يخلد شباب 20 فبراير يوم الأربعاء، الذكرى الثانية لانطلاق الحركة الاحتجاجية الشبابية التي شهدها المغرب بالتزامن مع رياح الربيع العربي، الذي أسقط أنظمة مستبدة حكمت شعوبها بقبضة من حديد لعقود من الزمن. اختلفت آراء المتتبعين وعلماء الاجتماع المتخصصين في الحركات الاحتجاجية والمحللين السياسيين، بين من يستشرف دورها في المرحلة القادمة، ومن راح يبحث في الأسباب التي أفضت بها إلى موت سريري، هي إذا أمام مفترق طرق حقيقي، يضعها أمام مصيرين لا ثالث لهما برأي أغلب المتتبعين، إما بقاؤها «ذكرى جميلة» أو مجرد ذاكرة رمزية للحكي والاستئناس، بدل أن تصير ضميرا شعبيا حيا، لها مبررات للوجود، متمثلة في محاربة الفساد والاستبداد ودعم مسار الإصلاح ونقد التجربة وتقويمها وإسنادها، ضدا على كل محاولات التشويش، أو جيوب مقاومة التغيير، وبالتالي يتحتم عليها أن تبصم في الذكرى الثانية لانطلاقتها على بداية مرحلة جديدة، تستعيد فيها جزءا من بريقها وتوهجها، والذي يجمع المراقبون أنه لا يمكن أن تعود إليه الحركة بالنظر للإصلاحات التي شهدها المغرب، بدءا بإقرار دستور جديد ثم تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، أقر الجميع بنزاهتها وبوأت حزب العدالة والتنمية الصدارة من حيث النتائج، لتؤول إليه رئاسة الحكومة ويشكل حكومة من ائتلاف حزبي ضم أربعة أحزاب، ومرحلة جديدة أيضا تخوض فيها الحركة معارك حقيقية لدعم مكافحة الفساد ومحاربة الاستبداد، وتخوض نفس المعارك إن انحرف مسار الإصلاح وابتعد عن تحقيق الانتظارات الشعبية. قياديو حركة 20 فبراير يصرون اليوم على إعطائها نفساً جديداً من خلال الانفتاح على تنظيمات وهيآت أخرى، ووقف المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، في اجتماعه الأخير، على ما حققته «20 فبراير»، وقيم مسارها وتوقف عند الأوضاع الراهنة وكذا الآفاق، وتم التأكيد على ضرورة النهوض بحركة 20 فبراير من جديد، وستكون محطة اليوم حاسمة لترجيح أحد المسارين، ومن المرتقب أن تشهد عدد من المدن المغربية اليوم الأربعاء وقفات لتخليد الذكرى، ويرتقب أن ينظم مهرجان بالمناسبة بمدينة الحسيمة الجمعة المقبلة، في إطار الحملة التي يقودها مجلس دعم حركة 20 فبراير، من أجل إطلاق سراح كافة نشطاء الحركة، كما يرتقب أيضا أن ينظم اليوم النضالي الوطني، يوم الأحد المقبل. 20 فبراير والمنعطف التاريخي يرى محمد العوني، منسق المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، أن مسار حركة 20 فبراير وانطلاقتها بالأساس، «عبر عن دخول المغرب لمنعطف تاريخي مرتبط بالتحولات التي تعيشها المنطقة العربية والمغاربية، وارتباطها بما يعيشه العالم ككل والمنطقة المتوسطية على الخصوص»، ويرى العوني في تصريح ل»التجديد»، أن «هذه الانطلاقة لها تعبيرات وتجليات وأشكال مختلفة ومتعددة، لا يمكن حصرها في صورة محددة»، يضيف المتحدث، «كما يفعل البعض من أجل تبخيس حركة 20 فبراير، واعتبار أن المغاربة خارج التاريخ والجغرافية»، ويؤكد العوني أن إنجازات حركة 20 فبراير كثيرة ومتعددة ولا يمكن إحصاؤها، ويظل أهم إنجاز، يقول العوني، هو «جعل المغرب ضمن سياقه التاريخي والجغرافي، والمتفاعل في محيطه باتجاه التغيير». وفي سؤال ل»التجديد»، عن تطلعات حركة 20 فبراير، قال منسق المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، «عندما نربط الحركة بهذا المعنى التاريخي، يصبح من البديهي القول أنها حركة بنفس طويل، وهي غير محسوبة بالأيام والأسابيع وإنما بالتقدير التاريخي لمرحلة كبيرة، دخلتها المنطقة، والمرتبطة بالانتقال إلى الديموقراطية، وهذه العملية تحتاج إلى مخاض ضمن حراك متواصل، متشعب، معقد، ومتداخل الجوانب»، وبالتالي يضيف العوني، «إحياء الذكرى الثانية لانطلاق حركة 20 فبراير، هو تعبير عن الاستمرارية واستحضار للبعد التاريخي، وتأكيد على أن شعلة التغيير التي تمسك بها حركة 20 فبراير، متواصلة التألق والتوهج رغم كل الرياح التي تحاول إطفاء تلك الشعلة، والتي أثبتت أنها