، ويمكن أن تناقش وأن تتداول فكريا ومعرفيا على مستويات متعددة لأن الآخر متعدد، كما أن الأنا متعدد، لذلك فإن الحديث عن إشكالية التفاهم، وإشكالية فهم الآخر إشكالية مطروحة على مستوى الحضارتين، ولكن بمستويات تحليلية متعددة، وأحسب أن هذا الإشكال لا يمكن في نظري أن يرتقي إلى مستوى الحسم النهائي، إلا إذا ارتقى الشأن العالمي والإنساني إلى مستوى التحقق الوجودي الفعلي بمنطق التعارف الإسلامي كما يطرحه القرآن الكريم (وجعلناكم شعوبا لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، والتعارف هو عبارة عن تفاعل بين الذوات المتعددة بقصد التعرف والتعريف، فأنت تنفتح على الآخر بدافع التعرف عليه، وبدافع التعريف في نفس الوقت، وهي قضية متبادلة بين الطرفين، فأنت تنفتح عليه تعرفا وتعريفا، وهو يقبل عليك أيضا تعرفا وتعريفا، إذا ارتقت الحضارة الإنسانية إلى هذا المستوى يمكن أن نقول أنه قد حصل فعلا الظرف التاريخي الذي به ينجز هذا الموعود التاريخي، أما الآن فهناك إشكالات كثيرة جدا تقف في الطريق وتحول دون هذا السبيل، ولكن الأمر يتطلب اقتحام هذه العقبة على مستوى الحضارتي معا. وأنى لهذا الحوار أن يتم أو يتحقق، وهو غير متكافئ ولا متوازن؟ أتصور كما ذكرت من قبل، لو أدركنا بأن الآخر متعدد، فهذا يعني أن هنالك مساحات مفتوحة للحوار مع بعض مكونات المجتمع الغربي، وأنا أقول بأن أهل العلم وأهل الذكر والمعرفة والفكر في الحضارة الإسلامية، ينبغي أن يفكروا في اقتحام الفضاء الغربي من خلال تلمس العناصر الإنسانية والفطرية الموجودة في هذه الحضارة لفتح افاق التفكير المشترك معها وهو ما اصطلح عليه شخصيا بالبحث عن "حنفاء الحضارة" في ثقافة الغرب للتواصل معها والاتصال بها معرفيا وفكريا. أستاذ كيف السبيل للوصول إلى فكر إسلامي متجدد حقيقي؟ عملية التجديد، عملية تاريخية تراكمية، فالتجديد ليس وصفا استاتيكيا(ثابتا) وليس نعتا ثبوتيا للفكر الإسلامي بل هو عملية تاريخية ضرورية، باعتبارفعل التجديد هو فعل تركيبي للخبرات، وفعل تراكمي للمعارف والعلوم على ضوء الاستنطاق وعلى ضوء الاستهداء بهدايات الوحي، وفي نفس الوقت على ضوء استكناه واستشراف متغيرات الواقع هي عملية مستديمة في التفكير الأصل فيها هو استصحاب النقد والمراجعة على الدوام بمعنى آخر أن يكون الإنتاج الفكري، أو أن يكون النقد ملازما للإنتاج الفكري. ما هي الآفاق التي تتوخاها من "التجديد الديني" على ضوء ما جاء في مداخلتك؟ الهدف الكلي هو الوصول بالأمة إلى مستوى استعادة كينونتها التاريخية والحضارية في إمامة الوجود الإنساني التعددي وفي احتضان التجربة الإنسانية العالمية على ضوء هداية ومقررات الوحي. وكيف لنا أن ندبر خلافنا داخل الصف الإسلامي قبل أن نتوجه إلى الآخر؟ الطريق إلى ذلك هو الإيمان بنسبية الذوات المتعددة داخل العالم العربي والإسلامي، والتركيز على مبدأ الاصطفاف العام داخل الأمة لسائر الذوات المتعددة، وإذا سئلت عن مذهبي الفكري بالقياس مع المذاهب الأخرى، وإذا سئلت عن انتمائي السياسي أو الحركي أو العقدي بالقياس إلى المذاهب الأخرى فالأصل العقدي والشرعي أن أقول إن مذهبي ومذهب غيري يحتملان الخطأ والصواب، ولا أستريح إلى الفكرة التي تقول بأن مذهبي صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب، لأن هذا المبدأ يضمر تحيزا ولو بنوع من النسبية. فالطريق إلى تجاوز هذه الإشكالات الداخلية وتجاوز التطاحنات الداخلية هو الإيمان بنسبية الذات والإيمان بوجوب وضرورة التكامل مع الآخر. ما هي ثوابت وضوابط التجديد التي يجب علينا مراعاتها والحفاظ عليها؟ لا شك أن هناك ضوابط، ولاشك أن هناك ثوابت لعملية التجديد، وهذا شأن الحياة كلها، الكون قائم على معادلة الثوابت والمتغيرات، فالثبات هدي كوني، كما أنه هدي علمي ومعرفي، والتغير أيضا طبع في الكون وفي الثقافة والفكر المفروض فينا هو أن نحدد بشكل علمي دقيق ثوابت الإسلام، وأن نميز بدقة بين ثوابت الإسلام ومتغيرات الفكر الإسلامي. ألا ترى معي أستاذ، أننا لا نطرق مثل هذه الموضوعات (أي موضوع: الفكر الإسلامي بين التقليد والتجديد) إلا بعد ما يتناوله الآخر، فيقدم فيه ما شاء، فيأتي عملنا بعد ذلك كرد فعل لا أقل ولا أكثر؟ أنا أتفهم ما تريد أن تصل إليه، ولكن أقول بأن رد الفعل هو فعل، إذا أحسننا امتلاك ناصية رد الفعل، فرد الفعل المفروض فيه أن يكون فعلا، الهدف منه، والغاية منه هو استيعاب طعون الآخر، وإدراك المثالب والثغور التي من خلالها يلج الآخر في إطار نقده للذات الإسلامية، ليس العيب أن نتعامل بردود الأفعال، ولكن العيب أن نبقى أسرى وسجناء لردود الأفعال. وكيف لنا الجمع بين لخطاب العربي والخطاب الإسلامي لإحداث تكامل بينهما؟ أتصور ليس هناك نوع من التعارض بين الخطاب العربي والخطاب الإسلامي (وأتكلم هنا على مستوى الرؤية الإسلامية) وإنما طرحت هذه الإشكالية في إطار تبني كثير من دعاة الفكر العربي لمقولات ومذهبيات فكرية وافدة، بمعنى عندما تغرب العقل العربي طرحت إشكالية العلاقة بين الفكر العربي والفكر الإسلامي، كما طرحت إشكالية العلاقة بين القومية والإسلام أو بين العروبة والإسلام، وهي إشكالية ناتجة عن انزلاق وتماهي الفكر العربي في كثير من مطارحاته، وفي كثير من إنتاجاته الفكري والمعرفية والفلسفية، حيث تماهي هذا الفكر مع مبدعات الفكر الغربي أو مع الفكر الغربي في مطارحته المختلفة، ولذلك صدق من قال بأنه ليس هنالك مذهب فكري أو أطروحة فكرية في الغرب إلا ولها نسخة غير مطابقة للأصل في الفكر العربي أو العروبي بشكل عام فالإشكال مطروح على هذا المستوى، لكن من الناحية الإسلامية، ليس هنالك نوع من الخلافية بين الفكر العربي والفكر الإسلامي لأن الفكر العربي إذا نظر إليه (في تقديري) من المنظور الإسلامي، هو الفكر الإسلامي المكتوب بلسان العرب والذي يستصحب إشكالية الإسلام في المنظومة الجغرافية والسياسية العربية. أريد أن أشير إلى أن أصحاب الفكر العربي يمجدون فكرهم، وأصحاب الفكر الإسلامي يمجدون فكرهم، ولا يحصل هناك تواصل ولا تقارب؟ على كل حال هذا من علل التخلف الفكري والمعرفي في الراهنية العربية القائمة الآن، ولكن هذا التوصيف لا يصدق على كافة إنتاجات الفكر العروبي والفكر الإسلامي، بل هو توصيف أغلبي لما ينتجه كثير من العروبيين المنغلقين على فكرهم أو من دعاة الإطلاقية، كما أنه يصدق أيضا على كثير من إنتاجات الإسلاميين من دعاة الإطلاقية في هذا الأمر. أنا أعتقد أن هذه الإشكاليات الكبرى تحتاج إلى مساحة من التفكير النقدي على مستوى الاتجاهين تكون واسعة إلى أبعد الحدود. وهل ساهم فكر النهضة العربية فعلا في عملية التنوير كما يدعي ذلك بعض دعاته؟ هذا سؤال كبير جدا، وربما الجواب القصير عنه إخلال بأمانة النظر، فالفكر العربي كانت له مساهمات، له ما له وعليه ما عليه، ولكن في خطه الفكري العام، كان الفكر العربي فكرا متماهيا كما ذكرت مع الفكر الغربي وحاول أن يستعيد نفس الإشكالات ونفس القضايا التي أنتجتها التجربة الحضارية الغربية، وعلى هذا الأساس كان هذا الفكر فكرا انشطاريا فكرا ازعاجيا للمناخ والفضاء الإسلامي الداخلي. سؤال أخير، كثيرا ما نلاحظ البعض يحلو لهم اللعب بالكثير من المصطلحات، وتوظيفها توظيفا سيئا خاصة تلك المرتبطة بالفكر الإسلامي كمسألة الاجتهاد، التجديد، الأصولية...؟ طبعا هذه مداخل مفاهيمية ومداخل اصطلاحية، وهي أسلحة مفاهيمية غايتها تدمير الداخل الإسلامي، من خلال التوسل بمقولات إسلامية ومفاهيم إسلامية، وعناوين إسلامية لضرب الإسلام من الداخل. شكرا لك أستاذ بارك الله فيك أجرى الحوار: محمد مصباحي