مضمون عام يلخص تفاصيل قصص إنسانية أطرافها متعددة، تلتقي جميعها في إنتاج واقع بتجليات تختلف حسب سياقاتها، وعنوانها الكبير تحقيق مصالح شخصية، لا تدرك بوعي أو بدونه مآلات قرار تمتد تبعاته في الزمن. المعادلة يشارك فيها طرفان: أسرة تشكو شظف العيش وثقل المسؤولية التي تكاد تقصم ظهر رب الأسرة ومعيلها، في رحلة البحث عما يسكت به الأفواه الجائعة ويلبي المستلزمات اليومية. وزوجان غارقان في بحر الحرمان، يتوسدان الدموع ويلتحفان الألم، يبحثان عن طفل صغير يروي ظمأهم الذي طال زمنه حتى حول حياتهم إلى جفاف يأتي على كل ما اخضر فيها. «أهديك ولدي فلذة كبدي، سيكون ولدك وفلذة كبدك»، هدية تجعل القلوب ترتجف والمُهدى له يطير في السحاب فلا تسعفه الكلمات، بتمتمة وحنو يقول «سيكون ولدي، قطعة مني، سأعطيه كل ما ادخرته من حنان طوال السنين». معادلة العطاء والأخذ هذه تحقق لاشك مصالح للطرفين، لكن نشوة اللحظة تنسيهما مستقبل ذلك الطفل وحالته النفسية، وما سيؤول إليه الوضع عندما يشتد عوده ويعرف من القريب أو البعيد أن تلك أسرته الأصلية: والداه الحقيقيان وإخوته يحملون اسمه ودمه، وهذه أسرته التي ربته واعتنت به ورعته، ولا يفهم من القصة سوى أن تلك «تخلت عنه ورمته» وهذه «أخفت الحقيقة عنه». «التجديد» تعرض في هذا الملف قصص أبناء كبروا في أحضان أسر أخرى بعيدا عن أسرهم الحقيقية، منهم من عرف السر وانتفض غضبا ومنهم من قبل الوضع ومنهم من لا يزال يجر أحزانه. ليلى والغضب « ليلى» ربة بيت وأم لثلاثة أطفال، تقيم في الخارج ولم تزر المغرب منذ ثلاث سنوات، تعود بالزمن طويلا لتحكي ل»التجديد» كيف كانت تسمع من أطفال الحي أن أبناء خالها الذين كانت تزورهم في بعض الأحيان ليسوا سوى إخوتها، «كنت أغضب وأبكي، وأقول لهم أنتم كاذبون، لأعود في نهاية الزيارة رفقة والدتي إلى منزلنا» تقول «ليلى» إن هذا المشهد تكرر في كل مرة تزور فيها من تعتبره خالها وكان الأطفال يتعمدون إخبارها بأن فلانة هي أمها الحقيقية، كانت تبكي وتبكي، في النهاية قرروا إخبارها بالحقيقة» تشرح «ليلى» هذه اللحظة وتقول « لم أفهم الأمر جيدا في البداية، طرحت الأسئلة تلو الأسئلة، لم أقبل هذه الحقيقة التي صارحوني بها، ارتبطت بأمي التي ربتني وكانت المسافة شاسعة بيني وبين والديّ الحقيقيين وإخوتي»، منذ عرفت «ليلى» بالموضوع لم يحاول والداها التقرب منها أو إبداء اهتمام خاص بها «كانت العلاقة بيني وبينهم باردة، كأنهم أشخاص غرباء، كنت أتجنبهم وهم لم يبذلوا أي مجهود لبناء علاقة بي» تشرح ليلى وتضيف «عندما بلغت التاسعة عشرة من عمري تقدم شاب لخطبتي، قالت أمي إن رأي والدي الحقيقيين ضروري في أمر الزواج، لكني رفضت الأمر، إنها لا تعرف أما ولا أبا غير عمتها وزوجها، أولئك بالنسبة لها غرباء لا تعرفهم جيدا، فكيف يتدخلون في رسم معالم حياتها الزوجية ومستقبلها، كان حضورهم إلى جانبي في هذه المناسبة ثقيلا على قلبي كنت دائما أقول لهم في نفسي: كيف تتخلون عني والآن تحاولون فرض أنفسكم علي وتتدخلون في أمري»، بعد سنوات من الصراع داخل نفسها ومن علاقة متوترة وفاترة مع أهلها، سافرت «ليلى» إلى الخارج مع زوجها وأبنائها، هي الآن تزور والدتها - عمتها وتسأل عنها بالهاتف لكن علاقتها بوالديها الحقيقيين جامدة « لا أحد يسأل عن الآخر» هذه خلاصة هذه العلاقة كما تراها «ليلى». حسناء المحظوظة «حسناء» تزوجت في سن الثامنة عشر، ترعرعت في بيت خالها وزوجته اللذين كانا عاقرين ويقيمان في مدينة الرباط، بينما كانت أسرتها تقطن الدارالبيضاء، كانت في سن الرابعة عندما انتقلت للعيش معهما، كانت تدرك بعقلها الصغير أن والديها في مكان وأنها في مكان آخر رفقة خالها وزوجته اللذين كانا يعاملانها بكل ما تحمله كلمة الحب من معاني الرعاية والاهتمام، تقول «حسناء» إنها كانت في كل عطلة مدرسية تزور والديها وإخوتها في الدارالبيضاء، وتحاول جاهدة أن تعيش في انسجام معهم وأن تتقاسم معهم تلك اللحظات وكأنها واحدة منهم، «حسناء» كما تقول تعتبر نفسها محظوظة فهي جزء من أسرتين، وكل واحدة منهما لا تنفك تسأل عنها وتهتم لأمرها وهي كذلك. بين من وضعت