ينبغي التوقف قليلا عند المواقف التي أدلى بها السيد نبيل بن عبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أمام فعاليات شبيبية من حزبه، إذ حذر من مخاطر الانتظارية في معالجة الأزمة السياسية وأثر ذلك على تعطيل مسلسل الإصلاحات الهيكلية والمس بالاستقرار السياسي في البلد. لكن الأهم في تصريحات السيد نبيل بن عبد الله ليس هو توصيف الأزمة، ولا حتى المخارج الواضحة المقترحة للمرور إلى الوضع السياسي الطبيعي كما تقرره الوثيقة الدستورية، وإنما المهم هو تفسيره لأسباب هذه الأزمة وخلفيات افتعالها وعلاقة ذلك بالتجربة الديمقراطية التي يعيشها المغرب منذ الإعلان عن فتح ورش الإصلاح الدستوري. فالرجل يعطي إشارات واضحة على وجود إرادات خارج الحكومة تحاول إجهاض التجربة، واستبقاء وضع الحكومة الحالي على ما هو عليه، وعرقلة الاتفاق لتحقيق التعديل الحكومي، وتكبيل الحكومة ومنعها من تحقيق إنجازات نوعية «لغرض ما»، وتحوير المسار الديمقراطي المغربي وخلق شروط العودة إلى الوراء، اي العودة إلى زمن التحكم. المفيد في هذه التصريحات التي تكشف تصور فاعل سياسي مشارك في الحكومة أنه يقدم تقييما لواقع التدافع السياسي الحاصل في المغرب بين تجربة الإصلاح والإرادات التي تعاكسها. صحيح أن السيد نبيل بن عبد الله لم يفصح عن الجهات التي تريد إفشال التجربة وتضغط بشكل كبير على حزب التقدم والاشتراكية لفك ارتباطه بحزب العدالة والتنمية، لكن واقع الحال السياسي، والعمر الطويل الذي أخذته هذه الأزمة الحكومية، حتى من غير أن يكون للرأي العام تفاصيل عن المفاوضات الجارية لتعديل الحكومة، يؤكد أن الإبقاء على الوضع الحالي يشكل في حد ذاته هدفا للإرادات التي تحاول إفشال التجربة والعودة إلى ماضي التحكم. بلغة واضحة لا غموض فيها، هناك مخاوف من بعض الإرادات التي تحن إلى زمن التحكم، من نجاح هذه الحكومة لاسيما وهي تصر على أن تباشر الإصلاحات الهيكلية بكل جرأة، وتواجه بذكاء سياسي العديد من المناورات التي افتعلت في طريقها لمنعها من المضي إلى هذه الإصلاحات، فلم تنجح تكتيكات تحريك بعض مكونات الأغلبية، ولم ينجح التهديد بالخروج من الحكومة ولا القرار الذي اتخذ بهذا الشأن من بعض الأحزاب، واليوم يتم الضغط على رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران بفرض واقع الانتظارية ودفع الحكومة لإعلان فشلها وضمان تآكل شعبيتها. قد تقدم بعض المقاربات عن الجواب السياسي المفترض تقديمه لمواجهة هذا الوضع، لكن يبدو أن الجواب الأنسب أن تترك الإرادات المعاكسة للتغيير الراغبة في عودة التحكم لتكشف عن حقيقتها أمام الرأي العام، وتدرك أن تكتيكات مواجهة حكومات الإصلاح ستعيد نفس تجارب الفشل السابقة، وأن الإرادة التي ستنجح في نهاية المطاف هي التي تفكر في المصلحة العليا للبلاد التي لا تخرج عن الحفاظ على الاستقرار السياسي وإنجاح تجربة التحول الديمقراطي وتحقيق الإصلاحات التي تساعد في تحقيق التطلعات الاجتماعية.