بدأت عملي في إقليمشيشاوة في وسط قروي تقطنه ساكنة فقيرة وإمكانياتها المادية محدودة جدا. ولإتمام العلاج الطبي للمريض كنت أطلب بعض التحاليل والأشعة أوأقوم بإرساله إلى أخصائي. لكن العائق الكبير الذي كان يواجهني بل كان يواجه كل الأطباء العاملين في القطاع العمومي هو عدم تمكن المرضى من إتمام العلاج بسبب عدم توفر الإمكانيات اللازمة. وعند إعطاء الانطلاقة لنظام المساعدة الطبية للفئات المعوزة استبشرنا خيرا نحن الأطباء والممرضين لأنه سيصير بأمكاننا متابعة العلاج للمرضى الفقراء الذين صاروا يستفيدون من مجانية خدمات القطاع بما فيها العمليات الجراحية... و لكن بعد بدء العمل بهذا النظام وتوزيع البطاقات على المستفيدين ظهرت مشاكل عديدة في عدة مستويات وسأتحدث في مقالي هذا على المشاكل التنظيمية التي أساسها عدم توعية الناس وإعلامهم بطريقة الاستفادة من بطاقة الراميد وخصوصا في ما يخص ضرورة اتباع واحترام مسلك العلاجات الذي يبدأ من المركز الصحي أولا و ينتهي إلى المستشفى الجامعي مرورا بالمستشفى المحلي والإقليمي. فالمرضى مثلا يشتكون من عدم تقديم الأدوية في المستشفى بعد الفحص الطبي في قسم المستعجلات، وفي الحقيقة هذا إشكال كبير يضع الطبيب و الممرض في مواجهة يومية مع المرضى... فعلب الأدوية هي أساسا غير موجودة في أقسام المستعجلات لأن هذه الأقسام وكما هو معلوم مخصصة لاستقبال الحالات الطارئة التي تستدعي تدخلا سريعا ينتهي في معظم الأحيان بالاستشفاء أو الجراحة وهنا يستفيد المريض من المجانية. أما الفحوصات الطبية العادية فهي تكون في المراكز الصحية حيث يقدم الدواء للمريض بعد الفحص. إذن فالإشكالية تكمن أساسا في التوجه الخاطئ للمريض فللمركز الصحي دوره وللمستشفى دوره ولا يجب الخلط بينهما لأن ذلك سيؤدي وكما هو الحال في مستشفياتنا إلى اكتظاظ كبير في أقسام المستعجلات مما يحول دون التدخل المناسب والسريع في الحالات الطارئة... والمرضى يشتكون أيضا من ساعات الانتظار بل وأيام الانتظار أمام أقسام التحاليل والأشعة والتي صارت وفي كثير من الأحيان كما هو الشان بالنسبة للسكانير تعطى بالمواعيد. و إذا نظرنا في سبب هذا الاكتظاظ والتزايد في الطلب على هذه الفحوصات سنجد من بين الأسباب بل وربما من أهمها هو أن اصحاب بطاقة الراميد صاروا يملون على الطبيب ويفرضون عليه إعطاءهم الوصل لإجراء هذه الفحوصات دون ترك الفرصة للطبيب ليقوم بالفحص السريري المناسب والبحث إن كان المريض في حاجة فعلا إلى ذلك الفحص أو إلى فحوصات أخرى...هي معاناة يومية يعيشها الأطباء وخصوصا منهم العامون الذين لا يجدون بدا إلا تحقيق رغبة المريض في ظل إصراره المتزايد وهذا ما يضيع على المريض نفسه وعلى غيره فرصة التكفل المناسب بحالته الصحية وصراحة أقول أنه إذا استمر الأمر على هذا المنوال فإن الفاتورة ستكون ثقيلة جدا ... لذا وجب على كل الأطراف وعلى رأسهم وزارة الصحة أن تقوم بالإعداد لحملات إعلامية توعوية ترشد صاحب بطاقة الراميد إلى الطريقة الصحيحة للاستفادة منها وإلى ضرورة اتباع مسلك العلاجات وإلى الثقة أكثر في تعليمات الاطباء والممرضين. ذلك كله ليتم الحفاظ على هذا المكسب الثمين الذي نخشى ضياعه إذا بقي الحال كما هو عليه.