ضحايا "البوليساريو" يفضحون أمام مجلس حقوق الإنسان انتهاكات فظيعة في مخيمات تندوف    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    القمة العربية غير العادية .. السيد ناصر بوريطة يجري بالقاهرة مباحثات مع المكلف بتسيير أعمال وزارة الخارجية والتعاون الدولي بليبيا    ارتفاع التحويلات النقدية للمغاربة المقيمين بالخارج خلال يناير    القمة العربية تتبنى الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة        الذهب يواصل مكاسبه مع إقبال عليه بفضل الرسوم الجمركية الأمريكية    تقرير: كيف يحافظ المغرب على "صفر إرهاب" وسط إقليم مضطرب؟    المغرب يستهدف خلق 150 ألف فرصة عمل بقطاع السياحة بحلول عام 2030    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    دراسة: البدانة ستطال ستة من كل عشرة بالغين بحلول العام 2050    مصرع شخصين في اصطدام عنيف بين شاحنتين بطريق الخميس أنجرة بضواحي تطوان    15 قتيلا و2897 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    أحوال الطقس ليوم الأربعاء: برد وزخات مطرية في مناطق واسعة من البلاد    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    بلاغ حول انعقاد الدورة العادية لمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة    كأس العرش 2023-2024 (قرعة).. مواجهات قوية وأخرى متكافئة في دور سدس العشر    الحزب الثوري المؤسساتي المكسيكي يدعو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى الانضمام للمؤتمر الدائم للأحزاب السياسية في أمريكا اللاتينية والكاريبي    ترامب يعلق جميع المساعدات العسكرية لأوكرانيا بعد أيام من مشادته مع زيلينسكي    القاهرة.. انطلاق أعمال القمة العربية غير العادية بمشاركة المغرب    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على أداء سلبي    وكالة بيت مال القدس تشرع في توزيع المساعدات الغذائية على مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالقدس    أسعار اللحوم في المغرب.. انخفاض بنحو 30 درهما والناظور خارج التغطية    أمن فاس يوقف 6 أشخاص متورطون في الخطف والإحتجاز    استئنافية مراكش ترفع عقوبة رئيس تنسيقية زلزال الحوز    الضفة «الجائزة الكبرى» لنتنياهو    التفوق الأمريكي وفرضية التخلي على الأوروبيين .. هل المغرب محقا في تفضيله الحليف الأمريكي؟    بنك المغرب يحذر من أخبار مضللة ويعلن عن اتخاذ إجراءات قانونية    انتخاب المغرب نائبا لرئيس مجلس الوزارء الأفارقة المكلفين بالماء بشمال إفريقيا    "مرحبا يا رمضان" أنشودة دينية لحفيظ الدوزي    مسلسل معاوية التاريخي يترنح بين المنع والانتقاد خلال العرض الرمضاني    ألباريس: العلاقات الجيدة بين المغرب وترامب لن تؤثر على وضعية سبتة ومليلية    الركراكي يوجه دعوة إلى لاعب دينامو زغرب سامي مايي للانضمام إلى منتخب المغرب قبيل مباراتي النيجر وتنزانيا    القناة الثانية (2M) تتصدر نسب المشاهدة في أول أيام رمضان    الصين تكشف عن إجراءات مضادة ردا على الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على منتجاتها    فنربخشه يقرر تفعيل خيار شراء سفيان أمرابط    جمع عام استثنائي لنادي مولودية وجدة في 20 