البحر والتاريخ تجلبك إليها جلبا ، وترميك بسهام رياحها رميا، وتتحفك بشدي نورسها تحفا ، وقد تبدو لك بالنهار عن بعد كوردة بيضاء محاطة بأمواج البحر من جل جوانبها ، وبالليل كباقة أنوار تعكس مياه البحر لمعانها ، إنك أمام عروس بفضاء منطقة تانسيفت ، سألت البحر عنها فأجابني مبتسما بهيجان أمواجه :» إنها لغز لا يفك طلاسيمه إلا عشاق جمال الطبيعة ، سألت النورس عنها فباغثني قائلا :» ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ، ما أنا إلا من حماة جمال الأفق حسبي أني أؤثث كل يوم سماء المكان وأتحف الزوار بصدى صيحاتي عبر أرجاء المكان ، وعاودت السؤال للشمس فسالت علي بدموع أشعتها قائلة على استحياء :» ويحك يا هذا ... أبعد هذا الجمال من سؤال ؟ إن اللبيب بالإيحاءات يفهم ، فانصرفت لتلقي ببريق خيوطها الذهبية على سطح البحر وعلى المدافع النحاسية بشرفات أبراج البنايات القديمة وعلى قباب الآجور القديمة المطلة على البحر. تلك هي المدينة الساحرة التي تدعى «تاسورت» أو الصويرة التي تمتزج فيها الحضارة الإسلامية بالأصالة المغربية والجمال بالغرابة لتعطينا بقعة بحرية تسكن أعماق قلوب الزوار وتعرف بأسماء ثلاث «موكادور أو تاسورت أو الصويرة « أدعها بما شئت من مترادفات الأسماء تجيبك مبتسمة ، وبذلك يظل اسمها منقوشا في ذاكرة الإنسان ومعبرا عن تنوع في وحدة ومختزل في عبارة «القلعة الساحرة الصامدة « ، قلعة سالت لها لعاب الأجانب قبل سنوات بغية امتلاكها والاستفراد بعبق جمالها وتاريخها وشموخها ، فوقفت بجدرانها العريضة وبأبواب سورها من كل جهة صامدة في وجه كل الغزاة لتبقى مدينة للبحر وشمس الغروب والتساكن بين شتى الأجناس البشرية التي تقطنها. «موكادور» الساحرة ...؟ تشعر بجاذبيتها وأنت قادم إليها من أكادير عند بلوغك منطقة « أورتي أوفلاح» حيث يبدأ انتشار رمز قباب الصويرة على جنبات الطريق ، وتستقبلك جماعة «تمنار» حيث يسلمك شجر « الأركان» المعانق لجديان الماعز لنظيره العرعار ، وقد يلتقط سمعك نغمة من نغمات « عواد حاحا» التي يفتح بها رعاة الماعز شهية ماشيته وبمنطقة « إمكراد» وصولا إلى « إكوزولن» يرحب بك الأهالي بزيوت أركان على رصيف الطريق ، وبجماعة «سميمو» تبدو الصورة واضحة حيث الكل يهتف حولك : « صويرة ، صويرة !!! « ، وبعد نصف ساعة وأنت على متن سيارتك أو على الحافلة تبلغ على التوالي جماعتي « تيدزي» و» سيدي كاوكي « ومطار « موكادور» لترتمي قبل لحظات في أحضان الصويرةالجديدة ثم « الغزوة» و» الديابات» ها أنت في قلب الصويرة / اللغز !!! أجمع العديد من المهتمين بهذه المدينة أن اسمها « موكادور» شابه تحريف على مستوى الحروف ، حيث كان اسمها الأصلي بالأمازيغية هو « موكادير» التي تعني باللغة العربية «ذات الحصن» فطال التحريف هذا الاسم الأصلي على مستوى « الياء « التي استبدلت « واوا» ، أما الاسم المشهور لدى الأهالي من ساكنة «حاحا « والشياظمة هو «تاسورت» بالأمازيغية وهو سور صغير ، و بالدارجة المغربية «سويرة» وهو تصغير لكلمة سور ، وقد تم بعد ذلك تبديل حرف السين صادا وألحق بالكلمة