انتقد مختصون في مجال الفيلم الوثائقي الوضعية التي يعانيها هذا الفيلم الوثائقي بالمغرب، متهمين المؤسسات المعنية بالإهمال الكبير لهذا المجال الحيوي والاستراتيجي على الرغم من توفر المغرب على مواد خام للاشتغال لا حصر لها سواء تعلق الأمر بالبعد التاريخي، أو بالتنوع الثقافي وغيرها من المواضيع حسب ذات المختصين. المشاركون في الندوة الدولية حول " الفيلم الوثائقي وسؤال الهوية " المنظمة بالرباط أول أمس السبت، تأسفوا لواقع تجاهل الفيلم الوثائقي بالمغرب بالمقارنة مع نظيره التمثيلي، وبالنظر لحيويته في الدفاع عن هوية المملكة المغربية والترويج لها، وأيضا أمام الغنى المسجل في المواضيع. وعقب الندوة تم توزيع شواهد المشاركة في الدورة التكوينية حول صناعة الفيلم الوثائقي من الفكرة إلى الشاشة والتي نظمها مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير بالرباط، بتنسيق مع شركة إبداع للإنتاج السمعي البصري في الفترة الممتدة ما بين 13 و24 من شهر يناير الجاري، كما تم عرض الفيلمين الوثائقيين القصيرين "شيكلينكس" و"حالة احتقان" اللذان أعدهما المشاركون في الدورة تحت إشراف رئيس قسم البرامج والتدريب بمركز الجزيرة الألماني من أصل فلسطيني حسام وهبة. وبالعودة لندوة الفيلم الوثائقي، قال عبد الله أبو عوض أستاذ مادة الفيلم الوثائقي بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، إن المغرب لم يستطع بعد أن يضع يده على الفيلم الوثائقي، وأنه لا نكاد نجد فيلما وثائقيا واحدا عن ثمان قرون من الحضارة الأندلسية مثلا، وكذلك على المستوى التاريخي لا معالجة لتاريخ المغرب والأسر التي تداولت على حكمه، ولا عن فلسفة التعايش بالمغرب بين مختلف مكونات الهوية المغربية وروافدها، وذكر في هذا الصدد بكون قصة "ماوكلي" و"طرزان" مأخوذة من ابن طفيل الأندلسي. وخلص إلى أن الثراء الكبير في المواضيع يقابله إهمال كبير في الاهتمام بالفيلم الوثائقي بالمغرب. وعن تفسيره لهذا الغياب حمل أبو عوض المسؤولية للمؤسسات المعنية بالتقصير لأن هذا البعد، يتابع المتحدث، ينبغي أن يكون ضمن اهتمامات وزارة الاتصال والمركز السينمائي والمؤسسات التعليمية، وذكر صاحب المهرجان الدولي "أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي" بأصيلة، أن مساحة الصورة في ذهن الإنسان تأخذ ثلاث سنوات عكس الفكرة التي لا تتعدى 24 ساعة، حسب السينمائي "جيرون". ومقارنة بين المغرب والمشرق، أكد صاحب كتاب "مقدمة في صناعة الفيلم الوثائقي" أن المشرق سبق المغرب في الاهتمام بالفيلم الوثائقي فوظف ذلك في مواضيع الهوية، وتابع بالمغرب لا اهتمام بذلك للفقر الشديد في صناعة الصورة وترسيخ ثقافتها وليس بسبب غياب المواضيع لأن هناك غنى كبير ومتنوع، واعتبر أن الترويج للهوية المغربية من خلال الوثائقي بالمغرب منعدم. أبو عوض نبه أخيرا إلى أنه وقبل تحديد الهوية الداخلية بصريا من الخطورة التوجه للخارج لأنه سيعني الضياع. من جانبه، قال الحبيب ناصري، مدير المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، إن الفيلم الوثائقي بالمغرب والعالم العربي مازال يحبوا ويعيش واقعا هجينا، وأنه تتجاذبه ثلاث خطابات؛ أول يتجه نحو التغريب وثاني تقليداني وثالث اعتبره الأهم لكونه خطابا تفكيكيا ينصب على الذات للتطوير والتنمية. الناصيري أكد في الندوة التي نظمتها شركة إبداع للإنتاج السمعي البصري واحتضنها المعهد العالي للإعلام والاتصال، أن الوثائقي يمكن المراهنة عليه ليكون مدخلا سمعيا بصريا لطرح الكثير من الأسئلة وتوسيع دائرة النقاش، معتبرا "الوثائقي رؤية فنية إنسانية بقيم جمالية"، وأن المطلوب مؤسساتيا تعميق ثقافة الصورة وتشجيع البحث العلمي في هذا المجال وترسيخ الموضوع في المدارس، وذكر في هذا الصدد، حسب خلاصة بحث، أن 98 من الأساتذة لا يطرحون سؤالا حول الصورة على التلاميذ بالمدارس، وقال إن المدرسة المغربية معزولة عن ما هو سمعي بصري، وتساءل ناصري هل نمتلك مشروع ثقافي بالمغرب؟ الأستاذ الجامعي سجل ضمن هذا النقاش أن التلفزيون عموما وبالمغرب تحديدا يلعب دورا خطيرا في هدم الذوق، وأنه أصبح يمارس العنف بشكل يومي معتمدا حكاية نسبة المشاهدة وهي أرقام مضللة وتوظف بشكل خطير حسب الناصري، بدل دورها الأساسي والمحدد في السمو بالذوق والتربية الجمالية والوصول بنا لحالة التطبيع مع الصورة. حسام وهبة، خريج أكاديمة السينما بألمانيا والمدرب في مجال الفيلم الوثائقي، قال إن التفاصيل الصغيرة تصنع الهوية بصريا، وذكر في هذا المجال صورة هزته بالحي البرتغالي بمدينة الجديدة عندما لمح مدفعا تاريخيا مقلوبا ومكتوب عليه عبارات عن الحب والغرام وهو ما قدم له صورة حول الاهتمام الرسمي بالهوية ومثل هذه الأمور النفيسة. واعتبر المدرب بمركز الجزيرة الإعلامي أن هناك تقصير كبير في هذا المجال، وأوضح أن الفيلم الوثائقي يعد مدخلا مهما لحماية تاريخ المغرب وهويته. المدرب الدولي في مجال الفيلم الوثائقي، قال إن هذا الأخير يقرب بين الشعوب ويقدم صور إنسانية مشتركة، وذكر أن للمغرب خصوصيته التي تميزه عن المشرق لكننا نشترك في الهموم والتطلعات. حسام وهبة أشار بدوره، إلى النقص الحاد الحاصل في موضوع الفيلم الوثائقي بالعالم العربي، وذكر أن مشاركات المغرب العربي بالمهرجانات الدولية والعربية قليل جداً، ودعا في هذا الصدد، إلى ضرورة الاهتمام بالفيلم الوثائقي، معتبرا أن جل ما يقدم اليوم هو عمل وثائقي مشوه لأنه أقرب للعمل الصحفي منه للوثائقي.