في مثل يوم الخميس 16 ماي 2013، كان المغرب على موعد مع أعنف المحطات الإرهابية التي هزت مدينة البيضاء مخلفة 45 قتيلا من بينهم 12 انتحاريا، وعشرات الأسر تعاني ويلات فقدان أقرباء لها، كان ذلك يوم الجمعة 16 ماي 2003، اهتزت مدينة البيضاء على وقع 5 عمليات انتحارية هزت معها وجدان المغاربة، ووضعت نهاية للاستثناء المغربي في التعايش السلمي و الإيمان بالاختلاف واللاعنف. بحلول الذكرى العاشرة لهذا الحدث الغاشم، كان لابد أن نستحضر كلمات حزينة من كتاب «قبل الأوان» ل»سعاد البكدوري» التي فقدت إبنها وزوجها في الآن ذاته، تتساءل هذه السيدة المكلومة «..كيف انتشل الطيب من كتبه ودفاتره ودروسه لينطفئ قبل الأوان؟.. جمعة السادس عشر من ماي، وجمعة الثالث والعشرين منه، من عام حالك هو 2003. في الأولى يرحل عني زوجي، وفي الثانية يودعني بلا وداع إبني..». ومع حلول الذكرى ذاتها، لابد من استحضار مئات الاعتقالات التي وصفت بالعشوائية طالت 8000 مواطن. بعد عشر سنوات...مازلنا أمام لغز إسمه 16 ماي..من خطط له ومن جند له من أجل زعزعة الاستثناء المغربي؟ هل اندمل الجرح بعد مرور عشر سنوات؟ هل صرنا في مأمن من الانفجارات الغادرة؟ وماذا عن معالجة الاختلالات التي صاحب الاعتقلات ومتى يتم الطي النهائي لملف «السلفية الجهادية؟.. أسئلة يناقشها باحثون وحقوقيون ومعنيون بالملف من شيوخ السلفية.. الملف: انتظار وأمل لا يزال الانتظار العنوان العريض ليوميات ضحايا أحداث 16 ماي المأساوي من ذوي العاهات المستديمة، ولا تزال تبعات تلك المأساة ترخي بظلالها على معيشهم اليومي في ظل تماطل الجهات المعنية في التسريع بتعويض هؤلاء. وفي هذا السياق، أكدت سعاد البكدوري، أرملة أحد ضحايا التفجيرات (المحامي عبد الواحد الخمال)، ورئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب أن الجرحى والمعطوبين جراء الاعتداءات الشنيعة بكل من البيضاء سنة 2003 ومراكش سنة 2011 مازالوا في لائحة الانتظار، موضحة في تصريح ل»التجديد» أن الأمر يتعلق بالخبرات الطبية والروتين الإداري الذي من الممكن أن يحل قريبا. وعن تجاوز المغرب لمرحلة الخطر بعد عشر سنوات من المقاربة الأمنية الاستباقية، قالت «البكدوري» إن المغرب لم يتجاوز مرحلة الخطر، خاصة وأننا بين الفينة والأخرى نسمع عن اكتشاف خلية إرهابية هنا أو هناك، مشيرة إلى أن أحداث 2003 لم تكن متوقعة وصدمت الجميع، وبالرغم من القضية الأمنية التي تحول اليوم دون وقوع أحداث مأساوية مشابهة، إلا أن المغرب لايزال يواجه خطر الإرهاب، فلايزال الفكر المتطرف سائدا ومازال المتطرفون يدعون إلى الجهاد ويستغلون الشباب من أجل ذلك. وتحدثت «سعاد» الأم والزوجة المكلومة في ابنها وزوجها على وقع ذكرى مرور عشر سنوات على التفجيرات الدامية مؤكدة أنهم كعائلات فقدوا ذويهم يعيشون هذا الحدث المأساوي بشكل يومي، إلا أن لهاته الذكرى السنوية رمزيتها وثقلها، حيث يتذكر جميع المغاربة ذلك الحدث وتخرج العائلات من نطاق الضيق إلى نطاق أوسع. ومن أجل المساعدة والتكفل بضحايا الإرهاب وذويهم، مازال الفضاء الحداثي للتنمية والتعايش يطالب منذ سنوات بتأسيس صندوق وطني لمساعدة ضحايا الهجمات الإرهابية، وهو نفس مطلب الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب التي تقترح كحل لإنصاف ضحايا يد الغدر خلق آلية لتعويضهم من خلال تأسيس صندوق صونا للكرامة، ولجبر ضرر أسر شردها الإرهاب ولتخفيف معاناتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن أجل أن تظل ذكرى 16 ماي حاضرة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، وحتى تتم الاستفادة من دروس الماضي لكيلا يتم تكرار