● هل تتوقعون أن تقضي الترسانة القانونية الجديدة التي جاء بها الدستور في ما يتعلق بمؤسسات الحكامة على الفوضى التي يعيشها المال العام بالمغرب؟ ❍ نحن في بداية تنزيل هذه المشاريع القانونية المهمة، لكن العبرة بتفعيلها وإعطاء المؤسسات الوسائل المالية والبشرية للعمل، ورغم أننا في البداية إلا أنني متفائل، كما لابد من التأكيد على ضرورة التنسيق بين هيئات الحكامة حتى تقوم بدورها كاملا، الشيء الذي ما زلنا نفتقده، كل هذا لابد أن ينجز في إطار استراتيجية متكاملة لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، وبأهداف واضحة مع تحمل كافة الفرقاء لمسؤوليتهم والالتزام بالآجال المحددة لتفعيل ما تم التنصيص عليه دستوريا في مجال مكافحة الفساد، لأنه بهذه الاستراتيجية يكون هناك وضوح مع الجميع من مستثمرين ورأي عام، وهناك مؤشرات كبيرة للنجاح. لكن لابد من التأكيد أن معالجة قضايا الفساد تحتاج إلى مقاربة شمولية وتشاركية، هذه المقاربة تتكامل فيها الآليات الزجرية والوقائية، القانونية والمؤسساتية وتتضافر فيها جهود كل الفاعلين من دولة ومجتمع مدني وإعلام ومواطنين. نحن لم نخترع هذه المقاربة، لكنها المقاربة الأنجع على المستوى العالمي كما أثبتت ذلك التجارب وكما ذهبت إليه اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد. إذ تطوير الإطار المؤسساتي والقانوني أمر مهم جدا، لكنه يحتاج إلى سند وجهود الفاعلين مجتمعين لتفعيله وتحويله إلى إجراءات وعمليات ملموسة وذات أثر في الواقع. وهذا السند لن يتحقق على الوجه المطلوب إذا لم يدخل في هذه المقاربة بعد آخر هو البعد التربوي والتحسيسي الذي يمكن من خلاله نشر وترسيخ قيم النزاهة والمواطنة، وإذكاء ثقافة رفض الفساد. ورغم أن للمغرب مبادرات مهمة لتعزيز الحكامة الجيدة وإرساء إطار قانوني خاص بالمفتشيات العامة للوزارات إلا أن ذلك يبقى قاصرا عن سد بعض الثغرات التي تحد من فعالية عمل هذه المفتشيات من منظور الوقاية ومكافحة مظاهر الفساد. ● اليوم مؤسسات الحكامة تواجهها عدة إشكالات تحول دون قيامها بعملها في مجال محاربة الفساد، في تقديركم كيف يمكن مواجهتها؟ ❍ عمليا لابد من توفير المسائل المالية واللوجستيكية حتى تقوم هذه المؤسسات بدورها، ثم تفعيل الآليات القانونية مع وضع استراتيجية واضحة لأنه في غياب الاستراتيجية لا يمكن تحديد نجاح هذه المؤسسات من عدمه، ثم هناك نوع من ضعف الثقة في المؤسسات باعتباره عائقا رئيسيا وبالتالي عمل هذه المؤسسات هو الذي سيمكنها من الاشتغال مع جميع السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وذلك لإعادة الثقة.وأعتقد أن تفشي ظاهرة الفساد وما يترتب عنها من انعكاسات سلبية، يجعل من الضروري العمل على التخليق الشامل ومكافحة هذه الظاهرة باعتبارهما من مستلزمات الحكامة الجيدة، وبالتالي التركيز على حتمية تطويقها من خلال تبني مقاربة شمولية وقطاعية تهدف إلى وضع وتعزيز أنظمة الشفافية وربط المسئولية بالمحاسبة. لكن في المقابل ومع هذه الحكومة ومع الشعار الأساسي الذي رفعته والمتمثل في محاربة الفساد، أعتقد أن الوقت قد حان لتحويل الجهود التي بذلها المغرب حتى الآن على المستويين التشريعي والمؤسساتي إلى نتائج ملموسة من خلال تفعيل القوانين لوضع حد للإفلات من المتابعة والعقاب واسترجاع الأموال العمومية المنهوبة، ومحاصرة قلاع اقتصاد الريع خاصة أن مجالات الريع تعد بابا من أبواب الفساد الأساسية. ● في نظركم ما هي التكلفة التي يمكن أن يدفعها الاقتصاد الوطني في غياب الحكامة؟ ❍ مع الدستور الجديد ومع هذه الترسانة القانونية الجديدة أصبح لزاما أن تتصدى هذه المؤسسات للنزيف الذي يحدثه الفساد في الاقتصاد الوطني، لأن كلفة الفساد والتقرب الضريبي تقدر بحوالي 2 في المائة من الناتج الوطني الخام وهذه كلفة كبيرة، ويجب أن نسعى إلى إعادة جزء من هذه الأموال لإعادة ضخها في دورة التنمية، وبالتالي لابد للوزارة الوصية أن تقوم بدورها كاملا في تفعيل المقترحات والبرامج والعمل على التنسيق بين الهيئات وأن تكون الوزارة صلة بين هذه الهيئات والجهاز التنفيذي. وفي هذا الاتجاه أؤكد على ضرورة ترسيخ البعد الاستراتيجي لسياسة مكافحة الفساد، وملاءمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، وضمان حق وأمن المواطنين في التبليغ عن الفساد، وتحسين مستوى الحكامة السياسية، والنهوض بقدرات المكافحة لدى الهيئة الوطنية للنزاهة. هذا إضافة إلى تخليق المعاملات الاقتصادية والنهوض بحكامة المقاولات، والتحسيس والتربية على قيم النزاهة ومكافحة الفساد وغيرها.