من أوصاف بعض الأحاديث أن يقال فيها: مسلسلة. قال السيوطي رحمه الله في «تدريب الراوي»: «المسلسل هو ما تتابع رجال إسناده واحدا فواحدا، على صفة واحدة، أو حالة واحدة، للرواة تارة وللرواية تارة أخرى. وصفاتُ الرواة وأحوالُهم إما أقوال أو أفعال، أو هما معا. وصفاتُ الرواية إما أن تتعلق بصيغ الأداء أو بزمنها أو مكانها». وقال ابن حجر رحمه الله: « وإن اتفق الرَّواةُ في إسنادٍ مِن الأسانيدِ في صِيِغِ الأداء، أَوْ غَيْرِها مِن الحالاتِ القولية، أَو الفِعليَّةِ، أو القولية والفعلية معاً، فهو المسَلْسَل». فلنمثل لكلٍّ بمثال، تقريبا للفهم: 1- الاتفاق في أحوال الرواية وهي صيغ الأداء: كسمعت فلاناً، قالَ: سمعتُ فُلاناً، أَوْ: حدَّثنا فُلانٌ، قال: حدثنا فلان. فالتسلسل وقع بالسماع أو بالتحديث، ويكون بغيرهما من الصيغ. 2- الاتفاق في زمن الأداء: كالمسلسل بروايته يوم العيد. 3- الاتفاق في مكان الأداء: كالمسلسل بإجابة الدعاء في المُلْتَزَمَ. 4- الاتفاق في أحوال قولية: كحديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا معاذ إني أحبك، فقل في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ، فقد تسلسل بقول كلٍّ من رواته: «وأنا أحبك فقل». 5- الاتفاق في أحوال فعلية: كالتشبيك باليد وهو حديث أبي هريرة: «شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وقال: «خلق الله الأرض يوم السبت» الحديث، فقد تسلسل بتشبيك كلِّ واحد من رواته بيد من رواه عنه. 6- الاتفاق فيها معا: كحديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على لحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره»، وهكذا قال وفعل كلُّ راوٍ من رواته. 7- الاتفاق في صفة قولية: كالمسلسل بقراءة سورة الصف. 8- الاتفاق في صفة فعلية: كالاتفاق في أسماء الرواة، كالمسلسل بالمحمدين؛ أو في صفاتهم كمسلسل الفقهاء أو الحفاظ أو النحاة أو الكتاب أو الشعراء أو المعمَّرين؛ أو في نسبتهم كأحاديث كلُّ رجالِها دمشقيون أو مصريون أو كوفيون أو عراقيون. وقد يقعُ التَّسلسُلُ في مُعْظم الإِسنادِ، أي ليس في كل الإسناد، وأشهر حديث في ذلك، الحديث المسلسل بالأولية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم «الراحمون يرحمهم الرحمن» الحديث، فقد تسلسل بقول كلِّ راوٍ: «وهو أول حديث سمعته»؛ ولكن التسلسل ينتهي فيه إِلى سُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ(198ه) فقط. قال الدكتور عتر حفظه الله في «منهج النقد»: «لكن المسلسلات على الرغم من عذوبة وقعها، لم تسلم روايةُ التسلسلِ فيها من ضعف، وإن صح أصلُ الحديث... وأصحُّ أقسام التسلسل المسلسلُ بالحفاظ، كحديث مالك عن نافع عن ابن عمر». وقد اعتبر ابنُ حجر في «نزهة النظر» المسلسلَ بالأئمة الحفاظ المتقنين، مفيداً للعلم، كالمتواتر.