أداة تعريف « ال» فأصبحت كما تعرف اليوم ب «الصويرة». يقصدها السياح من جل بقاع العالم لممارسة أنواع من الرياضات البحرية أشهرها الألواح الشراعية ، وبذلك عرفت الصويرة في العديد من الدول الغربية ب « مدينة الرياح « إذ لا يكاد المرء أن يميز فيها بين الشتاء والصيف بحيث يضحى أصيص شوارعها كل صباح مبلل بمياه الندى طيلة فصول السنة . تعايشت أقوام مختلفة بهذه المدينة من عرب وأما زيغ ويهود طوال عقود من الزمن حيث كانت الصويرة قديما مركزا تجاريا تنطلق منها قوافل الجمال المحملة بالشاي والسكر صوب المناطق الجنوبية للمغرب ، كما لعب ميناء هذه المدينة في عهود سابقة دورا هاما في المجال التجاري . سلبت الصويرة عقول الأجانب ببحرها وبغروب شمسها و بهدوء ضجيجها وبوقائع أساطيرها وبوضوح غموضها عبر الزمن ، إنها جوهرة تتلألأ وسط البحر عند الغروب وتحوم حولها أسراب من طيور النورس منتظرة أفول الشمس لتحط رحالها بجزيرة موكادور أو بدار السلطان التي لا يفصلها عن ميناء المدينة إلا مئات أمتار . هي مدينة يحبها الجميع وتغنى بها الشعراء الأمازيغ منذ عقود من الزمن حيث قال أحدهم : تسورت ما كيتونت إساوالني ؟ أيتها الصويرة من المسؤول عنك ؟ أوريميل إغ ئيين تيوي لوقتي عسى أن تسوقني الأيام إلى أحضانك مدينة الصمود والتحدي... جلب الهدوء والتساكن لهذه المدينة الصغيرة قبل عشرات السنين « أي في بداية السبعينات « نزوحا غريبا لأجانب من نوع آخر هم من ممثلي الحركة الغربية المعروفة يوم ذاك ب « الهيبيزم» منهم رواد مشهورون عالميا كالمغني « رود ستيوارت « يحملون معهم أفكارا شاذة ونمطا غريبا للعيش يرتدون سراويل «دجين» المسماة أنذاك بنوع» رجل الفيل» و المرقعة والمتسخة يتناولون المخدرات ويسوقون لعاداتهم في أوساط الشباب ولا يبالون بنظافة أجسامهم ويرخون شعر الرأس بشكل ملفت للنظر ، وقد تأثر يومذاك البعض من الشباب بسلوك هؤلاء الغرباء ، بل هناك من شعراء الأمازيغ من استلبته عادات هذه الحركة وضمن ذلك في إحدى قصائده قائلا : إقاناغد أد حزنغ أزارنغ آرد نغوفل سأرخي العنان للشعر حتى يطول إقاناغد أد حزنغ أزار نكا لهيبي سأرخي العنان للشعر حتى أغدو «هيبيا» استهدفت هذه المدينة الشامخة من قبل غزاة منذ عقود من الزمن إن على المستوى الفكري أو على مستوى كيان المدينة ككل ، حيث عرفت قبل سنوات نزوحا غريبا لمضاربين عقاريين تهافتوا على شراء المباني القديمة بقلب المدينة وببعض جماعات ضواحي الصويرة وبأثمان تفوق الخيال ، غير أن صمود المدينة ويقظة أهاليها حالت دون بلوغ المستهدفين لمبتغاهم ، هذا رغم معاناة العديد من ساكنة المدينة والنواحي من الفقر نتيجة قلة فرص الشغل بالمدينة في السنوات الأخيرة بعد أن تحولت إلى مدينة سياحية صرفة واختفاء المعامل التي شغلت قبل سنوات مئات من اليد العاملة بمعامل تصبير السمك ومعمل الجلد . وفي تصريح لمسن بضواحي الصويرة ل«التجديد» قال: «إن هذه المدينة ( يقصد تاسورت) مدينة المساكين وأهلها حافظوا منذ القدم على قيمها المبنية على العيش المتواضع شأنها في ذلك كجل المدن العتيقة بالمغرب ...» .