مارس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    الزلزولي يعود إلى تدريبات ريال بيتيس    فينيسيوس: "مستقبلي رهن إشارة ريال مدريد.. وأحلم بالكرة الذهبية"    الإفراط في تناول السكر والملح يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان    دوري أبطال أوروبا .. برنامج ذهاب ثمن النهاية والقنوات الناقلة    فرنسا تفرض إجراءات غير مسبوقة لتعقب وترحيل المئات من الجزائريين    الفيدرالية المغربية لتسويق التمور تنفي استيراد منتجات من إسرائيل    بطولة إسبانيا.. تأجيل مباراة فياريال وإسبانيول بسبب الأحوال الجوية    سينما.. فيلم "أنا ما زلت هنا" يمنح البرازيل أول جائزة أوسكار    القنوات الوطنية تهيمن على وقت الذروة خلال اليوم الأول من رمضان    3 مغاربة في جائزة الشيخ زايد للكتاب    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    المغرب يستمر في حملة التلقيح ضد الحصبة لرفع نسبة التغطية إلى 90%‬    كرنفال حكومي مستفز    وزارة الصحة تكشف حصيلة وفيات وإصابات بوحمرون بجهة طنجة    حوار مع صديقي الغاضب.. 2/1    فيروس كورونا جديد في الخفافيش يثير القلق العالمي..    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يستغرب فرض ثلاث وكالات للأسفار بأداء مناسك الحج    المياه الراكدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جبهة معارضة جديدة
نشر في التجديد يوم 12 - 02 - 2014

يمكنني الجزم بلا ارتياب أو تردد، أن بعضا من مكونات معارضة اليوم، احترفت كل أساليب الدجل والخفة والبؤس في الخطاب والارتباك في المعارضة، والتناقض في السلوك السياسي لرموزها وقادتها الجدد الذين أقحموا الى واجهة المشهد السياسي الوطني بغاية إحداث الارتباك فيه، وحجب أي إمكانية لتشكل تكتل وطني ديمقراطي يجمع تيارات الفكر والسياسية على برنامج الاصلاحات المهيكلة للدولة والمجتمع من أجل انجاز الانتقال الديمقراطي الحقيقي،
تلك المعارضة بهذه الطبيعة وبتلك الملامح والهوية السياسية الجديدة، راهنت في ممارستها على صعيد الساحتين البرلمانية والاجتماعية وكذا في حضورها السياسي العام، راهنت على أساليب التشويش على دينامية الاصلاح الديمقراطي الجارية وتهجينه والنيل من صدقيته، مع الاصرار على تبخيس المنجز الحكومي الممكن في المرحلة، في محاولة مكشوفة ويائسة في نفس الان للتعطيل والارباك والانهاك والالهاء وتحريف الصراع السياسي عن أهدافه الاصيلة، ومحاولة تحوير العملية الاصلاحية عن مراميها البعيدة القاصدة لتفكيك بنيات الاستبداد والتقدم خطوات في مسلسل مكافحة الفساد،
وهي بذلك الصنيع تعمل –بكل الوسائل المتاحة-على إثارة الضجيج وامتهان العنف اللفظي والسياسي معا إرادة منها لشغل المشهد السياسي برمته عن القضايا الاساسية للشعب، ممثلة في بسط الحريات واقرار العدالة الاجتماعية والاستفادة من ثمار النمو-التوزيع العادل للثروات- واقرار الكرامة الانسانية والتحقق بالاختيار الديمقراطي الحر وغيرها من شعارات، سبق وأن كانت موضوعا لحركة الانتفاض الشعبي التي عرفها المغرب في السنوات الماضية، والتي رافقت موجة الربيع الديمقراطي.
كل ذلك وغايتها الانقضاض على التجربة الاصلاحية بنقضها ومحاولة نسفها، بل واغتيالها معنويا واجهاضها سياسيا.
