بعد جولة تاريخية وضع خلالها المقرئ ما أسماه ببلوغرافية التراكم المغربي في التنظير لمفهوم الدولة في الاسلام رصد فيه كل ما كتب منذ 1908 إلى اليوم، من كتابات المفكرين المغاربة من التيار الديني، والأكاديمي، والفقهاء والعلماء، ومفكري الحركة الإسلامية المعاصرة، وخلص المفكر الإسلامي أستاذ اللسانيات وعضو الفريق النيابي للعدالة والتنمية، إلى أن الدولة في تصور الإسلاميين، دولة مدنية قريبة من الدولة التي يؤمن بها العلمانيون المعتدلون لون كانوا منصفين. وأنها ليست دينية بالمفهوم الثيوقراطي، وليست أيضا علمانية. وتطرق أبو زيد المقرئ الإدريسي خلال محاضرة له احتضنها بقاعة بالمسبح البلدي بأسفي مساء الجمعة حول «الدين والسياسة أية علاقة» في افتتاح الحملة الوطنية العاشرة تحت شعار «لا سياسة بدون أخلاق» نظمتها شبيبة العدالة والتنمية، إلى أربع خلاصات لمقاربة موضوعه، أولها أن كل شيء كان بدؤه دينيا. ثانيها الدولة الاسلامية ليست دولة دينية ثيوقراطية وليست ايضا دولة علمانية. وثالثها، حسب أبوزيد، الأمة تمارس سيادتها عبر الحكم لله والسيادة للأمة. ورابعها طبيعة التشريعات عندنا لا تفصل بين الدين والدولة.وقال أن المشترك بيننا وبين العلمانيين المعتدلين هو الخوف من الدولة الدينية». معتبرا أن الحركة الإسلامية أكبر ضحية للدولة الدينية. ومبديا تفهمه لتخوف العلمانيين من أن تمارس عليهم محاكم التفتيش والحكم باسم الدين.وتساءل المفكر الإسلامي أبو زيد عن المشكل الذي تطرحه علاقة الدين بالسياسة. ليجيب إنه «استغلال قدسية الدين في السياسة كأخطر مشكل يخافه الإسلاميون أكثر من غيرهم»، وأن «السياسة التي يتحدث عنها القرآن مقدسة ولكن التي يمارسها المسلمون ليست مقدسة والذي يصبغ على اجتهاداته القدسية يسقط في ممارسة الإرهاب الفكري». و لم يفوت المحاضر الفرصة للحديث عن أسباب الغلو وأزمة المتطرفين وقال إنهم «لا يؤمنون بالنسبية على عكس حركة الحياة التي يوجد فيها كل شيء نسبي». وطالب من أعضاء حزبه العدالة والتنمية والمتعاطفين معهم أن يمارسوا ابداعاتهم واجتهاداتهم في حل مشاكل الناس وإن لم يقبل الناس اجتهاداتهم، عليهم أن لا يفسروا ذلك بكفرهم وعدائهم للمشروع الاسلامي. وقال أبو زيد أمام جمهور عريض من ساكنة أسفي أغلبهم شباب، إذا كان المسلم في الدولة الاسلامية له مجال ممارسة سيادته في أمرين: اختيار الحاكم، والاجتهاد في تنزيل الحكم، فماذا بقي من تخوف العلمانيين يقول إذ «ليس عندنا كنيسة تحتكر تأويل الدين ورجل دين يشرع باسم الله. وليس عندنا إمام شيعي، وبابا لهذا الإمام وولي فقيه مطلق العلم وولايته مطلقة «. ليتساءل «ماذا بقي من تخوف العلمانيين ؟». ثم رسم بعض المعالم لمفهوم الدولة المدنية في تصور الإسلاميين، منها أن مفتاح الدولة المدنية يحدد أن الحكام الذين تختارهم الأمة لا قدسية لهم، وليسوا فوق المساءلة والقانون. ولا يملكون حصانة سياسية أو دينية. والدولة المدنية تنطلق من الحكم لله والسيادة للأمة، التي تتجلى في اختيار الحكام وتثبيتهم والتعاقد معهم وعقابهم وعزلهم إن أخلوا بشروط التعاقد والبيعة. وأكد أبو زيد أنه من المغالطات التي يريد أن يلزمنا بها الغرب في إطار صراعه معنا والمهزومون والعلمانيون المتطرفون من الذين يريدون أن يسجنوا الدين في القلب وداخل المعبد فقط، أن «الدولة المدنية لا تقوم إلا إذا كانت التشريعات غير دينية».