قلت إنك غيرت رسالتك في الدكتوراة من مقترح تاريخ المغرب إلى تاريخ فاس ثم إلى تاريخ القرويين.. ماذا يعني هذا؟ ❍ أنت تعرف أنه في وقت من الأوقات كان كل شيء في المغرب هو القرويين، وسبق أن قلت أن الكل كان من القرويين: الأطر والكتاب والقضاة وغيرهم، وحتى تأخذ صورة عن الوضع ينبغي أن تعرف أنه ذات يوم شب حريق هائل في فاس العتيقة ، فلما خمد الحريق أخذ الناس يحصون الخسائر بدؤوا يسألون هذا الحانوت لمن وهذه الدار لمن؟ فقال القاضي اعلموا أن جميع تلك المحلات تابعة للقرويين. فالقرويين كانت ثرية بمالها لدرجة أنها كانت تقرض الدولة من ميزانيتها عند الحاجة. وكانت لها ميزانية ضخمة جدا لدرجة أن من كان له شيء يعزه كان يعطيه للقرويين. وهل كانت تصرف هذه الأموال للقرويين؟ ❍ بدقة تامة وبضبط تام، وفي كل سنة كان يعاد تقييد الأملاك وفحصها بإشراف شيخ القرويين ونظارة الأوقاف، وهذا بحث آخر يطول الكلام فيه وفي الحوالات الوقفية تجد الشيء الكثير.. يجب أن تذكر أيضا أن القرويين كانت تخرج سلطانا يستقبله السلطان الحقيقي، فيما كان يسمى «سلطان الطلبة» وهو حدث ضخم عشته منذ سنوات الطفولة حيث أذكر خروجي مع والدي لأرى حفلات استقبال الملك الحقيقي لسلطان الطلبة.. كانت عادة جميلة للأسف انقطعت. ماذا تذكر من سلطان الطلبة؟ ❍ كانت تنظم في فصل الربيع، وكنت أرى الاستعدادات الكبيرة الطارئة حيث يرسل سلطان الطلبة حاشيته أو ما يسمى «المْحْتّبْ» أي المحتسب تفرض ضرائب على أمناء الأسواق، وتأخذ منهم السكر و.. ثم يخرج سلطان الطلبة في الأخير على الخيل مجللا يقلد موكب الملوك ومعه وزراؤه فتغلق المحال، وكنت أصحب والدي إلى واد فاس فأرى سلطان الطلبة في زي الملوك يستقبله السلطان الحقيقي الذي يأتي محملا بهدايا كثيرة فيها الخرفان والعسل والزيت.. ولما كان يستقبله الملك كان «المحتب» يلقي خطابا أمامه يبتدؤه بالحمد لله الذي جعل أسناننا كالمنشار تطحن الخبز والحمار.. ويكون متأنقا يرتدي قلائد في عنقه مكونة من «التين المجفف» يأكل منها بشراهة كل حين ويحمل أيضا ساعة كبيرة عبارة عن «خبزة» في تمثيلية مشوقة.. وكانت الاحتفالات تستمر أسبوعا بخيلاء، ولكنه إذا زاد السلطان على أسبوع يأخذونه.. هل استمرت العادة إلى حين دراستك في القرويين؟ ❍ مرارا حضرتها وكنت طالبا في القرويين، ولم يكن لنا الحق في أن نكون سلطان الطلبة لأننا لسنا من الآفاقيين، ولكن كنا عند تنصيبه نصبح من وزرائه. وكان سلطان الطلبة يقوم بأفعال عظام كأن يُخرج مسجونا من السجن أو يطلب وظيفة سامية، مادام من يشتري السلطنة يمكنه أن يطلب أي شيء. كانت السلطنة تشترى إذن.. ألم تكن لتفوق علمي؟ ❍ أبدا، كاذب من قال ذلك، بل كانت تؤخذ بالمزايدة حيث يجتمع الطلبة، فيبدأ الأول بعشرين ألف ريال مثلا والآخر يزيد عشرين.. وتبقى «الدلالة» 3 أيام أو أربعة، وغالبا ما كان يحدث أن عائلة تدفع مستحقات السلطنة لطالب يتقدم لها، بشرط أن يكون طلبه للسلطان هو إخراج ابنها من السجن وهي تدفع الثمن بالزيادة إن كانت ألفا مثلا تعطي ألفين. وعند لقائه بالملك يطلب منه العفو عليه وهناك من يطلب أن يصبح قاضيا أو عدلا. وأذكر أن آخر من رأيته من سلاطين الطلبة طالب من الرباط يقال له الغازي بن خراجة. عموما يمكن الرجوع إلى بحث في الموضوع ضمن كتاب القرويين في المجلد الثالث، وكانت احتفالا بالربيع وهي العادة نفسها التي توجد عند الاسبان حيث يكرمون الطلبة في كل ربيع. لكن للأسف غُيبت أو أُنسيَتْ وأنا ضد النسيان. المغاربة إذن أخذوها من الأندلس؟ ❍ بل قل من الاسبان؛ أخذها الأندلسيون فانتقلت إلى المغرب. وبالأخص في عهد مولاي اسماعيل حيث تم تطويرها وأكثروا لها الأبازير إلى عهد الحسن الثاني الذي أراد إحياءها، ولكنها كانت قد بدأت تُسَيّس وتستغل بخلاف السابق حيث كانت تعطى لكل من دفع ثمنها كائنا من كان.