● ما هي قراءتكم التاريخية لمسار إصلاح التعليم بالمغرب؟ ❍ ورث المغرب في فجر الاستقلال تعليما مبلقنا أملته العقلية الاستعمارية التي سنت سياسة تعليمية كانت تهدف إلى إخضاع الأذهان، بعد أن نجحت في إخضاع الأبدان، وإعداد نخبة مغربية مستعدة للدفاع عن المصالح الفرنسية في المغرب عندما يحين وقت الرحيل. وقد كانت هذه النخبة بحكم تكوينها في التعليم الفرنسي هي المؤهلة أكثر من غيرها للإمساك بمقاليد الأمور بعد الاستقلال، لكن مزاحمتها من طرف نخبة أخرى أفرزها ما كان يسمى بالتعليم الإسلامي وبالتعليم الحر لم يترك لها كامل الحرية لتقرير مصير المنظومة التربوية المغربية الناشئة، حسب ما تمليه مصالحها. لكن القوة التي كانت تسندها آنذاك ساعدتها على الحد من مفعول الشعور الوطني العارم الذي كان يسود في المجتمع من خلال رهن المنظومة بشعار المبادئ الأربعة الذي كبل الفكر المغربي طيلة عقود وجعله يدور في حلقة مفرغة، شكلت فلك جميع الإصلاحات التي عرفها النظام التعليمي المغربي، التي ظلت مجرد ردود أفعال على أحداث داخلية أو توصيات خارجية يحركها بالخصوص هاجس التوازنات الماكرواقتصادية. وهكذا كانت السمة الأساسية لكل الإصلاحات التي سبقت الميثاق الوطني للتربية والتكوين هو أنها كانت إصلاحات جزئية لم تتناول المنظومة التربوية كنسق متكامل تنبغي مقاربته بطريقة شمولية. كما شابها التسرع في اتخاذ القرارات التربوية دون تخطيط مسبق، باستثناء المخطط الخماسي 1964-1960 الذي لم يتم تفعيله كما تم التخطيط له، ودون رؤية مستقبلية واضحة، مع السقوط غالبا في فخ جبر الخواطر بدل الحسم في الإشكالات الكبرى للمنظومة التربوية. وإذا كان الميثاق الوطني قد نجح نسبيا في تفادي المقاربة التجزيئية للمنظومة فإنه بالمقابل فشل في التخلص من ثنائية التسرع وجبر الخواطر. ● أين يكمن الخلل في اعتقادكم؟ ❍ يمكن إجمال أهم مكامن الخلل في الإصلاحات التعليمية التي عرفها المغرب في خمسة عناصر. أولا، عدم الحسم في الرؤية المستقبلية للبلد من خلال الإجابة بوضوح عن سؤال المشروع المجتمعي. ثانيا، عدم وضع خطة مستقبلية للمنظومة التربوية تجعلها في خدمة المشروع المجتمعي الضامن للعدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة. ثالثا، غياب استراتيجية لقيادة التغيير تهتم بالعنصر البشري كرافعة أساسية للإصلاح يحتاج إلى العناية اللازمة ماديا ومعنويا. رابعا، هيمنة المقاربة التنازلية جعل جل الإصلاحات غير قادرة على ولوج الفصول الدراسية بسبب قصور في ثقافة الإشراك. خامسا، غياب منظومة متكاملة للتقويم المؤسساتي تمكن من تتبع مراحل الإصلاح والتدخل لضبط إيقاعه ومحاسبة من تقاعس في أداء مهامه. ● ما تصوركم للمسار الصحيح في ظل الإجماع على فشل كل تجارب الإصلاح على مدى خمس عقود؟ ❍ نرى في جمعية أماكن أنه حان الأوان للتفكير بمنطق جديد في أنجع السبل لإرساء مدرسة الغد، منطق يتسم بالنسقية والعمق والتشارك، والإلمام الواعي بالاتجاهات الدولية في المجال التربوي وباقي المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. أما الرؤية المؤسسة لتصورنا، فتتمثل في جعل بلدنا عنصراً مؤثراً في الحضارة الإنسانية بفضل نظام تربوي يساعد كافة المواطنات والمواطنين على تحقيق ذواتهم وإسهامهم في تطوير البلد. على أن تكون المدرسة التي يأملها المجتمع مؤسسة دينامية اجتماعياً وثقاقياً، تقوم بإعداد أجيال الغد بروح وطنية تتأسس على غرس بذور القيم الأصيلة من أجل تعزيز حس الصالح العام، وبحنكة قوامها إكساب معارف وكفايات تثمر مواطنين قادرين على رفع مكانة البلد بين الأمم.وقد ارتكز التصور على مقاربة تتبنى مفهوم ‘'المدارس الأربع'' كإطار عاملمدرسة الغد الوطنية. وتم التركيز، ضمن النموذج الذي تم اعتماده، على خمسة مكونات كبرى تعتبر أساسية في هندسة أية منظومة للتربية والتكوين، ويمكن اعتماد مضامينها كموجهات/إطار، يشمل المرجعيات المشتركة ويحدد كيفية ملاءمتها مع مقومات بلدنا الثقافية منها والسوسيو اقتصادية، لإعادة نظر جذرية في منظومتنا. وتتمثل هذه المكونات تحديداً في وظائف المنظومة ومهامها، والموارد التربوية، والموارد البشرية، والحكامة والشراكة والتمويل، وسيرورات الاشتغال.