ورغم ما قرره الباحث رينو في كتابه « الطب القديم بالمغرب» من أن التعليم الرسمي للطب والعلوم أندرس بجامعة القرويين أواخر القرن 19م ، فإن الباحث دلفان أشار في كتابه حول «فاس وجامعتها، (المطبوع عام 1889) إلي اعتناء طلبة القرويين بجملة من الكتب الطبية مثل الكامل للرازي، والقانون والمنظومة لابن سينا، وزبدة الطب للجر جاني، والتذكرة للسويدي وتذكرة الأنطاكي وكليات ابن رشد ومفردات ابن البيطار وكشف الرموز لعالم النبات الجزائري عبد الرزاق ابن حمدوش، وهو كتاب نفيس اعتنى بتحقيقه وترجمته العالم الفرنسي لوكلير؛ وأهم مؤلفات بن حمدوش «كشف الرموز في شرح العقاقير والأعشاب» مرتبة على الحروف وتحتوي على نحو الألف نبتة ، وهو ينقل عن ابن سينا،وابن البيطار والإنطاكي، وله أيضا « تعديل المزاج بحسب قوانين العلاج «..ودُرس بالقرويين التوقيت والتنجيم والتعديل أيضاً، وكان بفاس مرصد لمراقبة الأهلة بباب عجيسة يسمى (برج الكوكب) كانت به نوافذ على عدد الشهور حيث يراقب كل شهر من واحدة منها، كما ذكر ذلك ابن الأبار في «القسم المفقود من التكملة». كما «درّس في القرويين ابن البنا المراكشي - العالم الرياضي المشهور- (ت 723ه)، وهو أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء، وهو أشهر رياضي في عصره....إن الوضع الاعتباري لابن البنا في تاريخ العلوم العربية الإسلامية هو وضع رائد ومتميز، فقد أسس مدرسة في علم الحساب أبقت النشاط العلمي في ميدان العلوم الرياضية وهّاجا في الغرب الإسلامي على مدى قرون، من خلال إنجاز شروح متعددة لأعماله في علم الحساب. وبالفعل، فالعديد من العلماء ركزوا اهتمامهم على كتابه المدرسي المكثف «تلخيص أعمال الحساب»، من ذلك «منية الحُسّاب» للعلامة ابن غازي المكناسي التي اشتملت على ما جاء في «تلخيص أعمال الحساب» لابن البنّا المراكشي، وسيقوم العلامة الكبير ابن غازي المكناسي في وقت لاحق بشرح «مُنية الحُسّاب» في كتاب سماه «بُغية الطُّلاب في شرح مُنية الحُسّاب ( نشر بمعهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب بسوريا (1983).. ويظهر تأثير ابن البنا الكبير في أعمال العلامة ابن غازي «العصر السعدي» المتعلقة بعلم الحساب بما يمثل استمرارية علمية أصيلة تبرز الديناميكية الفكرية التي سادت بلادنا بكل الأبعاد العلمية والتربوية التي تنطوي عليها، تحقيقا لسيادة العلم والمعرفة في حياة الناس، وهذه مسألة لم نعد في حاجة إلى التأكيد عليها مادامت القرائن المادية في الكتب والعمران تبرز الدور الكبير الذي لعبه العلم والتعليم في بناء الكيان الحضاري والثقافي لبلاد المغرب...