في كل سنة ومع حلول رأس السنة الهجرية يثار سؤال كيف يحيي المغاربة هذه الذكرى في واقعهم وكيف ينبغي أن يحيوها؟ و تؤكد مختلف الأشكال التي يحيي بها المغاربة هذه المناسبة رسوخ ارتباطهم بالإسلام وتاريخه. ومع طغيان توجه حول المناسبة إلى مجرد عطلة بين العطل ومناسبة يتم فيها إعادة ما تم قوله وفعله في السنوات الماضية، تؤكد طبيعة المناسبة ضرورة ترشيد إحياء هذه المناسبة بما يحافظ على دلالاتها التاريخية والدينية، وبما يجعل منها محطة تقييم وتقويم مستمرة لتدين الأفراد والمجتمع على السواء. «التجديد» استقت آراء الداعية محمد عزالدين توفيق و عبد الرحمان العمراني أستاذ الفقه الإسلامي، في الموضوع مساهمة في التنوير والترشيد. قال الداعية محمد عزالدين توفيق إن اقتراب نهاية عام هجري وبداية عام هجري آخر، فرصة لكل مسلم أدرك الأيام الأخيرة من العام المودع أن يقوم بمراجعة ومحاسبة نفسه، ينظر من خلالها حصاد العام ويتتبع ما كان فيه من اختلالات ونقط ضعف حتى يضمنها مخططه للعام الجديد، مبرزا أن المسلم يحاسب نفسه باستمرار، مفيدا أن هذه المناسبة السنوية من المحطات التي يمكن اغتنامها لإجراء المحاسبة المذكورة لقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ» وقوله أيضا «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ»، مضيفا وبما أن هناك محاسبة ستجرى وقائعها يوم القيامة، فلا يمكن الغفلة عنها حتى يفاجأ بها الإنسان، بل عليه أن يحاسب نفسه في الدنيا ليتهيأ ويكون معه جوابه وفي يده حجته عندما يسأله ربه، قائلا «والذي يحاسب نفسه ينبغي أن يحاسبها حسابا إيجابيا، وأن يمضي بعد ذلك إلى تخطيط يجسد طموحاته للعام الجديد، وأن يوطد العزم وأن يجعل من العام الجديد أفضل وأحسن من الذي قبله». أما الأمر الثاني الذي ينبغي تذكره عندما يحل العام الجديد -حسب توفيق- أنها المناسبة التي يؤرخ بها المسلمون والمتمثلة في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، «والتي اختارها الخليفة الراشد سيدنا عمر ليؤرخ بها المسلمون»، موضحا أن هناك هجرة قسرية نذكر بها مرور عام وحلول عام جديد، وهجرة إرادية هي ثمرة النظر والتأمل والتفكر في رحلة الحياة، مفسرا «فإذا كنا جميعا مهاجرون في هذه الدنيا ومسافرون ولا يبقى أحد، كلنا سنرحل فلتكن لنا هجرة اختيارية إلى الله ورسوله»، «كما أننا مهاجرون اضطرارا فلنكن مهاجرون اختيارا، ننظر أفضل ما نتزوده في رحلتنا هذه فنحمله وندع ما سواه»، مضيفا أن الصحابة الأجلاء ومعهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما هاجروا من مكة إلى المدينة فإنهم تحولوا من دار الكفر إلى دار الإسلام، وتركوا ديارهم الأولى وانتقلوا إلى دار الهجرة حتى يقيموا دينهم وحتى تزول عنهم الفتنة ويجتمعوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويطيعوا الله ورسوله، قائلا «وهذا المعنى الاختياري باق إلى يوم القيامة، الهجرة إلى الله تعالى بالإقبال عليه وتوحيده وإخلاص العبودية له، والهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، بالسير خلفه والتفقه في سنته والاقتداء بهديه». حقيقة الهجرة من جهته، يرى عبد الرحمان العمراني أستاذ الفقه الإسلامي في تصريح ل«التجديد» أن الاهتمام بالسنة الهجرية يظهر في عدة أمور أحدها أن هاتين الكلمتين «السنة الهجرية» يبعث على التنبيه إلى البحث عن لفظة «الهجرة» من حيث معناها وسببها ومكانها وظروفها ومشاهدها، والثاني أنه يكشف للباحث المسلم التضحيات التي بذلها الصحابة المهاجرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل حفظ دين الإسلام ونشره حتى وصل إلينا وانتشر