حديثي لا يتجه أساسا لتقييم الاداء السياسي والنضالي للمعارضة الديمقراطية الوطنية سواء بالنقد أوالمعالجة أوالكشف عن أعطابها وعوراتها–سواء كانت تلك التي تشتغل داخل المؤسسات أو التي تمارس خارجها- بل إنني أركز حديثي واهتمامي النقدي إلى بعض من القوى السياسية والحزبية التي تستعمل موقع المعارضة المؤسساتية ، لا لاحداث التوازن السياسي المطلوب داخل النسق السياسي، وإنما تستعمل ذلك الموقع بقصد إلى الاساءة الى وظائف المعارضة المستقلة الارادة النبيلة المقصد والشريفة الذمة، ولدورها الديمقراطي الاكيد في البناء الديمقراطي لبلدنا،
فأنا لا أتصور ممارسة سياسية ديمقراطية سليمة بلا معارضة جادة اقتراحية مبادرة نقدية ومسؤولة، تملك إرادتها المستقلة وتشكل بديلا فعالا هي السلطة التنفيدية القائمة، وتمتلك مشروعا مجتمعيا وأفقا نضاليا وتجذرا شعبيا وحضورا في خلايا المجتمع ومؤسساته المدنية، لكي تساهم في تحصين البلد ضد التطرف السياسي والاستبداد السياسي.
لكننا –للاسف الشديد -إزاء معارضة غريبة الصفات والملامح، فهي استبدلت وظيفتها واستأجرت ارادتها ورهنت استقلالها السياسي والفكري، معارضة كسيحة بئيسة مثيرة للشفقة،
معارضة مجازية تعارض الاصلاح وتسدي الخدمات لقوى الفساد والاستبداد، الشيئ الذي جعلها تنمو بجينات مختلفة، وتبدو بقدرات رخوة واهنة، وتتوشح بلياقة شائخة وبمحدودية في الاقتراح والنقد و طرح البدائل، وحضورها النضالي والتنظيمي في المجتمع يبدو خافتا ومحدودا.
فهي لا ترعوي، ولا تجد أدنى حرج في الاستعانة بخدمات شبكات المصالح الفئوية والنخبوية والادارية والسياسية والاعلامية والاقتصادية التي تشكلت على مدى فترات متطاولة من الزمن السياسي والاجتماعي للمغرب المعاصر، وأسست لنموذج سياسي للتحكم في الناس والنخبة والسياسية والعمل العام مبني على السيطرة على المجتمع وضبطه بمنطق العصى والجزرة، بحيث شكلت مكونات تلك الشبكات ومراكز القوى متضامنة، نمطا سياسيا زبونيا ونسقا سياسيا يؤسس للسلطوية الناعمة، ذلك النظام السياسي والاجتماعي الذي استوى واكتمل تشكله قبل اندلاع موجة الربيع الديمقراطي، وقد كان سيؤدي بالبلاد إلى حافة الانهيار والانفجار، لولا الحكمة الجماعية التي تمت بها معالجة حركة الاحتجاج السياسي على تردي الاوضاع السياسية والاجتماعية.
لكن معارضة اليوم-على تلك الشاكلة التي سبق الاشارة الى بعض ملامحها سلفا- وجدت في تلك الشبكات ومراكز القوى المناهضة للاصلاح، سندًا لها لاستعادة المبادرة للحضور في المشهد العام من جديد، وذلك بالقفز الى الواجهة من خلال ارادة التحكم في مفاصل الدولة والمجتمع، وتأبيد السيطرة عليها.
وغير خاف على كل نبيه وملاحظ حصيف، ما تمر بها قضية الاصلاح من عسر ومن قصف شديد من كل جانب، بحيث نلمح أن هنالك حربا شرسة تدار رحاها الان، وبلا هوادة على كل المبادرات الاصلاحية التي يقوم بها قادة التجربة التدبيرية الحالية من مستوى موقع السلطة التنفيدية.
حرب شاملة، معلنة وخفية، ومن طرف واحد، وبأدوات قذرة رديئة وبئيسة، حرب تشن على جبهات متنوعة وفي صعد ومستويات عديدة، تقودها تحالفات متقاربة المرامي والاهداف، في تنسيق تام مع شبكات المصالح المتكاتفة والمتساندة مع مراكز القوى والتجمعات الفئوية، وباستخدام مكشوف للاعلام الخاص والعام وتوسل بآليات الادارة العمومية وغيرها، كلها قوى يجمع بينها الاعتماد المتبادل، والتشابك في المنافع الريعية مادية كانت أو رمزية، والتحالف في الاستراتيجيا النهائية.
