الركراكي: التأهل للمونديال أصبح اعتياديًا.. وهذا دليل قوة الأسود    إثيوبيا: الشيخ حاجي إبراهيم توفا يشيد بالدور الريادي للملك محمد السادس في توحيد جهود العلماء الأفارقة    أمطار مارس تنعش زراعات الشمندر وقصب السكر بجهة الشمال وتغطي أزيد من 9 آلاف هكتار    المركز الثقافي الروسي يبرز نضال الجنود السوفييت والمغاربة ضد النازية    المنتخب المغربي يهزم تانزانيا بثنائية ويقترب من التأهل إلى كأس العالم    بالأسماء والمسارات: هذه لائحة الطرق العامة التي ستُوسَّع بمدينة طنجة لحل مشاكل الازدحام (خرائط)    دراسة صادمة: العلكة تملأ فمك بالبلاستيك دون أن تدري!    محكمة أرجنتينية تأمر باعتقال الحارس الشخصي لمارادونا بتهمة شهادة الزور    نشر القانون التنظيمي للإضراب في الجريدة الرسمية    ألباريس يشيد بإرساء "أفضل مناخ للتعاون على الإطلاق" في تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية    المغرب بمجلس الأمن ينتقد انتقائية الجزائر بشأن المينورسو وحقوق الإنسان    الوزير السّعدي يترأس بالمضيق إفطارا رمضانيا لشبيبة الأحرار    تشكيلة منتخب المغرب أمام تنزانيا    تطوان: توقيف شخصين تورطا في نشر أخبار زائفة ومحتويات رقمية تحرض على تنظيم الهجرة غير المشروعة    وزارة الداخلية تعلن عن انتخابات جزئية في 151 جماعة    الأرصاد الجوية: استقرار أجواء الطقس بالمغرب سيتم تدريجيا خلال الأيام المقبلة    ألمانيا تسحب شحنة فلفل مغربي لاحتوائها على كميات مفرطة من مبيدات حشرية    تبرئة رئيس الفيفا السابق بلاتر وبلاتيني في قضية فساد    ميناء طنجة المتوسط يتقدم في الترتيب العالمي للموانئ    توقيف مواطن فرنسي مبحوث عنه دوليًا في طنجة    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية اليونان بمناسبة العيد الوطني لبلاده    أداء سلبي ينهي تداولات البورصة    بنموسى: المندوبية السامية للتخطيط ستجري بحثين وطنيين حول استعمال الزمن والأسرة في 2025    تعادل ثمين لمنتخب الأردن في كوريا    الدورة الثلاثون للمعرض الدولي للنشر والكتاب فضاء لمواصلة السعي الواعي إلى النهوض بالكتاب والقراءة (بنسعيد)    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ارتفاع حصيلة الضحايا في غزة إلى 792 قتيلا، والاحتلال الإسرائيلي يخطط لهجوم بري كبير    اكتشاف سلالة مغربية من "بوحمرون" في مياه الصرف الصحي ببروكسل    خطير.. إصابة طفلة ب"السيدا" بعد عملية جراحية ومطالب بالتحقيق العاجل    الدورة العشرون للمهرجان الدولي للرحل.. محاميد الغزلان تتحول إلى ملتقى عالمي يجمع الفنانين    الأطر الصحية بمراكز طب الإدمان بجهة طنجة تتخوف من عودة انقطاع "الميثادون"    دي ماريا يسخر من تصريحات رافينيا قبل مباراة الأرجنتين والبرازيل    مشاهد جريئة تضع مسلسل "رحمة" في مرمى الانتقادات    عندما يعزف الشيطان: فصول الجابي !    حوض سبو.. نسبة ملء السدود تفوق 50 في المائة إلى غاية 25 مارس    بعد تداول تصريحات منسوبة إليه.. عمرو موسى يوضح موقفه من المغرب وينفي الإساءة    يا رب أنا جيتلك.. جديد سميرة سعيد    واشنطن تتباحث مع كييف في الرياض    الكوميدي "بهلول" يطلب دعم الفنانين لتسديد شيك بدون رصيد    دراسة: الخلايا السرطانية تتعاون من أجل البقاء على قيد الحياة    تركيا.. القبض على 41 متهماً ب"شتم أردوغان وعائلته"    الصين وتايلاند يجريان تدريبات بحرية مشتركة    الوزيرة السغروشني: التحول الرقمي في التعليم يحتاج إلى تعبئة جماعية وتنسيق فعال    "تراث المغرب".. سلسلة وثائقية لتثمين الموروث الثقافي للمملكة    أسعار الذهب تتراجع مع صعود الدولار لأعلى مستوى منذ أكثر من أسبوعين    زلزال عنيف بقوة 6,7 درجات قبالة سواحل الجزيرة الجنوبية بنيوزيلندا    الاتحاد الأوروبي يعزز الدعم العسكري لموريتانيا في إطار مكافحة تهديدات الساحل    أوراق من برلين .. رسالة فرانز كافكا: جروح قديمة ما زالت تنزف    اكتشاف جديد يحدد الأجزاء المسؤولة عن تذكر الكلمات في الدماغ    ملياري شخص غير مشمولين في إحصاءات عدد سكان الأرض    نهاية سوق پلاصا جديدة بطنجة    بعد 17 شهرا من الزلزال... النشاط السياحي في "الحوز" يتحسن ب48 في المائة بداية 2025    كسوف جزئي للشمس مرتقب بالمغرب يوم السبت القادم    مراكش تحتضن كأس العالم لسلاح سيف المبارزة ما بين 27 و30 مارس    عمرو خالد يحث المسلمين على عدم فقدان الأمل في وعد الفتح الرباني    السعودية تحين الشروط الصحية لموسم الحج 2025    المجلس العلمي يحدد قيمة زكاة الفطر بالمغرب    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفلا قرآنيا لتكريم الفائزين بالمسابقة القرآنية المحلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الريسوني: يكتب عن المذهب المالكي بالمغرب بين الإهمال والاستغلال
نشر في التجديد يوم 29 - 01 - 2003

مما لا نزاع فيه ولاشك، أن المذهب المالكي هو أحد الأركان الكبرى التي قام عليها الكيان المغربي، وإحدى السمات البارزة للمغرب منذ ما يزيد عن عشرة قرون، وما فتئ علماء المغرب وملوكه وزعماؤه يشهدون ويؤكدون أن المغرب مدين في وحدته وتماسكه وانسجامه واستقراره إلى المذهب المالكي، وأن وحدته المذهبية هذه أعطته قوة وصلابة وتميزا ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، قلما حظي به قطر إسلامي آخر.
لقد وحد المذهب المالكي في المغرب العلماء فيما بينهم، ووحد العلماء والأمراء، ووحد العامة والخاصة، بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم. فقد دمج بين المحدِّثين والمتكلمين، وبين الأشاعرة والسلفيين، واستوعب الصوفية بكافة طرقهم ومسالكهم. واستوعب خصوم الأشعرية والتصوف أيضا، فهولاء جميعا عرفهم تاريخ المغرب، فاختلفوا وتنافسوا، وربما تصارعوا وتعاركوا، ولكنهم جميعا كانوا مالكية، ويسلمون للمذهب المالكي، حتى صارت "الوطنية المغربية" هي "المذهب المالكي".
ويظن بعض الناس أن قوة المذهب المالكي وهيمنته بالمغرب، إنما تحققت بفضل ترسيمه ونصرته من بعض الدول الحاكمة التي اعتمدته مذهبا رسميا في التدريس والقضاء والإفتاء. ولا شك أن شيئا من هذا صحيح، ولكن الصحيح الأصح هو أن للمذهب المالكي أهليته وقوته الذاتية، وله علماؤه وفقهاؤه الذين استماتوا وأحيانا ماتوا دفاعا عنه ودفاعا عن حق المغاربة في التمسك به والتوحد حوله.
إن قوة المذهب المالكي الحقيقية إنما ترجع إلى قدرته على الاجتهاد والتجدد، من خلال أصوله وقواعده التي تجعله أقدر المذاهب على استيعاب التطورات والمستجدات، كما ترجع إلى ريادته في الأخذ بمقاصد الشريعة المستمدة من نصوصها، إذ لا مقاصد بلا نصوص. كما لا نصوص بلا مقاصد.
وإذا كانت بعض الدول قد خدمت المذهب المالكي بتبنيها له ودفاعها عنه، فإنها لا شك قد استفادت منه ومن قوته ومن علمائه أكثر مما أفادته.
على أن من أعظم تجليات القوة الذاتية للمذهب المالكي والرسوخ الذاتي له بالمغرب وبالغرب الإسلامي عامة هو تلك الحملات الشرسة التي استهدفته وحاولت استئصاله. وأخبثها وأشدها ما قامت به الدولة العبيدية (الشيعية) التي قامت في مصر، ثم امتد نفوذها وشرها إلى بقية أقطار شمال إفريقية، بما فيها المغرب.
وقد أصيب فقهاء المذهب المالكي على يد العبيديين وأعوانهم بشتى صنوف الضغط والقمع والترهيب؛ من سجن وقتل وتعذيب وتهديد... فصمدوا وتحملوا، حتي ذهب العبيديون، وبقي المذهب المالكي قويا راسخا.
وفي المغرب خاصة حاول الموحدون وهم في أوج قوتهم وشعبيتهم إقصاء المذهب المالكي والقضاء عليه ومحوه من المغرب. وقد قام ملوك الموحدين الأوائل بضغوط وحملات شديدة ضد المذهب المالكي وفقهائه، فهددوا وعذبوا وسجنوا وقتلوا، وزادوا فأحرقوا قناطير مقنطرة من كتب الفقه المالكي، ثم في النهاية انتصر المذهب واستسلمت الدولة الموحدية أمامه.