في الأرض، «وفي ذلك تنبيه له إلى الاقتداء بهم في الثبات والدعوة والصبر»، والثالث أن مجرد الحديث عن قرب انتهاء سنة 1434ه ودخول سنة 1435 ه يدل أن للمسلمين تاريخا يمتد إلى قرون تمثل ماضيهم بما تضمن من محطات جديرة بالاهتمام والافتخار، «لأن الأمة التي لا تاريخ لها لا تستطيع أن تصمد». وأبرز العمراني أن الهجرة هي في حقيقة الأمر جاءت نتيجة إخراج المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بلدهم، فقد خرجوا منها على غير رغبة منهم، ويدل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج منها قال «أما إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» وهذا شيء مهم يجب أن يقف عنده أهل الدعوة إلى الله، أنهم اختاروا طريق الرسل بتوفيق من الله، مضيفا أن السنة التي جرت في معاملة أقوامهم لهم أن يخرجوهم من بينهم، وكان هذا أول ما بينه ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة كما جاء في صحيح البخاري أنه قال له «يا ليتني فيها جذعا، أكون حيا، حين يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو مخرجي هم؟» فقال ورقة «نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي». وقد أكد القرآن هذا الأمر حسب العمراني في قوله تعالى «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا»، مضيفا وبه يظهر أن رسل الله في دعوتهم تحملوا الأذى، وأقساه ما تعرضوا له من إخراج من بلدهم من طرف أعداء الدين من قومهم وأقربائهم، قائلا «فهذا مما ينبغي استحضاره دائما في سياق الحديث عن السنة الهجرية الجديدة». الهجرة ليست عيدا من جهة أخرى، أفاد الدكتور محمد عز الدين توفيق في تصريح ل«التجديد» أن مناسبة الهجرة ليست عيدا من الأعياد بالمعنى الشرعي، ولكنها ذكرى إسلامية ترجع بالمسلمين إلى هذه المحطة الفاصلة بين مرحلتين من تاريخ الإسلام، وقد خلد الله تعالى هذه الهجرة في موضعين من كتابه «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»، والموضع الآخر قوله تعالى «»وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ». وأوضح المتحدث أن دروس الهجرة دروس مفتوحة متنوعة لها تعلق بالحاضر والمستقبل، مثلما كان لها تعلق بالماضي، قائلا «ولكن عندنا والحمد لله أحداث وعندنا دروس»، مفسرا فالأحداث هي ثابتة والدروس متجددة، ويحتاج المسلمون أن يتذكروا الأحداث أولا، حتى يعلموا الذي وقع بالضبط، ويعلموا أن الله تعالى نصر نبيه بهذه الهجرة وسماها نصرا، وثانيا ليعرفوا دلالة هذه الأحداث، وهذا والحمد لله ما يسمعونه ويقرءونه ومن خلال كل ما يجري من أحاديث وأبحاث ومواعظ وخطب تتخذ من الهجرة موضوعا لها، يضيف المتحدث. لا شعائر خاصة باليوم ونبه الداعية عز الدين توفيق إلى أن أفضل صورة للاحتفال بالسنة الهجرية هي التحدث عنها، قائلا «ولا بأس أن نستعرض ما تم إنجازه خلال السنة التي توشك على النهاية، وأن يتم التأكيد على ضرورة اعتماد التقويم الهجري واستعماله وتقديمه على غيره من التقويمات التي توجد عند الأمم الأخرى»، مؤكدا أنه ليس هناك شعائر أو طقوس خاصة بهذا اليوم من أيام الله تعالى سوى أنه بداية شهر جديد وبداية عام جديد علما أن شهر محرم من الأشهر الحرم، ويقول المتحدث «لم يكن لبداية العام تعاليم دينية معينة حتى يعتمدها المسلمون»، موضحا أنه لا بأس بتبادل التهنئة بحلول العام الجديد والحديث عن الهجرة كذلك، والحديث عن ضرورة المحاسبة واغتنام بداية السنة للحديث عن إنجازات العام المنصرم، كل هذا والحمد لله من أمور العادات وليس شعائر أو طقوس دينية لأن الشعائر والطقوس لا بد أن يكون لها أصل والله أعلم، يضيف المتحدث.