كل ما سبق تسطيره، يمثل بالنسبة إلينا توصيفا مجملا لحالة الصراع الجارية على الاصلاح في البلد منذ مدة ليست بالبعيدة،
تلك الحالة من الصراع، تكشف بالملموس وبما يدع مجالا للشك، تشكل تحالف عضوي متين بين قوى الافساد العمومي ورموز الاستبداد السياسي التي كانت تشكل حصنا للنفوذ والتسلط والتحكم في الارزاق والعباد، والتي امتهنت أسلوب الضبط والقهر والطغيان واحترفت منهج قطاع الطرق لا القادة السياسيون، ومن مواقع مختلفة وعلى فترات متباعدة،
الغاية النهائية لتلك الاطراف والقوى، هي محاولة إنهاك تجربة الاصلاح الديمقراطي برمتها التي يقودها العدالة والتنمية باقتدار، في أفق إجهاضها والانقلاب عليها واغتيالها سياسيا ومعنويا بعد الفشل في التشويش عليها وتفخيخها من الداخل ووضع العراقيل والمطبات واثارتها في وجهها، وإنه من الطبيعي في السلوك السياسي لتك القوى وحلفائها أن تتوسل بعديد من الاليات والادوات والفئات المجتمعية، من خلال الاستعمال الانتهازي لاحتجاجاتها والنفخ في معاناتها وتحريف نضالاتها، مع العمل على تهييجها والمزايدة بها.
الدرس الاساسي الذي يمكننا استخلاصه من التحليل السابق، هو أن بعضا ممن يخاصمون التجربة الديمقراطية الوليدة في المغرب، وممن لا يحملون لها ودا ولا يكنون للشعب ولا للاختيار الشعبي الحر أدنى قيمة أو اعتراف بإمكانية هزيمتهم السياسية وهم لا يسلمون لحقيقة تاريخية فاقعة تنبئ بفشلهم الذريع وانحطاطهم المريب،
انهم لم يستوعبوا بعد حقيقة تنكب الشعب عنهم وعقابهم وتجاهلهم، فهم يعملون على الصيد في الماء العكر، ويستثمرون في بعض الاخطاء التدبيرية الصغيرة للفريق الذي يدبر الشأن العام في المرحلة، ليحولوها الى خطايا، ويمعنون في ادارة الصراع السياسي بأدوات غير نزيهة ولا ديمقراطية ولا تحمل قيم المبدئية و المصداقية ولا التخلق و لا الرصانة ولا المسؤولية السياسية وبعيدا عن قيم التنافس الديمقراطي النزيه والخبير.
كل هذا مع الاطمئنان الى كون التجربة الاصلاحية الماثلة أمامنا والتي نعيش على إيقاع بعض أطوارها، تولدت من رحم تجربة ديمقراطية فريدة، وتمخضت عن اختيار انتخابي نزيه، تحصل فيه حزب العدالة والتنمية على المركز الاول لحظة الاستشارة غير المسبوقة في التاريخ الانتخابي في المغرب المعاصر، انتخابات غير المطعون في صدقيتها السياسي.
بناءا على ذلك، يمكننا التأكيد على مسألة حيوية وبالغة الاهمية، تتمثل في ان التحالف الجاري تخليقه وتوليده قسريا، ينبني على هدف جوهري يتمثل أساسا في : الرغبة في معارضة تبلور تحالف سياسي ممكن وعريض بين مكونات التيار الوطني الديمقراطي الاصيل الرافد لطموحات شعبنا في التحرر والانعتاق، ذلك التكتل المجسد للجماعة السياسية الوطنية بكل عائلاتها ومرجعياتها الفكرية والسياسية الاصيلة والمتجذرة شعبيا في وفاق وطني وتشارك في صناعة المستقبل الجامع المبني على المواطنة الكاملة والشرعية الديمقراطية.
