3/3 بين الأستاذ الحسن الكتاني في الحلقتين السابقتين الفرق بين الرقية الشرعية وحليتها استنادا إلى الأحاديث النبوية الشريفة وحرمة السحر وتعلمه وملابسات التداوي به مفيدا أن علماء الإسلام أجمعوا على تكفيرالساحر والمتعلم له وحرمة دخوله للجنة، في هذه الحلقة الأخيرة يوضح الأستاذ الحسن الكتاني عقوبة الساحر موردا أقوال فقهاء الأمة واختلافهم في حد الساحر بين رأي فقهي يشدد على قتله وآخر يقول بتعزيره التعزير الشديد لما يترتب عن أفعاله من مفاسد تهدد النسيج المجتمعي للمسلمين. اختلفت مذاهب أهل العلم في تكفير الساحر، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول:" أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وحفصة بنت عمر وعبد الله بن عمر وجندب بن عبد الله..". وروي عن بَجَالَةَ بن عبدة أنه قال: كتب عمر بن الخطاب أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. قال: فَقَتَلْنَا ثَلاثَةَ سَوَاحِرَ. قال ابن قدامة المقدسي، رحمه الله تعالى: وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعاً. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن أم المؤمنين حَفْصَةَ رضي الله عنها سَحَرَتْهَا جارية لها، فأقرت بالسحر وأخرجته، فقتلتها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فغضب، فأتاه ابن عمر رضي الله عنهما فأخبره سبب قتلها، فكفَّ عثمان رضي الله عنه وقال إنما غضب لقتلها إياها بغير أمره. وعَنْ جُنْدُبٍ الخير رضي الله عنه قَالَ: " حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ". وعلى هذه الأحاديث فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن حد الساحر القتل، فهذا هو مذهب أصحاب أبي حنيفة. وقد نقل ابن عابدين، رحمه الله تعالى، أن أبي حنيفة، رحمه الله قال: الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت عليه بالبينة يقتل ولا يستتاب، والمسلم والذمي في هذا سواء. وقيل لا يقتل إن كان ذمياً. وقال في موضع آخر: لكن إن جاء تائباً قبل أن يؤخذ قبلت. اه. وقال مالك، رحمه الله تعالى: يقتل الساحر ولا يستتاب إن كان مسلماً، وإن كان ذمياً لا يقتل بل يؤدب إلا إذا أدخل بسحره أضراراً على مسلم فإنه يقتل لأنه يكون ناقضاً للعهد لأن من جملة العهد أن لا يتعرضوا للمسلمين بالأذى. قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى": " رأى مالك أن السحر كفر وشرك ودليل عليه وأنه لما كان يستتر صاحبه بفعله فهو كالزندقة لأجل إظهار الاستسلام وإبطال الكفر ولذلك قال ابن عبد الحكم وابن الواز وأصبغ: هو كالزنديق إن أسر السحر لا يستتاب وإن أظهره استتيب وهو لقول مالك لا خلاف له. قال الباجي: فلا يقبل حتى يثبت أن ما يفعله من السحر هو الذي وصفه الله بإنه كفر. قال أصبغ: يكشف ذلك من يعرف حقيقته ويثبت ذلك عند الإمام. وقال الحافظ ابن عبد البر في "الكافي": " إذا عمل السحر لأجل القتل وقتل به قتل وإن لم يكن كفراً، وقد أدخل مالك في "الموطإ" السحر في باب الغيلة، فقال ابن العربي في "القبس": وجه ذلك أن المسحور لا يعلم بعمل السحر حتى يقع فيه. قال أبو محمد:وقد سئل مالك عمن يعقد الرجال على النساء، وعن الجارية نطعم رجلاً شيئاً فيذهب عقله، فقال: لا يقتلان. فأما الذي يعقد فيؤدب وأما الجارية فقد أتت أمراً عظيماً، قيل: أفتقتل؟ فقال: لا. قال ابن رشد الجد في "البيان والتحصيل": رأيي أن فعلها ليس من السحر. قلت: ولأجل ذلك فصل الشافعي وأصحابه: إن كان السحر ليس من قبيل ما يكفر به فهو فسق لا يقتل به ما لم يقتل أحداً وثبت تعمده للقتل بإقراره. قال الحافظ ابن القيم، رحمه الله تعالى:" وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من سحره من اليهود، فأخذ بهذا الشافعي وأبو حنيفة، وأما مالك وأحمد رحمهما الله فإنهما يقتلانه. ولكن منصوص أحمد، رحمه الله، أن ساحر أهل الذمة لا يقتل، واحتج أن النبي الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل لبيد بن الأصم اليهودي حين سحره. ومن قال: يقتل ساحرهم يجيب عن هذا بأنه لم يضر ولم يقم عليه بينة، وبأنه خشي صلى الله عليه وسلم أن يثير على الناس شراً بترك إخراج السحر من البئر، فكيف لو قتله؟ !" اه . قلت: مما يؤيد التفصيل المذكور ما روته عمرة بنت عبد الرحمان: اشْتَكَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- فَطَالَ شَكْوَاهَا، فَقَدِمَ إِنْسَانٌ الْمَدِينَةَ يَتَطَبَّبُ، فَذَهَبَ بَنُو أَخِيهَا يَسْأَلُونَهُ عَنْ وَجَعِهَا. فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ تَنْعَتُونَ نَعْتَ امْرَأَةٍ مَطْبُوبَةٍ - أي مسحورة- قَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ مَسْحُورَةٌ سَحَرَتْهَا جَارِيَةٌ لَهَا. قَالَتْ: نَعَمْ، أَرَدْتُ أَنْ تَمُوتِي فَأُعْتَقَ !! قَالَ: وَكَانَتْ مُدَبَّرَةً. قَالَتْ: بِيعُوهَا فِي أَشَدِّ الْعَرَبِ مَلَكَةً وَاجْعَلُوا ثَمَنَهَا فِي مِثْلِهَا. قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى:"وأما بيع عائشة الجارية ولم تأمر بقتلها فيشتبه أن تكون لم تعرف ما السحر، فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله تعالى، وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه المعاني عندنا والله تعالى أعلم".اه قال أبو محمد: قد تقدم كلامنا في أن السحر قلما يخلو من مكفر خارجي، وعليه فهو متضمن للكفر غالباً، فإذا خلا عنه مع عدم اعتقاد صاحبه تأثيره من دون الله تعالى مع عدم قتله لأحد من المعصومي الدماء ففيه التعزير جمعاً بين النصوص والله أعلم وبه سبحانه التوفيق. وهذا محل اتفاق بين العلماء. حسن الكتاني