خلصت دراسة حول «التوفيق بين الحياة المهنية والحياة الخاصة» أنجزتها وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، بشراكة مع هيئة الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والمنظمة الألمانية للتعاون، إلى وجود فرق بين الرجال والنساء في ما يخص إشكالية التوزيع بين الحياة المهنية والحياة الخاصة، إذ تؤثر المسؤوليات المهنية سلبا على الحياة الخاصة لدى أكبر شريحة من الرجال، بينما أكدت النساء المستجوبات أن مهام الحياة الخاصة تعرقل مسيرتهن المهنية. وأكدت الدراسة-تتوفر «التجديد» على نسخة منها- أن المسؤولية العائلية تجعل الرجل يضاعف من الأنشطة المهنية لتحسين الوضعية وتكريس الدور التقليدي، بينما تضطر الموظفات المتزوجات إلى ترجيح كفة العائلة عند فشلهن في التوفيق بين الحياة الخاصة والعمل، فيما تمثل القوانين المنظمة للعمل وتدبير الموارد البشرية وخطاب الحياد حول شروط الترقية المبنية بالأساس على المردودية والفعالية والاستحقاق، (تمثل) عوامل مجحفة تجاه النساء لأنها لا تعتد بتصورات المجتمع التي تعتبر النساء وحدهن المسؤولات عن تحمل كل أعباء البيت ورعاية أفراد العائلة. واعتبر الموظفون الذين شملهم البحث مسألة التوفيق بين الحياة المهنية والحياة الخاصة شرط حقيقي لتحديث الوظيفة العمومية، وعلى أساس هذا التلازم تم اقتراح مجموعة من التدابير منها، اعتماد توقيت عمل مرن يراعي خصوصيات المسؤوليات العائلية، توفير تجهيزات اجتماعية (روض ومدارس للأطفال)، تم تحسيس المسؤولين بالتحديات والرهانات التي يفرضها التوفيق بين الشأن الخاص والشأن العام، واعتبار بأن الآباء يتشكلون من الرجال والنساء، مما يتعين معه مراعاة الصور والممارسات النمطية التي تعتبر النساء المسؤول الوحيد لتحمل أعباء البيت والتربية. وتستدعي مسألة التوفيق بين الشأن الخاص والشأن العام -حسب مضامين الدراسة- تضافر جهود مختلف الفاعلين مدنيين كانوا أم حكوميين، وذلك بنهج سياسات عمومية تساير المستجدات الخاصة بدعم الأفراد والأسر والمعتمدة على أساس توزيع عادل بين الأبوين لمسؤوليات الأسرة ذات الدخل المزدوج. وأبرزت الدراسة أن النتائج المحصلة عليها تؤكد ما سبق أن توصلت إليه أبحاث ميدانية، حول التحولات التي عرفتها الوظيفة العمومية وارتفاع نسبة تأنيثها وكذلك التغيرات التي شهدتها الأسر ذات الدخل المزدوج، مما جعل التوفيق بين الشأنين مسألة ملحة لتحديث الإدارة العمومية المطالبة بمراعاة المسؤوليات العائلية للموظفين نساء ورجالا، كما أن بلورة سياسات عمومية كفيلة بالتوفيق بين المجالين، تفترض انبثاق توافق اجتماعي حول دور الدولة، يروم التعامل مع الجنسين على قدم المساواة، والعمل على تفعيل هذا المبدأ مهنيا في التوظيف وعند المسار المهني وولوج مناصب المسؤولية، كذلك العمل على تحقيق عدالة اجتماعية وبالخصوص مراجعة التعويضات العائلية للأسر المعوزة. ومن أجل تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة في القطاع العمومي بالمغرب، أكدت الدراسة على ضرورة اعتماد سياسة عمومية جديدة عبر الوسائل الخمسة . التعرف عن قرب على الوضعية الحقيقية للموظفين ذوي مسؤوليات عائلية، إصدار قوانين ملائمة وتراعي لظروف الموظفين في الوظيفة العمومية، إعادة تنظيم وتطوير الخدمات ومصالح الاستقبال ليطمئن الآباء على أبنائهم بروض الأطفال المناسبة، تعميق التفكير في ورش تحديث الوظيفة العمومية وتأهيل الموارد البشرية بشكل يضمن توفير مناخ مناسب للعمل، إشاعة ثقافة المساواة ومحاربة الصور والممارسات النمطية، وجعل الآباء يقتسمون مع الأمهات مهمة العناية بالأبناء، وتقييم مساهمة النساء في الشأن العام، انطلاقا من أهمية دورهن في تنمية المجتمع. هذا، وتتكون العينة التي اختارتها الدراسة من 430 موظفا، ينتمون ل 14 قطاعا حكوميا، وتضم العينة 58.7 في المائة من الرجال و41.3 في المائة من النساء.