من أهم بركات الدعوة وثمرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذ المؤمن بانخراطه في دلالة الخلق على خالقهم سبحانه غرضه أن يعذر إلى الله تعالى بقيامه بمسؤولية الرسالة وأداء ما أوجبه الله عليه من النصيحة ونشر الخير. وفي الآن نفسه حريص على أن يستجيب الناس له وينتفعوا بدعوته فتثمر أعماله استقامة عميقة وإصلاحا عاما وإقبالا على سبيل الله المفضي إلى رضوانه. قال تعالى: "وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ". في حين يعد التخلف عن الدعوة وتعطيل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتحا لأبواب الشر على مصراعيها مما ينقل حال الأفراد والمجتمعات إلى واقع الأمم الملعونة المطرودة من رحمة الله المؤهلة لاحتضان كل ألوان الفساد وصور الانحراف. تأمل قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى بنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِيسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ؟ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا...) يا للهول. إنها اللعنة... إنها الطرد من رحمة الرحمن الرحيم... إنها فتح أبواب الشر كلها في الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد... إنها نصيب إبليس بعد أن أبى واستكبر... فكانت النتيجة: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ لدِّينِ). وفي سورة (ص) (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيَ إِلَى يَوْمِ الدين). نعم إن جريرة إبليس كانت معلومة، فلماذا لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل؟ (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ). إنه العصيان والعدوان.. عصيان رب العزة سبحانه والاعتداء على الحق بالتكذيب والتحريف، والاعتداء على الرسل وأتباعهم بالتقتيل والتعذيب... كل هذا كبير وخطير... لكن الآية الكريمة، من باب عطف الخاص على العام لبيان خطره، ما ذكرت ذلك وإنما ذكرت معضلة أخرى هي مفتاح الكبائر والصغائر... (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِيسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ). كانت الدعوة إلى الله معطلة في صفوفهم، كانت النصيحة مستنكرة في أعرافهم، كانوا متواطئين على فعل المنكر... أخرج الإمام أبو داود في سننه عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أوّلَ مَا دَخَلَ النّقْصُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ الرّجُلُ يَلْقَى الرّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا اتّقِ الله وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فإنّهُ لا يَحِلّ لَكَ ثُمُّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ الله قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمّ قالَ: (لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بنِ مَرْيَمَ - إلَى قَوْلِهِ – فَاسِقُون)، ثُمّ قالَ: كَلاّ والله لَتَأْمُرُنّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنّ عن المُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنّ عَلَى يَدَيِ الظّالِمِ، وَلَتَأْطِرُنّهُ عَلَى الْحَقّ أطْراً، وَلَتَقْصُرُنّهُ عَلَى الْحَقّ قَصْراً».