من أجل بلوغ ذلك الهدف، فان تكتل الاعاقة الديمقراطية المشكل حديثا –والمتكون من تحالف ظرفي قوامه أربع أحزاب تتمترس بموقع المعارضة المؤسساتية- يعمل بإخلاص على تنفيد المطلوب منه من مهام قذرة، غير ديمقراطية ولا نزيهة، مهام لها صلة بالمشاركة في جريمة إرباك تجربة الانتقال الديمقراطي في مغرب اليوم، في محاولة يائسة منها لاستعادة أدوات عمل النسق السياسي السلطوي، وإعادة عقارب الزمن السياسي بالبلد إلى سابق عهده، بنفس المنهج التحكمي وبنفس التوازنات السياسية المراقبة للمشهد السياسي التي كانت مبنية على ضبط المجتمع والتحكم فيه. كل ذلك يتم بتنسيق محكم ووثيق مع مراكز القوى والنفوذ والجاه، وفي شراكة واضحة مع شبكات المصالح الظاهرة والخفية-كما سبقت الاشارة سلفا-
لكن كل أولئك نسوا أو تناسوا حقيقة تاريخية فارقة وعنيدة في تطورنا السياسي الحديث، تجلت في بداية عصر جديد لعلاقة الدولة بالمجتمع مبنية على المشروعية والتوازن والانبثاق الخلاق لتجربة ديمقراطية تأسست على نداءات الحرية والتحرر، ودشنت لانهيار جدار الخوف وآذنت بتأسيس عصر المشروعية الشعبية، التي أطلقت المجتمع من عقاله وفجرت طاقاته، وأخرجته من الحجر ومنطق الاكراه، بحيث مضى معها زمن التحكم الى غير رجعة.
وهنا وجب لفت الانتباه الى أن تلك القوى لن تستسلم، بالرغم من أن البلاد برمتها تؤدي فاتورة تأخر الاصلاحات بالرغم من أن قوى الاصلاح الديمقراطي الاصيلة تواجه حربًا مستعرة ومستمرة، خصوصا بعد النجاح –وبأقل الخسائر-في إعادة تشكيل أغلبية جديدة وبالتالي توليد الحكومة الحالية، مع تسجيل النجاح الحكيم في عدم تسليم البلاد للمجهول من خلال رهنها لسيناريو الفراغ المؤسساتي، الذي كان يريد البعض من قوى الردة الديمقراطية -التي كانت تراهن على المفاعيل السلبية للتحولات السياسية والاقتصادية الجارية على الصعيدين الاقليمي والدولي- قلت السيناريو الذي كان البعض يريد أن يورط فيه البلد ويزج بها للمجهول.
ومع ذلك، فإنه بالرغم من سقوط جدارات الخوف، وتشكل وعي جديد بالحتمية التاريخية للاصلاح السياسي، والضرورة الحاسمة لاحداث التغيير المجتمعي، والاستجابة العملية لقانونه التاريخي، وبجانب الانبعاث الجديد لحركة الشارع المنطلقة شعبيا، والمطالبة باقرار الاصلاح العميق للدولة، وانجاز مهمة الانهاض الشامل للمجتمع، بالرغم من كل ذلك فإننا نؤكد حقيقة ملازمة للمراحل الانتقالية نفسها تتمثل في انبعاث مقاومات شرسة لحركة الاصلاح تمثلت في بروز تحالفات مناهضة للتغيير، تعمل باليات الدولة العميقة، وتنشط بكل مقدرات الدولة، وهي تحاول جهدها العمل على استعادة ما أسقطته حركات الاحتجاج السياسي، وأساسا حركة 20 فبراير .