ومن ربت «فاطمة الزهراء» تحكي قصة عمتها التي أنجبت توأمين ذكرين، فما كان منها إلا أن أعطت أحدهما لِكنّتها العاقر، والتي كان حلم الأمومة يدغدغ مشاعرها، المرأتان معا لم تخفيا الحقيقة على الطفل بل كان يدرك منذ بداية وعيه أنهما معا أمّهَتَاه، واحدة أنجبته والأخرى ربته، هذه الأخيرة كما تحكي «فاطمة الزهراء» لم تبخل عليه برعايتها المادية والمعنوية، إذ أرسلته إلى الخارج على نفقتها ليستكمل دراسته، بالمقابل كان الابن وفيا لأمه التي ربته عطوفا على تلك التي وضعته. «لا هنا لا لهيه» «عالية» بدورها تحكي قصة أمها التي أعطاها والدها لعمها لكون زوجته عاقرا، لم تستطع مع مرور السنين أن تنجب مولودا، اعتنى بها أبواها الجديدان عناية كبيرة وفرحا لهذه الصغيرة التي أدخلت البهجة لحياتهما، كبرت الطفلة واشتد عودها، لكن مسار حياة الزوجين اللذين ربياها انتهى بالطلاق ليختار العم أن يتزوج امرأة أخرى، تقول «عالية» إن والدتها أحست بالتغيير يطال علاقتها بعمها بعد أن وضعت زوجته الجديدة ابنا من صلبه، كما أن علاقتها بوالديها الحقيقيين ليست متينة وتتوقف على عدد محدود من زيارات المجاملة، لم يعد العم الذي كان أبا حنونا كذلك، تغيرت معاملته لها، وصار جل اهتمامه منصبا على أبنائه، في النهاية قرر تزويجها وانشغل هو بأبنائه فيما كان والداها الحقيقيان منشغلان أيضا بباقي أبنائهم. تقول «عالية» «رغم عدم وجود مشاكل إلا أنني أحس أن علاقة والدتي بوالديها فاترة لا عمق فيها ولا حرارة». لبنى الغاضبة لبنى فتاة في السابعة عشر من عمرها، كانت تعيش في كنف أسرتها في اطمئنان لتكتشف ذات يوم وهي في عمر الثانية عشر صدفة أن خالتها ليست سوى أمها، لقد اتفقت الأم بعد أن بلغت الطفلة عامها الأول أن تعطيها لشقيقتها لتؤنس وحدتها وتملأ البيت الذي لا صوت طفولي يخترق الصمت الذي يسكنه. تقول «لبنى» إن حياتها انقلبت رأسا على عقب، أحست بالخداع وبالخيانة، وبأنها غريق يبحث عن قشة يتشبث بها، مزيج من المشاعر داهمتها في تلك اللحظة، وعقلها الصغير لم يستوعب كل ما يجري، بعد حزن وعزلة وغضب استسلمت لقدرها، هذه الأحداث صنعت منها فتاة متمردة غاضبة عنيدة، وأمام هذا الواقع قرر والدها الحقيقي استرجاعها إلى كنفه «ليربيها على يديه من جديد» كما يعتقد « أحسست بأنني شيء، لم أكن أختلف عن طاولة أو هاتف أو أي شيء مادي، قرروا إعطائي لأسرة أخرى وحياة أخرى ثم فيما بعد قرروا إرجاعي، كنت غريبة بينهم.. فعلاقتي بإخوتي محدودة وجهلي بطباع والدي جعلني أصطدم معه في عدد من المرات، كان يصرخ في وجهي، يغضب من تصرفاتي، لا يوجه لي سوى كلام غارق في الأمر والنهي»، تقول لبنى» إن الغضب ما زال في داخلها يرافقها في كل مكان، تنتظر اليوم الذي تتخلص فيه من هذا الواقع، وتطلق في أعماقها الاتهامات صوب والديها اللذين تعتبرهما السبب فيما تعيشه من ألم داخلي ومن إحباط وغضب. أطفال للابتزاز قرار إهداء الطفل يكون في لحظة صفاء بين أم ولود وأخرى عقيم، يكون المولود في بداية تنفسه هواء الدنيا الجديدة، لا يدرك محيطه بحاجة إلى من يهتم به ويرعاه، لكنه في بعض الأحيان يتحول إلى وسيلة للابتزاز تكون آثاره الأكبر على سلوكات الأطفال، وهذه خلاصة قصة الطفلين «آية» و»أيمن»، بعد وفاة والدتهما بمرض عضال وهما يخطوان أولى خطواتهما في الحياة، قرر الوالد في خضم حزنه وعدم قدجرته على العناية بهما أن تكون اخته الشقيقة والغنية والتي لم تتمكن من الانجاب هي الأم البديلة: فيتخلص هو من ثقل المسؤولية التي تجثم على صدره وتهتم هي بأبناء اخيها اللذان يحملان اسمها ويحتاجان إلى من يهتم لأمرهما، لكن مع الوقت أصبح الوالد يستعمل الطفلين لابتزاز أخته الغنية، فمقابل استمرارها بالعناية بالطفلين كان يطالبها بمساعدته ماديا بعد أن تزوج من جديد وأصبح مسؤولا عن أطفال آخرين، «آية» و «أيمن» دخلا أيضا في اللعبة، فأصبح يبتزان عمتها - أمهما التي كفلتهما لتلبية طلباتهما التي لا تتوقف « وإما سيعودان لحضن والدهما». تحول الاطفال إلى وسيلة ولعبة في يد الوالد وتحول الأطفال إلى نقطة ضعف لدى السيدة الكفيلة، وتستمر قصة الابتزاز إلى أجل غير معلوم.