ومن اللحظات التاريخية الشهيرة في حرب الموحدين ضد المذهب المالكي، ما رواه المؤرخون عن الفقيه المالكي أبي بكر بن الجد، قال: >لما دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب أول دخلة دخلتها عليه، وجدت بين يديه كتاب ابن يونس (في الفقه المالكي)، فقال لي: يا أبا بكر أنا أنظر في هذه الآراء المتشعبة التي أحدثت في دين الله، أرأيت يا أبا بكر المسألة فيها أربعة أقوال أو خمسة أقوال أو أكثر من هذا، فأي هذه الأقوال هو الحق؟ وأيها يجب أن يأخذ به المقلد؟ فافتتحت أبين له ما أشكل عليه من ذلك، فقال لي وقطع كلامي : يا أبا بكر، ليس إلا هذا، وأشار إلى المصحف، أو هذا، وأشار إلى كتاب سنن أبي داود، أو السيف". (انظر كتاب: العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين، للعلامة المرحوم محمد المنوني).
وإذا كان خصوم المذهب المالكي من الموحدين قد حاولوا أن يفرضوا على العلماء التخلي عن المذهب وفقهه والاقتصار على ظاهر القرآن والسنة، وإلا فالسيف" هذا، أو هذا، أو السيف"، فإن للمذهب المالكي وللفقه المالكي والفقه الإسلامي عامة اليوم خصوم لا هم من الموحدين، ولا هم يعترفون أصلا بالكتاب ولا بالسنة. وإذا كان الخليفة الموحدي قد خير الفقهاء بين "هذا، أو هذا، أو السيف" فإن الخصوم من غير الموحدين اليوم يقولون للفقهاء: "لا هذا ولا هذا، وإنما هو السيف"، سيف العلمانية، وسيف "المواثيق المزعومة"، والحداثة الموهومة، وسيف الاستئساد بالضغوط والتدخلات الأجنبية. عن هؤلاء "المغاربة الأجانب" يقول العلامة الأستاذ علال الفاسي رحمه الله: "فقد أصبح هؤلاء يعتقدون في القاضي الأجنبي والقانون الأجنبي واللسان الأجنبي، أكثر مما يعتقدون في أنفسهم وفي مقدساتهم، زيادة على ما أصبح يربط بعضهم مع الأجانب من رباط مادي ومصلحة شخصية، لا يبالون أن يقفوا من أجلها في صف الدفاع عن مخلفات الاستعمار" (دفاع عن الشريعة ص 23).
إن معركة الشريعة الاستعمارية ضد الشريعة الإسلامية تعود إلى بداية الاستقلال، وإلي ما قبل الاستقلال، وكان علال الفاسي قد عبر بمرارة شديدة عن دهشته وخيبة أمله، حين نجح أنصار الشريعة الاستعمارية وممثلوها بالمغرب في إيقاف عملية أسلمة القوانين المغربية التي انطلقت بعد الاستقلال وحصْرِها في الأحوال الشخصية. قال رحمه الله: >ولم يكن يخطر ببال جلالته (يقصد محمد الخامس رحمه الله) ولا ببالنا، نحن أعضاء لجنة التدوين الذين شرفهم جلالته بتعيينهم لأداء هذه المهمة، أن عملنا سيقتصر على مجرد الأحوال الشخصية. والدليل على ذلك أننا اشتغلنا في قسم "الأموال" بعد إنجازنا ل"الأحوال". ولكن قسم التشريع بالكتابة العامة (الأمانة العامة للحكومة) الذي يشرف عليه لحد الآن فنيون فرنسيون أوقف أمر البت فيه، وترتب على ذلك أن توقف سير التدوين في بقية أبواب الفقة الأخرى" (دفاع عن الشريعة ص 71).
لكن ما لم يخطر على بال علال الفاسي وأمثاله من العلماء والمجاهدين من أجل استقلال المغرب وسيادته وإسلاميته، هو أن تمتد مطاردة الشريعة الإسلامية وأحكامها حتى في مجال "الأحوال الشخصية" الذي تم استثناؤه وانتزاعه من براثن الشريعة الاستعمارية.
فها هم المتغربون من الجيل الثاني والثالث لا يرون أي فائدة وأي معنى لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية سوى إخضاعها لمقتضيات الشريعة الاستعمارية والقضاء على صبغتها الإسلامية.
كل هذا جرى ويجري في المغرب المسلم، قلعة المذهب المالكي عبر التاريخ، وفي مؤسسات الدولة التي ظل المذهب المالكي علي الدوام أحد مقومات وجودها واستقرارها، ومازال ملوكها يعلنون اعتزازهم وتمسكهم بذلك. وللأسف فإن بعض المسؤولين قد جعلوا من "المذهب المالكي" مجرد شعار سياسي لمواجهة "الأصوليين" ومحاصرة "الوهابيين" وقمع "المتطرفين"، وبعضهم جعل منه مجرد سند إداري لعزل بعض الخطباء وتهميش بعض العلماء.
فإلى متى سيستمر الاستخفاف بالمقدسات وتحطيم المقومات، ضدا على إرادة الشعب المغربي المسلم تارة، وفي غفلة منه تارة أخرى؟؟
د. أحمد الريسوني
أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.