صامدة في وجه كل المناورات والمؤامرات والتدخلات الهادفة إلى تحجيم الحركة». صعوبة تقييم الحصيلة وفي سياق متصل، يرى حسن قرنفل، أستاذ علم الاجتماع بجامعة أبي شعيب الدكالي، أنه من الصعب تقييم عمل حركة 20 فبراير، لأنها أولا دشنت أسلوبا جديدا في العمل السياسي، المتمثل في إعطاء الكلمة للمظاهرة والاحتجاجات العفوية، ورفع شعارات تواجه رموز السلطة، وكذا تحديدها لبعض المطالب الواسعة التي تتراوح بين ما هو سياسي في البداية، ثم في ما بعد أصبحت المطالب الاجتماعية والقطاعية حاضرة لتعبئة أكبر عدد ممكن من المتظاهري، ويعتقد قرنفل في تصريح ل»التجديد»، أن «حركة 20 فبراير أصبح عندها رمزية في المغرب شبيهة برمزية الحركات الطلابية لماي 1968 بفرنسا، حيث دشنت محطة أساسية في التفاعل بين السلطة وبين المغاربة»، يضيف المتحدث، «ولكن حركة 20 فبراير بالمقارنة مع الحركات التي عرفتها دول الجوار، تعتبر في تقديرها الذاتي أنها لم تحقق كل أهدافها، خصوصا بعد المبادرة الملكية ل9 مارس، التي أعطت الانطلاقة للانخراط في إصلاحات سياسية عميقية، سحبت بشكل من الأشكال البساط من تحت أقدام الحركة، وجعلت دورها يتراجع شيئا فشيئا، لكن ظل نفسها وروحها حاضر بعد ذلك، بحيث أن جل الحركات الاحتجاجية التي ظهرت في المغرب من بعد، كانت تستوحي نموذجها من 20 فبراير»، وهو ما يعتبره قرنفل، «يجعل الحركة محطة أساسية في تاريخ المغرب المعاصر». تراجع التأثير في الفعل السياسي وعلاقة بتأثير حركة 20 فبراير في الفعل السياسي، وما إن كان وهجها خفت ولم يعد لها دور في الحراك المجتمعي، يعتقد قرنفل أن قادة الحركة يرون أنهم لم يحققوا مجموع أهدافهم، لكن يجب أن نعترف أنه كان لهم دور أساسي في إحداث خلخلة في الحقل السياسي، يضيف المتحدث، «وفرضت أسلوبا جديدا في التعامل بين المواطنين والنخب التي تمثلهم، وهو ما يشكل حدثا وإنجازا كبيرين»، يؤكد قرنفل، «الآن بطبيعة الحال دخلنا مرحلة جديدة، مرحلة ما بعد دستور 2011، هناك حكومة جديدة ومقاربة جديدة، في تدبير الشأن العام، صحيح أن هناك انتظارات كبيرة للمواطنين في المجال الاجتماعي والاقتصادي، لكن هناك أيضا عمل من طرف النخب السياسية الحالية والحكومة الجديدة في اتجاه تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية الملحة للمواطنين»، يسترسل قرنفل، «ولذلك أعتقد بأن الدور الذي أنيط بالحركة لتقوم به قامت به بالفعل، والآن لم تعد هناك حاجة ماسة للحركة من أجل ضخ دماء جديدة في العمل السياسي، وبالتالي يمكن القول بأنه إن لم تكن الحركة ماتت نهائيا، فإن تأثيرها في الفعل السياسي بالمغرب تراجع بشكل كبير». ويشير قرنفل إلى أن الوضع تغير، ولم تعد حركة 20 فبراير محور انتظارات من طرف الشارع المغربي، وليس هناك ترقب لعدد المتظاهرين، كما أن التغطية الإعلامية لتظاهراتها تقلصت بشكل كبير جدا، مقارنة مع ما كان خلال سنة 2011. الحركة خفتت ولكنها لم تمت «الحركة خفتت ولكنها لم تمت» يؤكد محمد العوني، منسق المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، ويرى المتحدث أن الحركة «لن تمت ولن تفقد بريقها، فهي مستمرة في الصعود والنزول، ولا يمكن الحكم عليها بأعداد المتظاهرين في هذه النقطة أو تلك، وفي ذلك اليوم أو ذاك، وإنما ينبغي أخذ كل العوامل المؤثرة فيها، والتي جعلتها تنطلق»، ومن أهم العوامل التي تطرق إليها العوني، أن المغرب بعد 20 فبراير ليس هو مغرب ما قبل 20 فبراير، يضيف قائلا، «اليوم هناك انطلاق لنقاش عميق وسعي لطرح القضايا الحقيقة لهذا الشعب، بأصوات واضحة من قبل المسؤولين، ونسجل أيضا أن اليوم قد تكسر جدار الخوف وأصبحنا نعرف ونتتبع العديد من التعبيرات الشعبية الجماهيرية غير محدودة الدلالة، وهذا كله يدل على أن فعل التغيير أخذ أبعادا وامتدادات عميقة»، ويختم العوني حديثه بالقول، «نحن في إطار مرحلة جديدة في ظل الانتقال بفضل ثورة هادئة إلى الديمقراطية وإلى أوضاع جديدة، نتفرغ بعدها إلى بناء البلاد والاقتصاد والمضي نحو التقدم والازدهار».