فالحرب –إذن-تستعر في كل فترة، لأن شبكة مصالح الدولة العميقة وكل ارتباطاتها وتحالفاتها الظاهرة والخفية، لا يمكن لها أن تستسلم بيسر لمنطق التاريخ، ولا يتصور أن تخضع بسهولة لمنطق الانتقال والإصلاح ، و هي تصعد الخناق على التجربة وقتما تخشى أن تصل إليها يد التغيير وإخضاعها للحساب والتفكيك، بأسلوب ذكي يراهن على الزمن وعلى التطبيع السياسي لقوى الإصلاح بما يراعي موازين القوى الفعلية على الارض.
فكلما اقتربت البلاد من تحقيق الاستقرار السياسي وتوطين السلم الاجتماعي والتوازن المؤسساتي، ذلك الاستقرار الحاضن لتفعيل مسلسل الإصلاحات العميقة والشاملة والمهيكلة، كلما تشعر شبكات المصالح وقوى التحكم ومراكز النفوذ التي سطت على تدبير الحياة العامة في السابق، بالخطر أكثر، وكلما تحرك قطار الاصلاح إلا وتشعر هي معه بالتهديد الجدي لمصالحها ولتحالفاتها، لذلك فهي تنظم المقاومة ضد الاصلاح ورموزه وبرامجه وخططه، وتتحرك غريزيا للدفاع عن أسلوبها في الوحيد في البقاء المبني على الفساد والتحكم والاستفراد والاستبلاد، وهذا ما يبصرنا بحقيقة تحريكها لاليات الاعلام والقضاء والادارة وو،
الاستقرار الذي نعنيه هنا، هو البيئة السليمة والحيوية للاصلاح الشامل، والاصلاح العميق والشامل، هو وحده من سيجعل المغرب ينفصل عن مخطط الجمود الذي يبشر به تكتل الفساد وتحالف الاستبداد، وهو وحده من سيحجبنا عن الارتهان لزمن تمكن التسلط والاحتكار من التلبس بنظامنا السياسي والاقتصادي، الذي كان قيد التشكل في مرحلة التحكم السابقة على الانتفاضة المباركة العارمة التي اعترت العالم العربي برمته.
من اللازم الانتباه، إلى أن نخبة الدولة العميقة أو الموازية -في تعبير مميز للأستاذ أفتاتي-استطاعت توظيف العديد من القوى السياسية وبعض من الكائنات الحزبية الشاردة عن الجماعة الوطنية، لتشكل لها غطاءً سياسيًا-ثلاثي إعطاب الانتقال الديمقراطي، هنا نلمح إلى الجبهة الجديدة التي هي قيد التشكل- وجعلت العديد من وسائل الإعلام الورقي السيار والالكتروني الرائج، بما فيها وسائل عمومية مملوكة للدولة، توفر لها غطاءً إعلاميًا يوفر لها الدعاية وإمكانية التسويق.
وهي ذات القوى التي عملت في السابق، على انتهاز فرصة الانقلاب في مصر خصوصا وموجة الردة الديمقراطية والنكوص السياسي التي طالت الربيع العربي عموما، لمحاولة الانقضاض على التجربة الديمقراطية الإصلاحية التي يقودها العدالة والتنمية، بنسفها والتشويش عليها وتفكيكها والتشكيك في فعاليتها .لكن هيهات.
لزم التشديد على أن بعض تلك القوى المضادة للتغيير التراكمي الهادئ، والتي تخاصم قوى الإصلاح الديمقراطي الحقيقي بقيادة العدالة والتنمية ، أصبحت تجد في الدولة العميقة والموازية و في شبكة النفوذ والتحكم والمصالح التي هيمنت في الوضع السابق، حليفا طبيعيا وشريكا عضويا.
لقد وجدت فيها –إذن-السند الوحيد لها، وأصبحت تراهن على استعادة ذات نمط التدبير والهيمنة على الشأن العام وعلى مفاصل الدولة، لمواجهة الحضور السياسي البارز لقوى التيار الوطني الديمقراطي الاصيل، والاهم لمنطق الإصلاح وثقافته.
