كثيرا ممن تحلقوا حول شاشة القناة الثانية الأربعاء الأخير يتابعون مقابلة عبد الرزاق المصدق، الوزير المكلف بالشؤون الاقتصادية والشؤون العامة وتأهيل الاقتصاد، عبر برنامج "في الواجهة"، الحواري أو الوزاري سيان، استنزفوا وقتهم واستنفذوا جهدهم مقابل الوصول إلى جملة مفيدة وحيدة على مدى ساعة ونصف ساعة من لغط لم يفد في شيء، غير أنه سد جزءا غير هين في شبكة برامج القناة، كان من الممكن أن يستغل فيما هو أفيد وأصلح. الوزير "التقنوقراطي" وإن كان يكره هذا النعت يمثل حكومة اختلط فيها حابل السياسة بنابل التقنوقراط، لدرجة طفق معها المحاور يفك عقدة الخلط أكثر مما فك أسئلة المحاورين التي تصطف خلفها طوابير من انتظارات المواطن البسيط وانشغالاته. لكن الوزير المصدق، وهو يفك كثيرا من أمر الخلط وقليلا من أسئلة المواطن، بدا أكثر هدوءا وبرودة أذابت حماسة الصحافيين، لحد جعل الكل يندرج في جو رتيب أفقد صبغة برنامج حواري طابعه النشيط كجنس من الأجناس الصحافية الساخنة. ولعل الذين كتبت عليهم متابعة المصدق سيغبطونه على هدوئه، بل وحفاظه على "ثلوجة أعصابه" رغم تقلده مسؤولية جهاز حساس يدبر حال واقع اقتصادي مهلهل قد يفقد العاقل عقله، فالأحرى هدوء "أعصابه".. والعادة تقتضي أن المتكلم في هدوء يملك القدرة الأكبر على تلمس كلماته قبل الوقوع في زلات اللسان المحسوبة عليه، لكن المصدق "الرزين" دفع بالمشاهد يتلقف هفواته أكثر من التقاطه جملا بناءة أو أرقاما دالة. وأولى هفوات الوزير كانت عند رده على قول سابق صدر عنه يدعو فيه إلى الكف عن "ديماغوجية" السياسة والعمل ب"بيداغوجية" الاقتصاد... الرد بقدر ما أضحك الحضور بقدر ما كان مخجلا في العمق.. قال: إن ذلك لم يكن إلا من قبيل تمليح الكلام مثلما الحال في الضرورات الشعرية.. ولأن الضرورات قد تبيح المحظورات فقد أباحت للسيد الوزير أن ينطق عن الهوى بكلام غير مسؤول، صادر عن لسان محسوبة تصريحاته أو تعليقاته أو تدخلاته في كل حين. وإن جاز لكل مسؤول أن يلغط بكلام ثم يرجع ويقول إنه من شبيه الضرورات الشعرية الزائدة، فإن ذلك هو الاستغفال بعينه لعقول المتلقين، كرهوا، كيفما اختلفت مستوياتهم وتنوعت مشاربهم، "لغة خشبية" تآكلت واهترأت وما عادت تسمن العامة من جوع أو تكسيهم من عراء. هفوة المصدق الثانية رمى عبرها نصوص الدستور وأعراف الديمقراطية، التي ظل يلوكها بلسانه حد الميوعة.. بعرض الحائط، حيث إنه ضيق عمل الأحزاب وبرامجها وأدوارها، وفق نظرية "شعبوية" بالية، في مجرد "تدافع" و"تنافس" أشخاص ليس إلا.. ما دفع بأحد الصحافيين إلى الرد بابتسامة فيها كثير من السخرية "إذن ما حاجة المغرب بقولك إلى وجود أحزاب". المصدق وإن حاول مجانبة الديماغوجية، فيما تعلق بأسئلة الاقتصاد، سقط في حوار أقل ما يمكن أن يوصف به كونه ديماغوجيا، وإن كره، وحجة القول خلو كلامه من أي معطيات مدققة في معلوماتها أو برامج محددة في أهدافها.. واكتفى بكلام يسبح في العموميات بعيدا عن خصوصيات المواطن البسيط.. وواقع الأمر أن بساطة وضعف المواطن تجعله لا يفهم في الاقتصاد إلا ما يُمكِّنُه من أن يقضي حاجاته وهو مقتصد ويسد أفواه عياله وهو مقتصد، كما لا يفهم في التأهيل إلا ما يؤهله إلى أن ينهي شهره وهو ناج من مقصلة الاقتراض.. أو يؤهله لتخطي عتبة فقره بخطوة دون خشية العودة خطوات.. تعددت، من ثم، هفوات المصدق، في حوار تطايرت كلماته وسط همسات الحضور وبسمات المحاورين، لعلها كانت من فرط العجب في وزير "تقنوقراطي" غابت عنه التقنية والدقة في الخطاب، وكان كلما سئل عن أمر رد بأن جوابه جاء في جواب سابق.. والحقيقة أن الرد ما كان سابقا ولا لاحقا. يونس السلاوي