ما وقع، خلدت منظمة الطلائع أطفال المغرب فرع آزمور بتنسيق مع جمعية ابراهام مولنيس للتراث و الثقافة يوم الأحد 12 ماي 2013 بفضاء القبطانية بالمدينة العتيقة بآزمور، الذكرى العاشرة للأحداث الإرهابية، كانت فرصة للتنديد بالأعمال الإرهابية بكافة أشكالها، والتعبير عن التضامن مع ضحايا الإرهاب وذويهم وأفراد أسرهم. ضحايا ولكن هم ضحايا حالة الذهول والصدمة الكبرى التي خلفتها التفجيرات الإرهابية، ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، جرفتهم يد الأمن من أجل اجتثاث جذور الفكر المتطرف فقط من أجل الاشباه فيهم، منهم من اعتقل بسبب النوايا أو بعض الأفكار التي يحملونها، ومع مرور السنوات أعلن عدد من هؤلاء عن تراجعهم عن تلك الأفكار، مؤكدين في أكثر من مرة نبذهم للعنف وإيمانهم بثوابت المغرب المتمثلة في «الإسلام والملكية والوحدة الترابية»، كما أن أغلبهم لم يثبت عنه ارتكاب أعمال إجرامية. إن ملف ما يسمى السلفية الجهادية بالمغرب محاط بكثير من الغبار والغموض والتعتيم منذ بدايته، إذ أطلق العنان للاعتقالات (من غير المتورطين بالدم)، وعرفت المحاكمات خروقات بالجملة استنكرتها جمعيات حقوقية وطنية ودولية، واعترف بها الملك محمد السادس في حواره الشهير مع صحيفة ألباييس حين صرح بوجود خروقات شابت ملف الاعتقال والمحاكمة. بعد عشر سنوات، كان لابد من فرز فئات المعتقلين كما طالبت بذلك الجمعيات الحقوقية التي أقرت بضرورة الإفراج عمن تأكدت مظلوميتهم، واستثناء الفئة التي ثبت تورطها في أعمال إجرامية من قبيل القتل واستهداف الأبرياء، واعترفت بالمنسوب إليها أمام المحاكم من خلال نهج مقاربة تصالحية لطي الملف، ففي تصريح سابق ل»مصطفى الخلفي»، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، أكد هذا الأخير أن ملف معتقلي «السلفية الجهادية» يحتاج إلى مقاربة تصالحية في إطار دولة الحق والقانون، من خلال العفو الملكي، وهي مقاربة يرى المحامي والحقوقي عبد المالك زعزاع أنها صالحة لتكون أرضية لبداية حوار منتج وهادئ، وهادف، وفعال لطي هذا الملف الذي تأخر كثيرا، وباتت أمرا ضروريا في المغرب، وذلك من أجل تغليبها على المقاربة الأمنية التي أثبتت التجربة في العالم أنها تجربة متجاوزة ولا تؤتى أكلها بل تؤجج روح الصراع، ولا تزيد الطين إلا بلة. ولإنجاح المقاربة التصالحية يرى «زعزاع» ضرورة أن تتم وفق معايير علمية عبر الحوار الذي هو أسلوب حضاري يقرب وجهات النظر، وإذا لم يوحد التصورات فهو يقربها بما أنه أسلوب ناجح في بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها. وحدد «زعزاع» ثلاثة أنواع من المعتقلين: المجموعة الأولى: يمثلها معتقلون لا علاقة لهم بالعنف، والتطرف والإرهاب والتشدد أقحمت خطأ في هذا الملف ولا تشكل أي خطر على المجتمع وأمنه. المجموعة الثانية: تحمل أفكارا متطرفة أو متشددة ولا تحمل في طياتها أبعادا إجرامية وهي بالفعل أيضا لا تشكل أي خطر على المجتمع المغربي، وهذا النوع من التشدد الفقهي والخلاف المذهبي يزول بالمناظرة و الحوار وقد لا يزول بالضرورة ما دامت الدولة الديمقراطية تتمتع بالاختلاف و الخلاف و التعدد، ومهما يكن نوع الخلاف المذهبي و الفكري ما لم يترجم إلى أفعال جرمية مادية فإنه لا يعاقب عليه قانونا لأن القانون و الشريعة لا يعاقبان على النوايا و الأفكار، وإنما يعاقبان على ترجمتها على أرض الواقع على شكل أفعال يجرمها القانون. المجموعة الثالثة: قد تكون قد تورطت في أعمال إجرامية دموية، ومالية تهدد أمن المجتمع واستقراره، وكثير من هذه العناصر والتي تنتمي لهذه المجموعة قامت بمراجعات وأبدت مرونة كبيرة في التعامل مع هذه القضية.