وهنا وجب الانتباه الى أن هنالك جهات عديدة من مصلحتها العمل على عرقلة الإصلاح المنطلق، وهي من مصلحتها إعاقة التنزيل الديمقراطي للدستور، و نحن نراها الآن تنحاز لتأويل محافظ غير ديمقراطي للدستور-بالرغم من كثير من ملاحظاتنا عليه-
هي تحاول ذلك، ببساطة حتى لا تبدأ مرحلة استقرار حقيقية، تفضي الى رؤية ثمار الاصلاح الحقيقية تصل الى شعبنا، فقرائه وقراه وهوامش مدنه وطبقاته المهمشة ومجاله المستبعد من دورة النمو.
وهي نفسها تراهن على إحداث الارباك العام في المجتمع، حتى تبقى البلاد رهينة في أيديهم جامدة على مستوى مربع المرحلة الانتقالية التي يتمنون لها الدوام والاستطالة، على أمل أن يتمكن رجالات الدولة العميقة وحلفائهم الطيعون، من استعادة السيطرة على كامل مفاصل الدولة والمؤسسات الحيوية للمجتمع، وبالتالي إدامة السيطرة على توجيه القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، وتشكيل النظام السياسي والاجتماعي وفق الهندسة التي يريدون ويحلوا لهم إخراجه على منوالها في حلة جديدة وبديلة تتجاوز منطق الاصلاح الديمقراطي، بل تتجاوز حتى الصيغة الدستورية التي تبلورت من خلال الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011.
بكلمة جامعة، وبالنظر لكل ما سلف تحليله، فإننا أصبحنا ندرك أكثر من أي زمن مضى أننا أمام معارك وجودية متعددة جبهات –في حرب ممتدة مع الفساد والاستبداد- معارك رئيسية وجانبية، سترهن قضية الاصلاح الديمقراطي الشامل في البلد لزمن آخر،
فنحن الآن وفي هذه الأيام نشهد واحدة من أخطرها، هي معركة من قبل الخصوم الطبيعيين للاصلاح والبلاد معا، معركة تستهدف تجربة الاصلاح الديمقراطي برمتها، من خلال الرهان على إنهاك قوى الاصلاح الحقيقية في معارك هامشية وإلهائها في أخرى جزئية على حساب المعركة الاساسية من أجل النهضة،
إنهم يريدون شغلنا عن هم التنمية والحرية والعدالة والاجتماعية والكرامة الانسانية والمواطنة الكاملة ووو، حتى ولو كلفهم الامر سقوط الدولة القاتل في الجمود السلطوي البائد أو الانتظار الذي يرهن المجتمع ويكبح طاقاته الفاعلة ويعطل مقدراته المنتجة،
إن القادة الكامنون في الخفاء والزعماء الظاهرون على السواء لهذه الحرب الدائرة والمستعرة على الاصلاح، لا يهتمون الا لاجندتهم البئيسة ولنزواتهم المغرورة والمغرر بهم من خلالها، إنهم لا ينصاعون إلا لمن يخدم منطقهم السلطوي التحكمي المتخفي والمعلن.
وجب الحذر والانتباه الى طبيعة المعركة كما هي متجلية في واقع الصراع حول الاصلاح الديمقراطي، لكي لا نخطئ العنوان والاتجاه والخصم،
فالخصم اللدود في هذه المعركة، هو بنيات الفساد وتحالف الاستبداد وشبكات المصالح وراكز القوى والنفوذ، ورموزها جميعا،
فالمعركة تدار مع القوات الشعبية وبمنطق النضال الديمقراطي الصبور والجسور والمشارك، منطق العمل السياسي النضالي من داخل المؤسسات، بمنطق الممارسة الفاعلة، والشراكة الوثيقة، والتعاقد السياسي، لكي لا تصبح البلاد رهينة ومستأجرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.