ثمة حاجة على التوقف عند حادث الاعتداء على السيد نبيل بن عبد الله وزير السكنى بأسا الزاك، والذي أصيب من جرائه بإصابة خفيفة في الرأس، إذ ليست هذه هي الحالة الأولى التي يتم فيها التعرض للوزراء والاعتداء المادي أو المعنوي عليهم، فقد سبق أن حوصر رئيس الحكومة من قبل مجموعة من المعطلين في 18 شتنبر الماضي، وتم اعتراض سيارته، ومهاجمته بسيل من السباب والشتم، كما تعرض الدكتور الحسين الوردي لتهجم صيادلة وسط البرلمان، وتم تهديد ابنته كما أفادت بذلك بعض وسائل الإعلام، كما تعرض عزيز رباح، لهجوم بالسب والشتم والقذف ونسف نشاط خطابي بسيدي سليمان. الظاهرة خطيرة، تبرز مؤشراتها الأولى أن ظاهرة تبني العنف كوسيلة للتعبير أو الاحتجاج أو التغيير، لا زالت تسكن شرائح ومجموعات منظمة داخل المجتمع المغربي، وأن الاستهداف لا يخص فقط الوزراء، حتى لا يسارع البعض بتفسير ذلك على أنه تعبير عن انسداد الأفق، واستنفاذ الخيارات الأخرى لأغراضها، فقد تم استهداف شخصيات لا علاقة لها بالسلطة لمجرد خلاف في الرؤية أو الفكر، مثل ما وقع مؤخرا للمقرئ أبو زيد الذي تعرض للتهديد بالقتل، وعاشت أسرته كابوسا مخيفا بسبب تواتر التهديدات التي لم تستثن أحدا منهم، بل توعدت مجموعة متطرفة من نشطاء أمازيغ عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالتصدي له وعرقلة نشاط له بمدينة الحاجب، ونفذت ذلك بالهجوم على النشاط وهي حاملة للأعلام المتبناة من طرف النشطاء الأمازيغ، والاعتداء على أحد منظمي النشاط بالضرب في الوجه. والحقيقة، أن هناك مفارقة كبيرة يستعصي فهمها اليوم بأدوات التحليل التقليدية، ففي الوقت الذي أصبح فيه الوزراء متاحين للرأي العام، يسهل الوصول إليهم بسلاسة، ويتواصلون بشكل كثيف وفي كل التراب الوطني، أصبحت ظاهرة استخدام العنف في التعامل معهم أمرا طبيعيا وعاديا، كما ولو كانت رياح التغيير التي مست بنى المجتمع، لم تؤهله لإنتاج سلوك آخر في وجه التحول الذي حصل على مستوى شكل تفاعل الوزراء مع الرأي العام. المفروض، أو هكذا التقدير، أن اقتراب الوزراء والشخصيات العامة من الرأي العام، وتفاعلهم المباشر من غير حواجز مع المجتمع، يساعد المجتمع أكثر، حتى في الحالات الاحتجاجية، على إنتاج سلوكات راقية في التعبير وليس الانجرار إلى هذا الأسلوب الشنيع الذي لا يليق بأخلاق المغاربة وقيمهم الحضارية. الخطورة، أن هناك اليوم، من يسعى إلى التبرير والتماس الذرائع للتهرب من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة التي تمس بهيبة الدولة والمؤسسات. والحقيقة أنه مهما يكن الخلاف في تقدير الشروط التي توفرها السياسات القائمة، وحجم استجابتها للتطلعات، والمشاعر التي تحملها الفئات التي تشعر أنها كانت خارج اهتمام هذه السياسات، فإن قضية رفض العنف وشجبه والتصدي له، لا يمكن أن تصير نقطة خارج الإجماع، فيصير العنف مباحا حينما يتعلق ألأمر باستهداف منتجي السياسات، وحراما حينما يتعلق الأمر بالذين يعارضون هذه السياسات. العنف خط أحمر، ورفضه والتصدي له، يشكل النقطة الأولى في المجال العام، السياسي والمدني، ومسؤولية رجال الأمن والقضاء كبيرة في الضرب بيد من حديد على كل من يحاول أن ينقل البلطجة ويحقنها في المجال العام السياسي أو المدني. اليوم، نحن أمام مفترق طرق خطير، يفرض التدخل كي يستمر المجتمع في لعب دوره في تأطير الاختلافات الداخلية في جو من الحوار والتسامح والاختلاف الديمقراطي، حتى لا يسود العنف كل الواجهات، ويصير المجتمع عاجزا عن تدبير التعدد والثراء الذي فيه، وحينذاك تصير حالة الاستقرار في مهب الريح. للمغرب تجربة عريقة في التفاهم والتسامح والحوار والاختلاف أيضا، والخشية أن تنتقل عدوى البلطجة من سياقات أخرى إلى معادلتنا الاجتماعية، لأن الكارثة التي ستنجم عنها لن تتوقف عند إحداث شروخ خطيرة في المجتمع، بل قد تؤدي إلى انهيار هيبة الدولة وحرمة المؤسسات. لذلك، المسؤولية اليوم ملقاة على الجميع، وبشكل أخص على مكونات المجتمع المدني بجميع حساسياتها، لكي تضطلع بدورها في تحصين إشاعة ثقافة السلم والحوار الديمقراطي في تدبير الاختلاف.