"العيد صوت القوة يهتف بالأمة: اخرجي يوم أفراحك، اخرجي يوما كأيام النصر!" للرافعي قراءة رسالية، استوعبت إيحاءات العيد ودلالاته، نجد فيها أمكنة للروح، تجدد نفوسا، وتحيي عزائما، وتهبنا من كل ذلك وجودنا الأكبر الذي ينبغي أن تتحقق فيه الفكرة العابدة، بدل الفكرة العابثة، وهي قراءة واعية ومتبصرة بالمضمون الرسالي لمعنى العيد، وأبعاد الذبح المتصل بحقيقة الفداء أودعها الكاتب في مؤلفه القيم "وحي القلم" ج 1، وضمنها في فصل: "المعني السياسي للعيد" ولأهميتها خاصة ونحن نعيش أيام العيد نختصرهما في عجالة المطالعة، محاولين أن ندل القارئ فيها على الخير ونمنحه فرصة البحث عليه لتعميق الاستفادة. فما أشد حاجتنا نحن المسلمين إلى أن نفهم أعيادنا فهما جديدا، فتجيء أيامها سعيدة عاملة تنبه فينا أوصافها القوية، وتجدد نفوسنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن عاطلة ممسوخة من المعنى، أكبر عملها زيادة ابتسامة على النفاق. العيد في الإسلام عيد الفكرة العابدة، فأصبح عيد الفكرة العابثة، وكانت عبادة الفكرة جمعها الأمة في إرادة واحدة على حقيقة علمية، فأصبح عبث الفكرة جمعها الأمة على تقليد بغير حقيقة، له مظهر المنفعة وليس له معناها. كان العيد إثبات الأمة لوجودها الروحاني في أجمل معانيه، فأصبح إثبات الأمة وجودها الحيواني في أكثر معانيه، وكان يوم استرواح من جدها، فعاد يوم استراحة الضعيف من ذله، وكان يوم المبدأ، فرجع يوم المادة. وليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوة تغيير الأيام إلا إشعارها بأن الأيام تتغير، وليس العيد للأمة إلا يوما تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعي، فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة على ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام... وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم، وكأن لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء، بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص معلنة للجميع، ويهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها. وليس العيد إلا إظهار الذاتية الجميلة للشعب مهزوزة من نشاط الحياة، لا ذاتية الأمم الضعيفة المستعبدة، فالعيد صوت القوة يهتف بالأمة: اخرجي يوم أفراحك، اخرجي يوما كأيام النصر! وليس العيد إلا إبراز الكتلة الاجتماعية للأمة متميزة بطابعها الشعبي، ومفصولة من الأجانب، لابسة من عمل أيديها، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرة بقوتين في إيمانها وطبيعتها، مبتهجة بفرحين في دورها وأسواقها، فكان العيد يوم يفرح الشعب كله بخصائصه. وليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدمة في طريقها... والعيد يوم تسلط العنصر الحي على نفسية الشعب المهزوزة. وليس العيد إلا تعليم للأمة كيف تواجه بقوتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت، فقد وضع لها الدين هذه القاعدة لتخرج عليها الأمثلة، فتجعل للوطن عيدا ماليا اقتصاديا تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض وتختصر للصناعة عيدها، وتوجد للعلم عيده. وتبتدع للفن مجالي زينته، وبالجملة تنشيء لنفسها أياما تعمل عمل القواد العسكريين في قيادة الشعب، يقوده كل يوم منها إلى معنى من معاني النصر. هذه المعاني السياسية القوية التي من أجلها فرض العيد ميراثا دهريا في الإسلام، ليستخرج أهل كل زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يبدعه نشاط الأمة ويحققه خيالها، وتقتضيه مصالحها. وما أحسب الجمعة قد فرضت على المسلمين عيدا أسبوعيا إلا تهيئة لذلك المعنى وإعدادا له، ففي كل سبعة أيام مسلمة يوم يجيء فيشعر الناس معنى القائد الحربي للشعب كله. ألا ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع، لا رجال فيه أيديهم سيوف من خشب. اختيار عزيزة الزعلي