غير مبرر تماما الطريقة التي تعامل بها الإعلام العمومي في المغرب مع اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد والتداعيات التي لحقت هذا الحادث لا من الناحية المهنية ولا الأخلاقية ولا حتى السياسية والدبلوماسية. أولا، لأن الأطراف كلها في تونس، وفي مقدمتها حركة النهضة أعلنت عن إدانتها الشديدة لحادث الاغتيال، بل إن الترويكا الحاكمة في تونس اعتبرت أن المستهدف الأول بعملية اغتيال هذا الزعيم السياسي هو عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، وقاعدته الأساسية التي هي التوافق الإسلامي العلماني الذي يشكله تحالف الترويكا الحاكمة. ثانيا، لأن الأمر يخص الجارة تونس، وليس من المصلحة في شيء أن يصير المغرب طرفا في هذه الأحداث، يصطف مع جهات على حساب جهات بالشكل الذي ربما ينتهي إلى الإضرار بمصالحه الحيوية، بل إنه ليس من المصلحة في شيء أن يسقط إعلامنا عمليا، بوعي أو بدون وعي، في منزلق التماهي مع الموقف الفرنسي مما يجري من تطورات متسارعة في تونس. ثالثا، إن الطريقة السيئة التي تم بها التعاطي مع الأحداث بتصوير حركة النهضة، الحزب الذي يقود الترويكا الحاكمة، باعتباره حزبا إرهابيا دمويا مع تحميله مسؤولية الاغتيال، يصب في الأجندة التي تحاول أن توسع الهوة بين التيارين الأساسيين في المجتمع: الإسلامي والعلماني، وتحدث شرخا كبيرا بينهما، هذا في الوقت الذي يعلم الجميع فيه أن قاعدة الانتقال الديمقراطي في كل بلدان العالم العربي لا يمكن أن تبنى إلا على أساس وفاق تاريخي أو كتلة تاريخية بين الطرفين، بدأت تجد طريقها إلى التبلور في التجربة التونسية والمغربية أيضا وإن بشكل جزئي. رابعا، إن قواعد المهنة لا تبرر بحال الطريقة السيئة التي تم بها التعاطي مع التطورات التي عرفتها الساحة التونسية، إذ بدل أن يتم التعامل مع الأحداث بحيادية مهنية، انزلق الخط التحريري لإعلامنا العمومي، وبخاصة للقناة الثانية، إلى ما يشبه الترجمة الفعلية للموقف الفرنسي مما يجري في تونس والإسناد الكامل له. إنه مفهوم ومبرر بالنسبة إلى فرنسا أن يكون لها ذلك الموقف المؤسف من الأحداث الجارية في تونس، ولو كان في العمق مناهضا للتحول الديمقراطي في تونس وموجها له خارج ما تقرره الإرادة الشعبية، لكن، أن تدافع فرنسا عن النخب المرتهنة بها، فشيء مفهوم، لأنها في نهاية المطاف تنحاز إلى مصالحها حتى ولو اضطرها الأمر أحيانا إلى أن تكون ضد مبادئها الديمقراطية. لكن أن يسقط إعلامنا العمومي، بوعي أو بدون وعي، في خدمة هذا الموقف، و أن لا يعكس بالمرة الموقف المغربي الرسمي الذي بدا متوازنا وحياديا وداعما للتحول الديمقراطي، فهذا يطرح بجدية سؤال المصالح السيادية للمغرب في إعلامه العمومي. ربما كان مفهوما أيضا أن يصدر مثل هذا الموقف من الإعلام العمومي للدول التي بقيت خارج التحول الديمقراطي، وتبدو منزعجة منه خوفا من أن تصلها رياحه مثل الجزائر مثلا، لكن، في بلد كالمغرب، الذي نحت فرادة تجربته بأجوبته السياسية الشجاعة، وفتح بجرأة ورش الإصلاح الدستوري، وأجرى انتخابات نزيهة، وتعامل بديمقراطية مع نتائجها، فمن المعيب أن يكون الخط التحريري للإعلام العمومي يسير في اتجاه معاكس للتجربة وقريب من الأشكال البدائية التي يشتغل بها الإعلام العمومي في الدول المناهضة لتجربة التحول الديمقراطي. إنه ليس من المصلحة في شيء، في هذه الظرفية الحساسة التي تعرف فيها الشعوب العربية تجربة انتقالها الديمقراطي أن يسود الاحتقان بين الإسلاميين والعلمانيين، بل ليس من المصلحة في شيء أن يتم بعث الصراعات القديمة واستدعاء التهم والكليشيهات الغابرة، وتبديد كل الجهود التي تم القيام بها من أجل تقريب الشقة بين التيارين من أجل كسب رهان الحرية والكرامة ومناهضة الفساد والاستبداد. إن الرابح الكبير اليوم من تأجيج هذا الصراع ومحاولة تفكيك التقارب الإسلامي العلماني الذي تأسس أصلا من أجل الدفاع عن الديمقراطية ومواجهة الفساد هي البنيات السلطوية التي تحاول بجميع الأشكال أن تستعيد المبادرة وتجدد آليات اشتغالها خوفا من رسوخ تجربة الانتقال الديمقراطي وبداية تحقيقها لأهدافها وفي مقدمة ذلك، وقف نزيف الفساد والريع بشتى أشكاله وألوانه.